حافظ مصطفى علي - للأرقام فلسفة ما , فليس صدفة ان يؤتى بك إلى الحياة في أكتوبر رمز حرية الشعب في الجنوب ببعده الوطني , وان يكون مولدك في الثامن منه , يوما يتماهى مع الثامن من مارس رمز الإحتفاء بحرية المرأة ببعده العالمي , حين نقف... أمام الأرقام ونستنطقها نجدها تتحدث بطلاقة وعمق بوحي من ملكوت الله , ليس لأنك السيدة الهاشمية , فتلك إشارات لاتتفق مع تفاصيلك حين تستقبلين الشمس وتسألين عن أخبار الناس , وكعادة الناس نثروا على الحجرات المرمّدة اللبان لتفوح تلك الرائحة العتيقة ارجاء المنزل الكائن في حافة الاصنج- الشيخ عثمان وكنت المولود الاوسط بين ذكور , واناث , ووصفتك الأسرة بالطلفلة القوية , الأمر الذي ضرب بعرض الحائط بنظرية الطفل الأوسط المغبون والمتواري عن الأضواء .
لم يأسرك المكان منذ نعومة أحلامك البسيطة , ولم تتمردي إذ ان لأسرة والديك مكانة تعدت الشيخ عثمان إلى أرجاء مختلفة من محافظة عدن , لكنه – أي المكان – عاش في داخلك منذ خطواتك الأولى منذ أولى المسافات البعيدة عن المنزل نحو فناء مدرسة البنات الشمالية الابتدائية وفصل الدرس الأول لتنطبع صور زميلات الدرس كالوشم في الذاكرة منهن هدى طاهر, مشيرة عبد ربه, فتحية عبد الرب , و... والمدرسات الرائعات رضية عبد الملك, اسماء ماطر , وعديلة بيومي .
ومازالت جيرة الأمس تجوب بخيالك بيت (بركات ) وبيت (اليابلي ) وبيت ( المخوّش) , واناس مازالت ملامحهم مطبوعة وأشيائهم الصغيرة هي دفء الحنين لعقود ستة مرت كأنها لحظات , مكاكيهم , الوان قمصانهم , شعرهم الأبيض , مباصرهم الكلاسيكية .
وحين جيء بأخيك الشهيد هشام مضرجا"" بالدماء كنت في سن (14) لأول مرة يقترب منك موسم تقديم القرابين من أجل الحرية والإستقلال , وكان وقع المشهد محفورا في النفس حتى اللحظة تمر سحب الذكريات حبلى بالأحداث , منذ يفاعة العمر والدرس الأول في الوطنية والعمل من اجل الناس نهلته من المفكر عبدالله باذيب تتذكرين ساعة رحيلة او إستشهاده في تاريخ 16 / 8/ 1976م حتى غدا الموت جزء من العمل السياسي والوطني , والاختلاف هو المعصية والخطيئة . وغادرت إلى الجزائر لدراسة الإعلام في العام 1977م وهناك اينع الفكر القومي في جوانحك , ونسجت القضية الفلسطينية رداءها حول روحك لتفيض برائحة البارود وملوحة الدمع ولزوجة الدم والرغبة في الإستشهاد من أجل فلسطين , مساءآت بيروت المضرجة بالرعب مازالت ذكراها بقرب إحدى الخيمات المرابطة قبالة العدو .
بكيتي عرفات كما لم تبكه عين من قبل ..
كنت كنسر محلّق يعاف الحفر ويعتلي المنابر الشاهقة , رمت بك إحدى موجات الصراع الجنوبية إلى فيافي وقفار بعيدة , تسلقت الصخور ووصلت في يونيو / 1986م إلى إحدى قرى محافظة البيضاء , كان الليل موحشا وقسمات الوجوه البدوية قاسية لتبدأين رحلة مع النصف الآخر من الوطن في النصف الآخر من العمر , تحملين حكاية وطن مشطور تغور جراحه كلما حانت عودة السيوف إلى أغمادها .
مطارات مؤتمرات مستشفيات , دوامة من المشاوير حتى ادركت انك بلغت الستين من العمر ! كبر الصغار وصار اليفع رجالا , لكنك لم تتركي تجاربهم الطرية ينغصها الواقع تذكرت باذيب وعرفات وعلي ناصر محمد تذكرت هؤلاء الذين رعوا تربتك السياسية ولونوا طريقك الممتد بالخضرة .
لشد ما اتعبك الغموض والضبابية , فأعلنت وضوح الموقف الوطني رغم مزالق السياسة , واعلنت الإنحياز إلى الإنسان رغما عن قارئي الكف في العمل السياسي والمدعين القدرة على تصنيف ضمائر الناس .
ان الأيام والسنوات القادمة ستذكي عود خيارات القامة والإنسانة فائقة السيد التي تحمل قلب غاندي في سماحته الثورية وروح عرفات في فلسفة الغصن والبندقية وحلم الممكن في ثورية علي ناصر محمد.
وكل سنة وانت بخير!!.
|