الإثنين, 07-أكتوبر-2013
الميثاق نت -  عبدالفتاح علي البنوس -

< حب الوطن من الإيمان، ومن الطبيعي أن تخفق قلوبنا بحبها لوطنها، وتشرئب الأعناق عند ذكره والحديث عنه، وأعتقد جازماً بأن الأشخاص الذين لا تخفق قلوبهم بحب اليمن وهم يحملون الهوية اليمنية يعانون من أزمة ضمير وأزمة وطنية، ولذلك فلا خير منهم يرتجى ولا فائدة منهم تنتظر، فهم أشبه بالسوس ينخرون في جسد وطننا الحبيب ويعملون على تفكيك أوصاله وتمزيق وحدته والنيل من منجزاته وكل صور الجمال التي يتمتع بها، والحديث عن الوطنية ليس مجرد كلام منمق أو شعارات تردد، فالوطنية قيمة سامية تحمل في طياتها قيماً أخرى ترسخ القيمة الأم، ونحن للأسف الشديد نعيش في ظل أوضاع أقل ما توصف بأنها في غاية الصعوبة والتدهور وخصوصاً فيما يتعلق بالولاء والانتماء الوطني والحرص على المصلحة الوطنية.
فالمتأمل لما يجري من حولنا يلمس حالة تفريط عير مسبوقة في الثوابت والقيم الوطنية السامية والتي كانت في السابق بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، فتلاحظ تفريطاً في السيادة والاستقلالية الوطنية، وتفريطاً في العزة والكرامة، وتفريطاً في الحرص على المصلحة الوطنية، وتفريطاً في الدم والعرض الوطني، وتفريطاً في روابط الاخوة الوطنية والدينية، وتفريطاً في الوحدة، وتفريطاً في أمن واستقرار الوطن، فرطنا في كل شيء من أجل المال المشبوه والسلطة والمصالح الحزبية والسياسية والشخصية ومن أجل تحقيق مخططات أعداء اليمن، الذين لا يصفو لهم عيش ولا يرتاح لهم بال، ولا يجبر لهم خاطر الا إذا شاهدوا يمننا الحبيب مفرقاً مقسّماً، غارقاً في الصراعات والأزمات.
واقع مؤلم جداً، وكأننا وحوش نعيش في غابة كل واحد يسعى لإشباع غرائزه وتحقيق غاياته مهما كلّفه ذلك من ثمن، الرئيس ينشد مصلحته والوزير يقاتل من أجل تأمين مستقبله وهبر ما يمكن هبره، والنائب يسابق الرياح من أجل أن يوفر لنفسه وأولاده ما يستطيع من الثروة، والسياسي كل همه تحقيق مصالحه والحزبي يقاتل من أجل الانتصار لحزبه في كل ما يسعى الى تحقيقه ولو كان في ذلك هلاك الحرث والنسل، والعالم الواعظ يتاجر بدينه وقيمه وأخلاقه، والأكاديمي يزيف الحقائق ويُفسد الأجيال بأفكاره المسمومة وأطروحاته الفجة، والطبيب يتاجر بمرضاه ويحوّلهم الى فريسة يلتهمها بكل برود دونما مراعاة أو رحمة أو شفقة، والتاجر يحتكر السلع ويتلذذ بتعذيب المواطنين والمتاجرة بأقواتهم، والإعلامي يمارس دور «الدوشان» السلبي مع احترامنا لأصحاب هذه المهنة، فتراه اليوم صاحب فكرة أو توجه ما وفي الغد يتصدر قائمة المنتقدين لها والناقمين عليها، تحركه المادة والمصلحة ويحكمه الولاء للأحزاب والأفراد والمصلحة الشخصية رافعاً شعار «من تزوج أمنا صار عمنا»، والخطيب تحول الى داعية فتن وأداة من أدوات الهدم والتخريب، والدبلوماسي تحول الى عميل أو الى مستثمر، والمعلم تحول الى كتلة من الجهل والتخلف، والمحامي تحول الى شاهد زور يدافع عن الظلمة وينتصر لهم من أجل المال، والقاضي تحول الى غريم، وإذا كان غريمك القاضي فمن تقاضي، والحامي صار هو الحرامي، وهلمجرا من هذه الأصناف التي أساءت لنفسها وللوطن وللشعب، وينبغي الإشارة الى أنني هنا لا أعمم هذه الممارسات على كافة من ذكرتهم، فهناك نماذج وطنية مشهود لها بالكفاءة والاقتدار والوطنية والعمل المخلص ولكن للأسف هؤلاء إما قلة لا أثر لهم أو لأعمالهم أو أنهم من الفئة المهمشة المغضوب عليها والتي يتم محاربتها وتصفيتها من مواقع العمل والمسؤولية في مختلف قطاعات ووحدات الدولة المدنية والعسكرية والامنية وهذا ما يحز في النفس ويمرض القلب.
فمتى أرى في بلادي رئيساً يجعل السلطة وكرسيّها مغرماً لا مغنماً، ويعمل على خدمة أبناء شعبه وتحقيق كل أحلامهم وتطلعاتهم باعتبار ذلك واجباً عليه ولا يحتاج على ذلك من شعبه لا جزاءً ولا شكوراً؟! ومتى أرى في بلادي رئيس حكومة يحترم نفسه وشعبه ولا يتردد في الاستقالة من منصبه عندما يجد من حكومته سيفاً مسلطاً على رقاب المواطنين، تمتهن إنسانيتهم وآدميتهم بالتجريع والتجويع؟!! ومتى أرى في بلادي وزيراً يعمل من أجل خدمة وطنه لا من أجل خدمة نفسه وأسرته وأقاربه وأعضاء حزبه؟! ومتى أرى في بلادي برلمانياً لا يحنث بالقسم الذي أقسمه عند دخوله البرلمان ويعمل على خدمة أبناء دائرته ويقدم مصالحهم على مصالحه ويجعل من تمثيله لهم في البرلمان مجسداً لهمومهم ومطالبهم؟!! ومتى أرى القائد العسكري الذي لا يتاجر بسلاح الجيش ولا يتردد في تقديم كل أوجه الدعم والعون لكل فرد في إطار وحدته العسكرية أو الأمنية ويحرص على منحهم العلاوات والترقيات كما هو حرصه على علاوات أولاده وأقاربه الذين يتقاضون المرتبات وهم في البيوت أو يدرسون على نفقة الدولة خارج الوطن؟!!
متى أرى في بلادي العالم أو الداعية الذي يخاف الله في سره وعلانيته، ويقدر المكانة التي منحها إياه الخالق عز وجل والرسول عليه الصلاة والسلام ويعمل بمقتضى كتاب الله وسنة رسوله بعيداً عن الحزبية والسياسة والمصالح النفعية الرخيصة؟!! ومتى أرى القاضي النزيه الذي يحكم بالعدل ويحقق عدالة السماء على الأرض؟!! ومتى أرى في بلادي السياسي المحنك الذي يلزم الصدق ويخاف الله في شعبه ووطنه؟!! ومتى أرى في بلادي الحزبي الذي يُغلب مصالح الوطن على مصالح حزبه قولاً وعملاً؟! ومتى أرى المحامي الذي ينتصر للعدالة ويأخذ للمظلوم حقه ممن ظلمه مهما قُدّمت له من إغراءات؟!! ومتى أرى في بلادي الأكاديمي الذي يحترم المكانة والمستوى العلمي الذي وصل اليه ويربأ بنفسه عن الانسياق وراء وساخات ورذائل الساسة التي تتعارض مع المصلحة العامة للوطن؟! ومتى أرى في بلادي الطبيب الذي يقدس مهنته ويرفق بمرضاه ويرفض المتاجرة بهم واستثمار حالاتهم المرضية لجني الأموال وكسب الأرباح الخيالية؟!!.. ومتى أرى في بلادي المعلم الذي يخلص في عمله ويبدد ظلمة الجهل والتخلف؟!! ومتى أرى في بلادي المسؤول أو الموظف الذي يؤدي عمله على أكمل وجه مرضاة لله وتجسيداً للمسؤوليات والمهام الموكلة اليه دون أن تقصير أو تهاون، وبعيداً عن النفاق والتزلف والمداهنة؟!!
ومتى في بلادي أرى أحزاباً تتنافس عبر برامجها الانتخابية على خدمة المواطنين لا على أصواتهم الانتخابية ومصادرة حقوقهم العامة والخاصة؟! ومتى أرى في بلادي دولة يحلف الصغير قبل الكبير والغني قبل الفقير بهيبتها وسطوتها غير القابلة للأخذ والرد؟!! ومتى أرى في بلادي عدالة تردع كل باغٍ، وتزجر كل مجرم، وترعب كل ظالم وتوقف كل شكل من أشكال العبث والفساد والفوضى، عدالةً لا تفرق بين غني وفقير ومواطن ومسؤول، عدالة لا يُظلم معها صاحب حق كائناً من كان؟!! ومتى أرى في بلادي المدنية والتي تؤسس لدولةحديثة ومتطورة يحكمها النظام والقانون لا الشيخ والعكفة والمسؤول أو القائد والخُبرة «بضم الخاء»؟!! ومتى أرى في بلادي الروح الوطنية والحرص على المصلحة العامة متجسدة في كل فرد من أفرادها؟!! ومتى أرى في بلادي كل تلكم الصور والمشاهد والممارسات والإنجازات التي تدهشنا بها الدول الشقيقة والصديقة؟! ومتى أرى في بلادي نهاية لنزيف الدم، ونهاية لمسلسل الفساد، ونهاية لمسلسل الفوضى والعشوائية والدعممة واللامسؤولية ونهاية للإقصاء والإلغاء والتخوين والتأزيم والعمالة والارتزاق؟!!
صحيح هناك نماذج حية نفاخر بها ولكنني أنشد كل هذه القيم والمبادئ لكل أبناء الوطن إذا ما أردنا الخير لنا ولوطننا، فاليد الواحدة لا تصفق، ومخرّب واحد غلب ألف عمّار، فهذا ما أريده لوطني وما أنشده ليمني الحبيب.. وهذا علمي ولا جاكم شر.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:02 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-34993.htm