خالد صالح مخارش -
يعد القتل من أبشع الجرائم التي أفاضت في تحريمها كل الأديان السماوية والشرائع والمواثيق الإنسانية عبر مختلف المراحل التاريخية للمسيرة الإنسانية وذلك لما ينطوي عليه القتل من معاني الاستلاب لحق الوجود والحياة وما ينتج عن ذلك من تفجير لطاقات الشر الكامنة في الإنسان ولما تمثله من انبعاث القوانين في الغاب المرتكزة على منطق العدوان ومفاهيم الغلبة.
فقد خلق الله أبا البشرية (آدم عليه السلام) ونفخ فيه من روحه ليمنحه الحياة ثم أمر الملائكة بالسجود له تكريماً وإجلالاً لهذا الكائن الإنساني، ولذا فقد جاء حق منح الحياة أو سلبها باعتباره حقاً إلهياً محصوراً على الخالق سبحانه وتعالى لا ينازعه فيه أحد من خلقه حتى أن الإنسان نفسه لا يملك حق سلب حياته.. ومن هنا جاء تحريم الانتحار باعتباره سلباً لحق إلهي خالص ومن ثم يتعدى هذا التحريم الى الغير، فحرم القتل وازهاق النفس وقد تعاقب هذا التحريم عبر كل الأديان السماوية وآخرها الإسلام الذي جعل من أهم مقاصده الشرعية هو «حفظ النفس».. لنجد أن القرآن الكريم قد تضمن في أكثر من موضع وآية الإشارة الى حرمة الدم والنفس وجعل قتل النفس البشرية دون حق بمثابة الاعتداء والقتل للبشرية جمعاء فقال تعالى: «من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً».
فنلاحظ أن كلمة «نفس» وقد وردت في الآية مطلقة ولم تأتِ مضافة الى «المسلمين» ليشمل التجريم في حق النفس البشرية على وجه العموم ولذا جاء جواب الشرط «فكأنما قتل الناس جميعاً»، فقال: «الناس جميعاً» وليس المسلمين وحدهم ليؤكد الله حرمة سفك الدم وازهاق الروح سواءً للمسلم أو لغير المسلم مادام غير المسلم ليس معتدياً أو محارباً للمسلمين كما بيَّن ذلك سبحانه وتعالى في قوله: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، لأن الله يريد أن تستمر الحياة بما هي عليه من تنوع واختلاف باعتبار هذا التنوع ضرورة للمعرفة التي تنتج القدرة على التمييز بين الخير والشر وبين المفضول والأفضل بقوله سبحانه: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، ومن هنا تبرز الدعوة الإلهية للتعايش مع الآخر المختلف واحترام وجوده لتصبح معيارية التقوى لله والالتزام بتوجيهاته اختياراً بشرياً نابعاً من اعتقاد يقيني (ذاتي) لاستحقاق التكريم الإلهي «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»..فالورع والتقوى والإيمان لا يسكن في قلوب الناس بالإكراه والعنف وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في قوله تعالى: «لا إكراه في الدين».
فإذا كان الشارع قد حرّم القتل في حق غير المسلم دونما حق وفي غير حرب فإنه في حق المسلم أعدّه أشد حرمة وجعله من الكبائر الموجبة لغضب الله ولعنه وعذابه، فقد قال تعالى: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً».
فديننا قد عصم دماء المسلمين وحرم سفكها واستباحتها حتى كان هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم.. لما تحمله حياة المسلم من قداسة البيت الحرام.. ومن يسفك دماء المسلمين فإنه لا يعد منهم لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «من حمل علينا السلاح فليس منا»..هذا هو موقف الإسلام من القتل وإزهاق الأرواح وسفك دماء الأبرياء من المسلمين وسواهم وهو ما يدحض افتراءآت وشعارات تمرس مروجوها من الجماعات الارهابية على قلب الحقائق الجوهرية لديننا الاسلامي وتزييف الوعي الديني لدى العامة بما ينسجم مع نزعاتهم العدوانية ودوافعهم المرضية في محاولة قبيحة لتشويه صورة الاسلام في أذهان أتباعه بما يؤدي إلى خلق حالة من النفور ومشاعر العدائية تجاه هذا الدين ولكل من ينتمي إليه.
إن ما تقوم به هذه الجماعات التكفيرية من ممارسات القتل والترويع للآمنين وسفك دماء الأبرياء من مدنيين وعسكريين في كافة المدن اليمنية هو نتاج طبيعي لتواجد وشيوع ثقافة دينية شائهة ومريضة تأسست على اختراع فكرة التقسيم (القطبية» للمجتمع الاسلامي الى «جاهلي» و«إسلامي» هذا التقسيم الذي تبنته الجماعات الاسلامية الأصولية تحول بفعل التراجع والانحطاط الحضاري إلى يقين ديني لا يمكن المساس به.
فصارت هذه الجماعات بأفكارها المنحرفة وثقافتها المشوهة بمثابة الحبل السري الذي صار يغذي نزعات التطرف والغلو في نفوس عناصرها الجهادية وأجنحتها القتالية التي تزعم أنها تعشق الجنة ولا تجد سبيلاً، أفضل لبلوغها سوى على جثث الأطفال وأشلاء الأبرياء.
وفي الأخير لا نملك إلاّ أن نتساءل «أي دين هذا الذي لم يعد فيه حق الحياة ملك الخالق بل بمشيئة إرهابي يشد حزامه حول ثوبه القصير كضميره ويطلق حقده الطويل كلحيته لتحيل الحياة إلى فاجعة اسمها «الارهاب».