الثلاثاء, 22-أكتوبر-2013
استطلاع: عبدالكريم المدي -

تعز تتنفّس الأمل بصعوبة في ظل "الاخونة" التي تستشري في مفاصلها ومرافقها بشكل مخيف.. ولولا المحافظ "شوقي" لكانت تعز أشدّ دماراً وأكثر بؤساً من "مقديشو".. تعز المكان والإنسان، الثقافة والذاكرة الوطنية.. تحاول اليوم الإستفاقة من إفيون الفوضى و"الاخونة" والعودة إلى ذاتها وألقها من جديد وإحالة عمامة وعصا "الشيخ" و"الفتوى" وبوازيك وقوى التطرّف إلى مزبلة التاريخ.."تعز" التي تسعى اليوم جاهدة لإعفاء مندوبيّ القتل والتخريب والكراهية من مهامهم في سلب حياةالأبرياء،،من أطفالها وشبابها ورجالها ونسائها ..ونهب حقوقهم وأمنهم ومدنيتهم . تستحق أن يقف الجميع معها ومحاربة المليشيات "المؤدلجة".. إلا أنّها ورغم الجهود الجبّارة التي تُبذل ما زالت تعيش يومها بصعوبة،،وتنام بصعوبة،. وتتنفّس الأمل بصعوبة،،وتحلم بصعوبة،، وتستقبل كل صباح بصعوبة ويذهب أطفالها لمدارسهم بصعوبة. وتحاول التخلّص من " جعب " وبنادق العصابات بصعوبة أيضا.
إستئجار (5) إرهابيين
قبل حوالي (4) سنوات زرتُ مدينة " تعز " على وقع كلمات ودندنات شاعرها الكبير " عبدالله عبدالوهّاب نعمان " ..وفنان اليمن الأكبر " أيوب طارش عبسي " لقد كانت المدينة حينها في أبهى حللها ومنتهى نضارتها .التي تجبرك على رفع قبعتك تعظيم سلام لها ولأهلها ..وتجبرك - أيضا - على التودد لها والإنحناء أمام كل موقف وسلوك ومشهد عصري وحضاري ومدني راقٍ يتكرر أمامك من دون أن تجهد نفسك في البحث عنه وتسجيله في ذاكرتك .. لقد كانت " تعز " عام 2010م غير " تعز " العام 2013م، حيث كانت يومها تتمتع بشخصيتها وحضورها الطاغي في قلب الجمال والسلام والفنّ والثقافة والمعرفة والتسامح .. ولم تكن - حسب ما قال لي عبدالكريم قاسم " أحد أبنائها.. قد اختطفت وأجبرت على الدخول تحت كنف ورحمة المليشيات المسلحة.حيث تم استئجار(5) إرهابيين أو أكثر أو أقلّ من أبنائها ومن غيرهم ودُفعت لهم الأموال وصرفت الأسلحة لتجنيد مئات الشباب العاطلين والمؤدلجين للقيام بأعمال التخريب والنهب والسلب وتعطيل مؤسسات الدولة والسيطرة على التعليم .ومحاولة إرهاب الناس من أجل تطويعهم لتقبل أفكار قوى تقليدية وهمجية ..ولو بحد السيف و قذائف الـ(إر - بي - جي).
سلطة التطرّف
نسرين العريقي -خريجة جامعة تؤكد أن : " تعز " اليوم مقطّعة الأوصال ..محطّمة المعنويات ..فارغة من حيويتها...وممتلئة بالمظاهر المسلحة.. لم تتعاف بعد من أحداث العام 2011م وما أفرزته من دمار وخراب وانهيارات.. وقالت: كما أنك تجد مناطقاً في نفس المدينة تخضع لسلطة الدولة وبها قدر لابأس به من الأمن ومناطق أخرى شبه خاضعة لسلطة المتطرفين والمليشيات المسلحة وعصابات السطو والسرقة وخاصة في فترات المساء.. حيث صار كثير من الناس وخاصة النساء والأطفال يهابونها ويتخوفون من المرور عبرها ولك أن تستدل بشارع " جمال " الذي يقسّم المدينة لشطرين.. شطر تحت سلطة تلك المليشيات " التابعة لـ " حمود المخلافي " وقسم مؤمّن بصورة تستطيع تقول عنها بالجيدة من قبل الدولة .
مجنّدو الإصلاح الثوريون
محمّد فارع - موجّه تربوي يقول : صارت تعز مقسمة لعدّة قطاعات منذ العام 2011م وخذ لك على سبيل المثال من جولة القاضي شمالاً وشرقاً وأماكن أخرى من تلك التي تعدّ شبه خاضعة للعناصر المسلحة والعصابات متعدّدة الأسماء وموحّدة القيادات. وقد شاهدت بأم عيني العديد من حالات السلب واطلاق النار على الناس ونهب ما بحوزتهم من أموال وممتلكات.. كما أنني قبل حوالي شهر تعرضت سيارتي لإطلاق وابل من الرصاص وأطفالي بداخلها أصيبوا بالهلع والخوف الشديد .. وقد كانت النتيجة أن قامت تلك العصابة وفي عزّ الظهر بنهبي مبلغ (100) ألف ريال .. وهؤلاء - كما قيل - من شباب ما يسمّى بـ " الثورة " المجنّدين مع بعض القيادات " الإصلاحية ".

فقر في المياه والخدمات
وإلى جانب ظمأ مدينة " تعز " وافتقارها للمياه منذ سنوات. فقد صارت اليوم أشد فقراً لها ..وللتيار الكهربائي ولضبط العملية التربوية،، وأشدّ فقراً - أيضاً - للتسامح والإبداع ..عدا إبداع العصابات في فنّ السطو والنهب وترهيب الآمنين الذين يؤكد الكثير منهم أن عناصر تتبع حزب " الإصلاح " وقياداته التي يعرفها الجميع داخل " تعز " وخارجها هم من يقومون بذلك.. ممن - كما قال هشام عبدالقادر الصبري " - ينفّذون سياسات مشائخ وعسكريين مؤدلجين في صنعاء ومشائخ دين من المتطرفين الذين يريدون أن تتحول تعز بشبابها ورجالها إلى ضحايا يقاتلون ويقتلون بالوكالة ولأجل أهدافهم ومشاريعهم. أما سماع اطلاق الرصاص وبمختلف أنواع الأسلحة وفي معظم الأوقات تقريبا، فحدث ولا حرج.. وربما في هذه النقطة تحديداً لا تختلف كثيراً عن العاصمة صنعاء ومحيطها.. وهذا ما يلاحظه الزائر أو الساكن في المدينة.. دون أن يبحث أو يتقصّى .
تركيز القوى المؤدلجة على تعز
أحمد العزعزي يؤكد أنه لولا وجود المحافظ الذي تمّ تعيينه في ظرف حسّاس وموقف صعب لكانت " تعز " قد تحولت إلى نسخة ثانية من " مقديشو " بل وأسوأ منها بكثير . ويشاطره الرأي الشاب "بلال الشراعي " الذي يرى - أيضا - أن سبب تركيز بعض القوى القبلية والمتطرفة على " تعز " ومحاولة جرّها للفوضى والتقاليد القبلية والإسلام السياسي مردّه ربما الإنتقام كونها ظلت طوال عقود كثيرة عصية على الاختراق من قبل تلك القوى التي عجزت عن تمرير مشاريعها عبرها . مشيرا إن هذه القوى تنظر لتعز من منظار أن أبناءها منتشرون في جميع المحافظات وبأعداد كبيرة إضافة للكثافة السكانية الكبيرة والمتعلمة في غالبيتها..وهذا ما يعدّ عاملاً مهماً لتفريخ جماعات ومليشيات مسلحة ومنظرين جهاديين وقبليين يمتلكون الثقافة والتأثير والحضور داخل تعز وخارجها.
أخونة التربية والتعليم
يحسّ الزائر لمدينة " تعز " في أحايين كثيرة بخوف على حياته وتحديداً في مناطق نفوذ وتواجد " المليشيات " المسلحة. كما يلمس ذلك الخوف - أيضا -ظاهراً على وجوه شريحة واسعة من النساء والأطفال الذين صاروا يتوجّسون من المسلحين " الملثّمين وأصحاب «الّلحى».. لم يسلم " التعليم " هو الآخر من سموم الفوضى ونشر فكر ما يعرف بـ «الإسلام السياسي» الذي تسعى الجماعات المؤدلجة على نشره في المدارس وقطاع التربية والتعليم عموما. من خلال فرض سياسات وقيادات تربوية بالقوة..إلى جانب أخونة المدارس وإقصاء مدرائها ووكلائها وكذا قيادات المناطق التعليمية وغيرها عبر اسلوب تصفه التربوية "بلقيس عبدالرقيب " بالجشع والمتخلّف وعديم المروءة. حيث يمارسون الإقصاء والاستقطابات والهمجية أمام مرأى من الجميع . ولم يراعوا اللوائح ولا القانون ولا الضوابط . ولا حقوق الآخرين ولا معايير الكفاءات والأقدمية وغيرها من الأشياء المتعارف عليها.
شُقات لغيرنا
أما أحد شباب الساحة " عبدالجليل أحمد عثمان " فله رأي حول جهودهم التي قاموا بها . وما تجلّت لهم من حقائق بعد ذلك . حيث يقول : لقد تفاجأنا بعد فترة وجيزة من نصب المخيمات وحشد الشباب في فبراير 2011م وتفعيل ما يسمى بالعمل (الثوري ) بأننا لا نملك قرارنا وأننا لم نعمل لصالح مستقبلنا ومستقبل اليمن ولسنا أكثر من «شُقات» نشتغل لغيرنا ونخاطر بحياتنا من أجل مجموعة من المتنفذين والمستفيدين لا أقل ولا أكثر ..مؤكداً بأنه لا يستغرب ما حدث ويحدث في مدينة " تعز " وحجم الثمن الذي تدفعه هي وأبناؤها ..لأنهم - حد وصفه - قد شاهدوا وعايشوا نماذج من ذلك داخل ساحة " صافر " وغيرها.
ظاهرة السلاح
تنتشر المظاهر المسلحة في تعز كما لو كنت في مدينة تشبه «مقديشو».. وحسب الجامعي " نائف المقرمي " فقد وصلت ثقافة حمل السلاح للجامعة .حيث يتم عقد بعض الصفقات فيها.. سيما بيع المسدسات التركية التي انتشرت في المدينة والمدن الصغيرة المحيطة بها ، ويضيف: لم يعد هناك أي موانع من تسليم المسدسات لمن يتم الاتفاق معهم في أي مكان أو مرفق عام أو حوش مدرسة بعد أن كانت تعز قبلة للمدنية والتحضر والسلام والثقافة والفن .
الخلاص من الفوضى
وفقاً لكثير ممن قابلتهم في مدينة" تعز "، فإن خلاص تعز أو على الأقل التخفيف من خطورة الضرر الذي اصابها يبدأ من خلال وقف ضخ الأموال والسلاح القادم من خارج المحافظة. إلى جانب التوقف عن إرسال العناصر المسلحة والمدربين والمخططين الى المدينة، لأن هناك قيادات تتلقى - كما يقولون - دعماً مادياً ودعماً بالسلاح والخطط والبرامج والمسلحين من أجل تحويل " تعز " لحديقة خلفية لقوى تقليدية في صنعاء ..حيث تقوم من خلال أياديها التي وضعتها هنا على استقطاب الشباب العاطلين وأصحاب السوابق وخريجيّ السجون ومعهم أيضا العناصر الإرهابية التي تجد في تواجد هذه المليشيات مناخاً ومكاناً ملائماً لممارسة أنشطتها ونشر سمومها وتمرير أجندتها وكذا تجنيد واستقطاب الشباب لصالح الجماعات الإرهابية والجهادية.
وهذا ما يمثل وفقاً للأخ " عبدالكريم قاسم " خطراً أمنياً واجتماعياً حقيقياً ليس على " تعز " فحسب إنما على اليمن برمتها.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:36 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-35141.htm