الثلاثاء, 12-نوفمبر-2013
الميثاق نت -    عبدالرحمن مراد -

< من ظواهر أي حركة اجتماعية عنيفة ظاهرة الفرز والتي تأتي كنتيجة طبيعية لمقدماتها، فالواحد يفضي بالضرورة المنطقية الى التعدد، والتعدد يفرض واقعه الطبيعي كظاهرة يفترض التعايش والتفاعل معها وفق منطقها الجديد لا وفق النظرة الأحادية التي كانت تحكم اللحظة التي كانت سائدة قبل حالة الانفجار والتشظي.
فما يحدث في عموم الجغرافيا الوطنية من صراعات اليوم ومن حروب دامية هي نتائج منطقية لما حدث في عام 2011م، فكل طائفة أو جماعة تبحث لنفسها عن مكانة في خارطة المستقبل فيدفعها خوف الفناء وطغيان الآخر الى التمترس حفاظاً على مصالحها ورغبة في الانتقام من الماضي، بمعنى أن دوافع الحرب بكل أبعادها عوامل مهمة في تأجيج الصراع والوصول بالوطن الى حالة الفراغ واللادولة أو حالة ما قبل الدولة، فالجماعات والطوائف ذات الأبعاد الايديولوجية الدينية لا تملك مشروعاً نظرياً ثابتاً لبناء دولة ولكنها ترتكز على نصوص تحمل عوامل الفناء في ثباتها وثبات المفاهيم التأويلية لها وفي الغالب الوعي المقيد بالزمن لها.
وعند نقطة الثبات تكمن مشاكل الأمة بأجمعها، كما أن التسليم المطلق للوعي النظري دون الاحتكاك بالواقع ودون التقاطع الزمني مع العصر للجماعات والطوائف يجعلها طاقات هائلة قابلة للتوظيف السياسي وقابلة للانفجار والتدمير من حيث تظن في نفسها الإصلاح، وهو الأمر الذي نقرأ تفاصيله في هذه اللحظة الزمنية الفاصلة بين زمنين.
فالاخوان المسلمون كتيار ديني سياسي لم يعد وحده في مضمار الحياة السياسية كما كان من قبل، إذ خرجت من تحت عباءته السلفية كتيار ديني سياسي متناغم وموازٍ وقد يتقاطع في الموقف والفكرة مع الاخوان، كما أن بزوغ الحوثية كتيار سياسي وديني يتضاد في كثير من الرؤى والمنطلقات مع التيارات الدينية المؤدلجة يجعل من اليمن فوهة بركان قابلة للانفجار في ظل الصراعات الاقليمية والمصالح السياسية المرسلة لبعض دول الجوار، وقد تبزغ تبعاً لتلك الحركات التمايزية المتصارعة الطوائف والجماعات ذات الهويات الثقافية التاريخية كالاسماعيلية والأباضية والصوفية بحثاً من مكانة لها خوف الفناء وطغيان الآخر واستبداده، فزمن ما بعد الحداثة فرض ضروراته الثقافية والسياسية والاجتماعية، فهو يسعى الى تحقيق عالم متعدد الثقافات، فالفرق الاسلامية أصبحت من التعدد في المكان الذي لا يمكن أن يتجاوزه الواقع أو يقفز على حقائقه، ومن هنا قد يكون التعامل مع مفردات وواقع تلك الفرق ضرورة تمليها حاجاتنا الى التعايش والسلم وضرورات التعدد ومثل ذلك يتطلب شراكة حقيقية في الشأن العام لتلك الفرق وفي إدارته والاحتكاك به ومعرفة متغايراته وحاجاته وضروراته إفراغاً للطاقات الانفعالية التي تختزنها تلك الجماعات وتوظيفها في مقاصد الخير والتنمية والمصلحة العامة والمرسلة وبما يحفظ أمن واستقرار الوطن ويمكن أن يكون حوار تلك الفرق مع بعضها حواراً بناءً يساعد على عملية الاستقرار في ربوع هذا الوطن الذي تتنازعه المشاريع الثقافية ذات الصفات الاغترابية عن واقعها وعن تراكم التجارب والمكونات الثقافية والحضارية المتداخلة في النسيج والسياق الحضاري لليمن.
ومن هنا يمكن القول إن تشكيل مجلس أعلى للشؤون الاسلامية بصيغة ديمقراطية تشاركية وتفاعلية يضم تحت سمائه كل الفرق الاسلامية ويكون قوامه موزعاً بالتساوي وقراراته توافقية ومن مهامه النظر في القضايا الدينية وإدارة الشأن الديني والاجتماعي وبحيث يشرف من خلال هيئاته التنفيذية على الجمعيات الخيرية وبحيث تتسع نشاطاته الى الاشراف على دور الأيتام ودور ذوي الاحتياجات الخاصة ويعمل على التوافق على قيم الخير والسلام والحق والعدل وتحقيق الإسلام من كل تشريعاته وبما يتوافق مع روح العصر ومتطلبات الواقع وحاجاته وضروراته ويشرف على المدارس الدينية والتوافق على منهج موحد يحترم الآخر ولا يعمل على تسفيه الآراء ويكون معنياً إدارياً بالوقف وسياساته وكيفية تحقيق الانتفاع به مع الحفاظ على شروط الواقفين وبما يحقق مقاصدهم الخيرية النبيلة منه، وكذا جباية الزكاة وفق صورة جديدة تحقق مقاصد المشرع لها ولا تتعارض مع مظاهر العصر والتطورات التي حدثت في صيغة الدولة وفي الضرورات الاجتماعية والانسانية.
ولعل وجود كل الفرق الاسلامية في مجلس واحد للحوار حول قضايا دينية ومجتمعية يشعرها بقيمتها ويعمل احتكاكها بالواقع على القبول بالصيغ الجديدة للدولة الحديثة والتفاعل معها،.
وحوار كل الفرق يساهم في التخفيف من حدة الصراع ويعمل على تصحيح تصورات كل فرقة أو طائفة عن الأخرى، وبذلك نكون قد حاولنا إنتاج صيغة جديدة لواقع يمني يتسق مع سياقه الحضاري ولا يتعارض مع متطلبات العصر ولا يغترب في المشاريع الوافدة التي دل واقعها على تناقضها وعدم اتساقها مع الطبيعة الثقافية اليمنية.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-35415.htm