يحيى علي نوري -
تعزيز الشراكة المستقبلية بين وزارة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والدفع بكافة جوانب التعاون الإيجابية في مجال حقوق الإنسان، لا شك بأنها أهداف نبيلة تتطلع بلادنا وفي إطار توجهاتها الراهنة إلى تحقيق المزيد من الإنجازات على هذا الصعيد كتعبير واضح عن عظمة إيمانها بالخيار الديمقراطي الذي أخذت به كقاعدة قوية وهامة لبناء حاضرها ومستقبلها في الديمقراطية وتعزيز المشاركة الشعبية الواسعة والتي تأتي حقوق الإنسان في صدارة كل ذلك باعتبار أن الإنسان هو صاحب المصلحة الحقيقية من كل هذا الحراك الديمقراطي والتنموي.
وما يزيد من بعث حالة الارتياح البالغة لمستقبل هذه التوجهات ما تقوم به حالياً وزارة حقوق الإنسان وعلى ضوء المضامين الحقوقية والديمقراطية التي حفل بها برنامج الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، وذلك في تواصل إيجابي مع مختلف المنظمات المدنية بهدف الوصول إلى رؤية شاملة وثاقبة قادرة على تشخيص واقع حقوق الإنسان في بلادنا ورسم ملامح وآفاق المستقبل من خلال شراكة فاعلة بين الوزارة ومختلف المنظمات المعنية، تمكنها من لعب دور مهم على صعيد مختلف الجوانب الحقوقية التشريعية منها والتنفيذية.
وحقيقة أن اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي والذي ضم الدكتورة هدى البان، وزيرة حقوق الإنسان، مع ممثلي المنظمات المدنية المعنية، قد بين مدى حرص بلادنا على جعل توجهاتها بهذا المجال تستند على المشاركة الفاعلة لهذه المنظمات، كما عكس هذا اللقاء حقيقة أن التوجه الأحادي من قبل الجهات المعنية في مجال حقوق الإنسان لا يعبر عن عظمة الأهداف التي تتطلع بلادنا إلى تحقيقها وهي أهداف نحاول من خلالها بلوغ كافة حقوق الإنسان من خلال المشاركة الفاعلة للمنظمات المعنية باعتبار أن هذه المشاركة تمثل واحدة من الصور الحقيقية لحقوق الإنسان وحقه بالمشاركة في بلورة الأهداف ورسم ملامح وآفاق مستقبل بلاده في هذا المجال.
ولا شك أن طبيعة التوجهات القادمة والتي ستقوم بها وزارة حقوق الإنسان تعد من الأهمية بمكان ما دفع بالبعض من المهتمين والمختصين برصد حراك وتفاعلات المنظمات المدنية إلى مطالبتها بالمزيد من الانفتاح مع الجانب الحكومي واعتماد المزيد من الشفافية والوضوح في طرح مختلف القضايا المتصلة بأهدافها وأنشطتها وبرامجها وبالصورة التي تعبر فيها هذه المنظمات عن حرصها الشديد على الاستغلال الأمثل للتعاون مع الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة حقوق الإنسان، كما أن التعامل الإيجابي من قبل هذه المنظمات مع هذا التعاون يمثل وفقاً لمعطيات واقعها شرطية مهمة لها حتى تتمكن من القيام بواجباتها ومسؤولياتها في المجالات الحقوقية والتشريعية والتنفيذية منها ما لم يكن دورها هذا مستنداً في الأساس لقاعدة متينة من التعاون والتنسيق مع الجهات المعنية حتى يصب الجانبان مختلف جهودهما في بوتقة واحدة وهي تعزيز مسار حقوق الإنسان في بلادنا والوصول إلى الممارسات الحضارية التي من شأنها أن تجعل من بلادنا الأنموذج الذي يشار إليه بمزيد من التقدير والإجلال.
وعلى هذا الأساس فإن المنظمات المدنية مدعوة أيضاً إلى أن تحدد أولاً ماذا تريد من أهداف وبرامج ومناشط يتم بلورتها من قبلها من خلال قراءة متأنية لمتطلبات الواقع اليمني وعوامل تعزيز توجهاته الحقوقية ومتطلبات جعل الوعي الحقوقي ينعكس من خلال الممارسات التي ينبغي على هذه المنظمات أن تعكسها بسلوك حضاري متجرد تماماً من المزايدة السياسية وحالات الاندفاع العاطفية باتجاه التعبير عن أهدافها وبرامجها وكذا في عملية إصلاح كافة الاهتزازات التي تعاني منها علاقاتها ليس مع الجهات المعنية فحسب وإنما مع الرأي العام اليمني صاحب المصلحة في برامجها ومناشطها.
وباعتزام وزارة حقوق الإنسان القيام بإعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان فإن الفرصة باتت اليوم سانحة أكثر من أي وقت مضى أمام مختلف المنظمات في القيام بدور مواكب ومتعاون ومنسق مع وزارة حقوق الإنسان لبلوغ هذه الاستراتيجية والتي سيمثل إنجازها إضافة جديدة وفاعلة لتوجهات بلادنا الحقوقية من شأنها أن تعمل من خلال أهدافها وبرامجها وتنبؤاتها للمتطلبات المستقبلية على المستويين الآني والمستقبلي من العمل على تعزيز عملية الشراكة بين المنظمات ووزارة حقوق الإنسان.
وبما أن بشائر هذا التوجه قد عكستها جهود الوزارة الحالية من خلال دعوتها ممثلي هذه المنظمات للاجتماع في إطار أعمال التهيئة والإعداد التي تقوم بها الوزارة لهذه الاستراتيجية وما تعبر عنه بوضوح من حرص على مشاركة المنظمات في رسم الإطار العام للاستراتيجية الوطنية فإن ذلك لا شك قد جعل على عاتق المنظمات مسؤولية أكبر تتطلب منها التقيد والالتزام الكاملين بالأسس والقواعد الديمقراطية في عملية التعاون والبحث مع الوزارة لتحقيق هذا الهدف ومن خلال أداء تشاوري ينطلق من حيثيات الواقع اليمني وبعيداً عن أي تمترس وراء المزايدة والمناكفة السياسية والتي تعد من أبرز العراقيل والصعوبات التي أساءت للعلاقة بين الجانبين، وأحدث انغماس العديد من المنظمات فيها ضعفاً في أدائها الذي بات إعلامياً أكثر مما يعبر عن المهنية التي تستدعي الالتزام بها في برامجها ومناشطها الحقوقية باعتبار أن المهنية هي أداتها الفاعلة للوصول إلى الأهداف المنشودة والتي تفرض عليها دائماً الانتصار لأهدافها من خلال المزيد من التجرد من المناكفة والمزايدة السياسية والانجرار وراء التداعيات التي تشوب العلاقة الحزبية وما تعززه من حملات إعلامية مضللة وكذا العمل على المزيد من الانغماس في المجتمع وتقديم خدماتها الحقوقية والتوعوية والإرشادية من خلال الاستقطاب للمهارات من الكوادر المتخصصة في مجالات الرصد والتحليل في المجالات الحقوقية والتي من شأن هذه الكوادر أن تساعدها على جمع المعلومات التي يمكن من خلالها صياغة قراراتها الصائبة.
وحقيقة أن هذه المتطلبات إذا ما حرصت هذه المنظمات على التفاعل الحضاري معها فإن آفاق عملها ستكون أكثر قدرة على الفعل الإيجابي وكذا علاقاتها مع الجهات المعنية أكثر قوة وصلابة.. وكل ذلك سيفضي بها إلى بلوغ نشاط حقوقي متقدم سواء في الجوانب التشريعية أو التنفيذية.
والخلاصة.. إن المنظمات المدنية ووفقاً لكل هذه المعطيات والتحولات والمتغيرات المتسارعة من حولها وخاصة على صعيد التوجه إلى إبراز الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فإنها - أي هذه المنظمات - مطالبة أيضاً بضرورة الإسراع في إجراء إصلاحات شاملة على صعيد أنظمتها ولوائحها حتى يمكن لها تنظيم علاقاتها على أسس وقواعد سليمة أو القيام بتنظيم علاقاتها الداخلية وعلى مستوى كل منها في إطار من الأنظمة واللوائح التي تجسد حقوق العاملين في إطارها باعتبار أن هذه الحقوق واحدة من الحقوق الإنسانية.
وذلك إذا ما تم أيضاً فإن المنظمات ستكون في بداية الطريق الصحيح الذي يؤهلها إلى لعب أدوار فاعلة باتجاه تحقيق المزيد من الحراك الإنساني والحضاري على صعيد حقوق الإنسان.
الثورة