محمد أنعم -
كل هذه الدماء والدموع والجروح التي يئن منها الجسد اليمني هي نتيجة أفعال صبيانية يقترفها الصغار.. من المراهقين دينياً وسياسياً وتجارياً وثورياً..
وكما يُقال: بعد كل جاهل عاقل.. فقد حان الوقت للكبار من أبناء الوطن وما أكثرهم أن يتحركوا لإخراج البلاد من هذه المأساة المرعبة واللا يتركوا الصغار يعبثون بحاضره ومستقبله.
لقد أغلقت الأبواب أمام الشعب اليمني.. حتى مؤتمر الحوار.. يكاد يتحول إلى بؤرة تنفث الأمراض والسموم، والمبادرة الخليجية وآليتها يجري تحويلها من خارطة طريق لحل الأزمة اليمنية الى حزام ناسف عبر تقديم تفسيرات مغلوطة وحاقدة توغر صدور الأطراف المتحاورة لا تختلف عن اختلاف المتحاربين الذين يسفكون دماء الأبرياء من أبناء شعبنا في صعدة.
إذا لم يستشعر المتحاورون مسؤولياتهم الدينية والوطنية اليوم فلن يجدوا طاولات للتحاور بعد عقد أو أكثر، وقد تتحول اليمن إلى ساحة معركة متوحشة يقتل فيها الأخ أخاه عبثاً طالما ومخرجات مؤتمر الحوار تنتج الاحقاد والكراهية وتغذي الثأرات والعداوات والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، وانحرف مؤتمر الحوار عن الهدف الذي وجد من أجله، إذ بدلاً من إشاعة روح التسامح والتصالح والوفاق وتعظيم قيم الاخوة والشراكة الوطنية بين أبناء الاسرة اليمنية الواحدة والتوجه معاً لبناء اليمن الجديد..
نعتقد أن مؤتمر الحوار لايزال بصيص الأمل الوحيد أمام الشعب اليمني.. لا أمل لنا آخر سيأتي من صعدة أو من جعبة الحاوي ولا من الأحزمة الناسفة.. وإن لم يفتح مؤتمر الحوار الأبواب للمستقبل ويغلق الماضي بزبر الحديد فالجميع يسير نحو الكارثة.
إن الحديث عن المستقبل لا يجب أن يكون بأي حال من الأحوال يعني إعادة إنتاج لمن جاءوا من تحت خيام الساحات أو ميادين الشرعية.. فالمستقبل الذي ينشده شعبنا والتغيير الحقيقي الذي يتطلع اليه حتى المبندقين والمتقاتلين على «الضم والسربلة»، يعني انطلاق الجميع لبناء اليمن الجديد القائم على العدالة والمواطنة المتساوية..
صراحة أن ما ينتجه مؤتمر الحوار في أغلبه حتى الآن يعيدنا إلى حقب الأنظمة التي انتشرت فيها محاكم التفتيش.. فليس من المعقول الحديث عن دولة مدنية.. فيما نجد مخرجات الحوار تحول الوطن الى مخفر شرطة، وهات يا تحقيقات.. وكم يا ممنوعات.. خلافاً للمقاصل التي ستنصب في الشوارع باسم الهرطقة والكفر وغيرها، ومن يقولون أن الأرض تدور، أين المستقبل أمام مخرجات كلها ممنوعات ومحظورات وعزل ونفي وتهم ومصادرة للحقوق وغيرها.. فكل هذه الألغام تكشف عن سيناريو لمأساة قادمة تقود اليمنيين الى المقابر وليس الى المستقبل.
والأسوأ من ذلك أن تكون من أهداف مؤتمر الحوار تحقيق المواطنة المتساوية بين أبناء الوطن، واليوم ها نحن نجد أن مؤتمر الحوار يقسم أبناء اليمن الى مواطنتين غير متساوية، كما تم كذلك بين أبناء الشمال والجنوب.. وما خفي أعظم.
إن الانتصار للمستقبل وللقيم والمبادئ العظيمة التي ناضل وضحى شعبنا من أجلها تتطلب مغادرة الماضي والوفاء لكل الشهداء وتوجه الجميع لبناء اليمن الجديد انطلاقاً من المبادرة الخليجية وآليتها.. وقراري مجلس الامن الدولي لأن القبول يجر مؤتمر الحوار للأزمة والبحث عن ضمانات أو التمديد باسم مرحلة تأسيسية.. فلا تعني أكثر من إعادة لإنتاج الماضي وتقاسم السلطة والثروة وتسليم اليمن لقوى القرون الوسطى.
إن بناء المستقبل مشروع وطني كبير ويحتاج الى قيادات كبيرة تسمو فوق الجروح والصغائر، لقد أصبح اليمن منهكاً بسبب المشاريع الصغيرة والمراهقين السياسيين.