مطهر الأشموري -
< تأثر ثورة سبتمبر 1962م بالمد القومي ومن ثم بالاستعانة بجيش مصر انعكس في تشابه تشكيل مجلس للثورة وفي العلم الوطني ومشترك «الطير» وإن اختلف شكله.
ولهذا فإننا حيث نتوقف أمام مسمى «جبهة التحرير» نستطيع الفهم بأنها المقاومة لتحرير جنوب الوطن من الاستعمار وحين التوقف أمام عنوان «الجبهة القومية» ففي ذلك ربط للتحرير بالمد القومي آنذاك ربطاً بمصر والزعيم عبدالناصر حين تنتصر ثورة اكتوبر والجبهة القومية هي التي ستتسلم الحكم فالموضع القومي بعد هزيمة 1967م لم يعد يوفر لها دعماً بمستوى ثورة سبتمبر، ولم يعد امامها إلاّ اللحاق بخط ثورة سبتمبر بعد الهزيمة القومية أو الاستعانة بمد ثوري أممي هو في أوجه.
الحزب الاشتراكي أسس للانتقال للخط الأممي لحل مشكلة أو اشكالية الثورة لتظل ثورة وتقود الواقع كثورة.
تصورات ما بعد الصلح مع الملكيين في تفاعل صراع القوى داخلياً وربطا بالتطورات والأوضاع الاقليمية ربط القلاقل وعدم الاستقرار والانقلابات بهذه الصراعات داخلياً وخارجياً فالزعيم عبدالله السلال الذي كانت تبعيته لمصر وعبدالناصر لم يقل عنه أو يطرح بأنه ناصري كما ابراهيم الحمدي.
ولذلك فإنه حين مجيئ علي عبدالله صالح للحكم كان المتابع غير المطلع على الاسرار يتساءل هل يكون مع السعودية كما الغشمي أو ضدها كما الحمدي؟
هل هو من القوميين أو ناصري أم بعثي؟ إذاً حرب المناطق الوسطى أفرزت قوة واقعية أطلق عليهم «الاخوان» حتى مع حقيقة ثقل السلفية في تلك الحروب؟
فإذا السير الى الحزب الاشتراكي جاء كحل لأوضاع ما بعد الهزيمة القومية كحل ثوري.. فكيف يمكن الحلحلة أو صياغة حل للأوضاع التي جاء فيها «صالح» وما أضافته حروب المناطق الوسطى؟
فبغض النظر عن اتفاق أو اختلاف مع الزعيم علي عبدالله صالح بعد ثلاثة عقود من حكمه فإننا لا نستطيع كتاريخ غير التسليم بواقعية تفكيره ووصوله الى فكرة عبقرية بإنشاء المؤتمر الشعبي العام من خلال حوار وطني بين القوى الفاعلة في الساحة والتي صاغت المشترك الفكري لها بما يمثل النظرية والأساس النظري «الميثاق الوطني» ومن ثم عقد مؤتمر التأسيس والاشهار للمؤتمر الشعبي العام.
المؤتمر الشعبي أسس كمظلة تعمل تحتها قوى اليسار واليمين والقومية وغيرها، ومثل بمعيار وأوضاع ذلك الزمن مستوى واقعي أوله واقعية وتفعيل التنوع أو التعدد تحت هذه المظلة وبما لم تنجح فيه تجريب وتجارب أخرى كما الاتحاد الاشتراكي في مصر أو ما تسمى الجبهة التقدمية في سوريا.
أي حزب أو تنظيم سياسي إنما يقرأ في ومن المحطات التاريخية الأهم لمساراته أو تسييره صراعياً داخله ومع قوى أخرى أو لاستيعابه واحتوائه للصراعات لأن هذا الاستيعاب والاحتواء هو الحرص على أرضية توافق في كل ظرف أو محطة.
عندما يصبح الاشتراكيون وبعد عدة حروب شطرية طرفاً فاعلاً وحاضراً تحت مظلة المؤتمر في ظل استمرار التشطير والحزب القائد بحكم عدن.
عندما يكون الاخوان بتطرف تحت هذه المظلة وعندما يصبح الناصريون بعد محاولة انقلاب 1979م تحت هذه المظلة.
ذلك كله يؤكد استحقاق هذه المظلة فوق الشكلية والتكتيكية في أي بلدان أخرى.
ففي ظل هذا التموضع فالشيخ عبدالله الاحمر كثقل اجتماعي وسياسي وهو رئيس الاخوان له طرح رؤاه ربطاً بثقل كالسعودية ومثل ذلك البعث فيما مارسه من دور خلال غزو الكويت مثلاً.
فالواقع بات يتعامل مع التأثيرات الخارجية كمؤثرات داخلية كرؤى لأطراف سياسية تطرحها وتناقشها تحت مظلة المؤتمر أو حتى مع الشارع من خلال الصحافة وغيرها من الوسائل.
فالمؤتمر كان الأرضية الوحدوية بعد مجازر 1986م بعدن ولكن ليس بتفكير فرض الوحدة بالقوة.
وقوف الاخوان ضد الوحدة وضد دستور دولة الوحدة يؤكد استحالة تحقق الوحدة 1990م بدون المؤتمر الشعبي العام.
إنني ربما من أكثر من مارس نقد المؤتمر وبحدة وقسوة في فترات من نشاطه وجوانب من أدائه ولكن من أجل الأفضلية له والأفضل منه، فيما لم أفكر يوماً أو لحظة بإقصاء لهذا الثقل لما يمثله ذلك من خطر على الواقع ومخاطر تجاه القضية الوطنية، المؤتمر هو الحالة الوسطية وهو الحاضنة الوطنية الواعية والمستوعبة للمؤثرات والصراعات والمتغيرات والمحطات الداخلية والخارجية ولذلك فمن السهل قراءته من صراعية وصراعات الأطراف الأخرى.
الرئيس التوافقي الحالي عبدربه منصور هادي هو نائب رئيس المؤتمر وأمينه العام والمشكلة لم تكن في تقديم المؤتمر له كبديل حين جرى حوار مع أحزاب المشترك بمنزله في بدايات أزمة محطة 2011م، ولكن المشكلة أن أطراف المشترك حضرت هذا الحوار وهي لم تتوافق ولا تستطيع التوافق على مرشح بديل من طرفها.
ذلك يؤكد أن أحزاب المشترك لابديل لأداء هذ الدور لديها وتحتاج لمقترح المؤتمر لحل مشكلة لديها وبينها أصلاً كأطراف سياسية.
مادمت كصحفي ومواطن يمني مارست انتقاد طرف سياسي كالمؤتمر بمستوٍ عالٍ من الحدة وقبل محطة 2011م فذلك يؤكد أن وجهة نظري تجاه المؤتمر ليست انساق التفعيل والتفاعل مع هذه المحطة أو مجرد نتيجة في سياقها وتسويقها.
لا أرى كل المحطات التي مورست في المنطقة منذ آخر الحروب وأول اتفاق سلام مع اسرائيل سوى محطات أمريكية تشرك فيها الشعوب أو الأنظمة كجهاد وارهاب وتفعيل الحروب أياً كانت المباشرة فيها أو غير المباشرة.
محطة 2011م هي استمرار وامتداد لهذه المحطات ولهذا فإني لم أكن ضد الطرف الداخلي كثورة ولكني ضد ما هو مفروض مسبقاً فأمركة وأخونة وتفعيل مرونات واشاعة التسامح داخلياً هو أفضل من انقياد لخارج لا يفضي إلاّ لمزيد من الذل والاذلال والدمار والافشال.
لست راضياً عن المؤتمر لفترة ما بعد محطة 2011م وفي اطار شراكة الفترة الانتقالية وحكومة الوفاق ولا أدري ان جاء ذلك من وضع وتموضع اضطرار أو لامتصاص محطة في تداعيات وتوابع ولكن مثل هذه الفترةلا تصلح لحكم على طرف سياسي، وبالعكس قد تثبت الأزمنة والتطورات القادمة بأن هذا الهدوء والتهدئة أو حتى ما يطرحه البعض ربما للشماتة «الانبطاح» ما يجسد الوعي الأفضل والأهلية السياسية الأنسب للتعامل مع طرف أو محطة أو فترة.
الهزيمة القومية هي التي غيرت الجبهة القومية الى الحزب الاشتراكي ومن ثم لم يحتاج كطرف لتغيير مسماه حين أعاد تغيير خطه الأممي.
اذا أمريكا افتراضا خلال أو بعد عقد أعلنت ان التنظيم الدولي للاخوان هو ارهابي كما التنظيم الدولي للقاعدة فالاخوان ستنتهي كتنظيم دولي وأطراف واطياف وبالتالي فالمعيار ليس افعال وتفيعل الارهاب كما يحدث في مصر وإنما الموقف والاعلان الأمريكي وللمتابع استرجاع حالة أبو حمزة المصري ربطاً باليمن.
المؤتمر لا يحتاج لتغيير خط اساسي أو سياسي له ولا لبس أو غموض أو حتى رمادية في الافعال والتفعيل السياسي والواقعي من طرفه وهو لذلك مستمر وسيستمر بصالح وبدونه وبهادي وبدونه.
قبل محطة 2011م كنت أضحك من صحف معارضة حينما كانت تكتب عبارة «انتهاء صلاحية حكم صالح»، فيما تفعيل محطة 2011م كانت انهاء لحكام وأنظمة بإرادة غربية مغلفة بثورات وربيع عربي ونحوه، فإذا أمريكيا والغرب من متراكم محطاتها في المنطقة منذ أول اتفاق سلام مع اسرائيل باتت هي من يحدد سقف أو انتهاء صلاحية حاكم أو نظام فإنها لا يمكن أن تحدد بدء وانتهاء صلاحية لحزب أو طرف سياسي وهي وقد انتزعت من شريعة الحرب ضد الإرهاب تحدد صلاحية اطراف تتداخل أو تلتحم في افعال وتفعيل الإرهاب فيما لا تستطيع فرض شريعة الغاب.
المؤتمر الشعبي العام قوي من متراكم في الواقع العام الشعبي اليمني ولا يحتاج لقوة ولا الاستقواء بمتغيرات أو مؤثرات خارجية وهو من ذلك يتعامل من ثقة مع المتغيرات كما أزمة 2011م وسيكون أقوى بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
ولذلك مثلي ربما يستعد لنقده حينذاك كما دأبت من فلسفة فهم ومفهوم وطني للحرية ترفض التذيل للمتغيرات ودور الذيول في محطات!!