الإثنين, 25-نوفمبر-2013
الميثاق نت -   < احمد مهدي سالم -
شبحُ خلعِ المفاهيم الأدبية والتوصيفات الثقافية على إرباكات وانتهاكات الربيع العربي المزيف الثأري وغير الثوري، والزعم بأنّ تفاعلاته الساخنة أعادت الى الشعوب العربية، الروح المفقودة والسكينة الغائبة والاطمئنان الهارب.. مجرد هراءات..تظللها الهراوات ثم تذروها الهباءات .. متناثرة في الفضاءات.
يحاولون فرض (عودة الروح) رواية توفيق الحكيم على الأحداث الدموية المرعبة، والمسارات السياسية المخيفة، وتوفيق الحكيم- الشهير بحماره - هو كاتبٌ مسرحي في الأساس ونتاجه منه كثير غير أنّ روايته «عودة الروح» شكلتْ قفزة استثنائية، وقوبلت بحفاوة.. هو يقصد عودة الروح المفقودة الى مصر.. الى أهلها بعد أن عبث الأجانب وإملاءات الأجانب بالبلاد، وجلبوا لها الكثير من المحن والمصائب، ومنظرو ربيع التزييف أساءوا صنعاً حيث كانوا يعتقدون أنهم يحسنون.. ففي استخدامهم الاسقاطي لمضمون وشكل رواية الحكيم افترضوا عودة الروح الى الشعوب العربية المقهورة ببركات قطار ربيعهم المنفلت وصدقوا توهماتهم فقالوا بما معناه أن هناك شيئاً حميمياً خلاّباً كان غائباً أو متغيباً أو مخطوفاً.. وقد عاد الربيع وورده الأقاح وترياقه الفوّاح، وحمرة الخدود المحاكية تورّد التفاح في إشراقة أحلى صباح بعد عقود الأسى والجراح.
ووقائع الأرض والعرض والفرض والغرض تكذّب هذا الخطل أو الخطأ التنظيري الساذج.. نعم وجود احمرار ولكن ليس في الورود والتفاح، وإنّما في الشوارع والجدران والطرقات البعيدة، والساحات القريبة، والأحراش النائية التي صُبغت واصطبغت بها حُمرةُ الدماء الطاهرة النقية والزكية كعرابين وقرابين لصعود اللحى التي هجاها الشاعر يزيد بن مفرّغ الحميري بقوله:
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً
فنعلفها خيول المسلمينا
وأُوذي في حياته كما لم يؤذَ شاعر آخر؛ ذلك أنه كان في صحبة الأمير عباد بن زياد بن أبيه، عند ذهابه لتسلم منصبه الجديد والياً في احدى مناطق بلاد فارس الكبيرة والشاسعة، وقد هبّت ريح عليهم.. فعبثت بلحية الأمير بطريقة مضحكة مما أثار الشاعر الفكه اللطيف يزيد بن مفرّغ فقال البيت لمن حوله والأمير في المقدمة، ووصل الى سمعه فأضمر في نفسه حتى وصل وتمكن من الولاية فألقى على الشاعر أبشع انتقام، ومع كل انتقام وتعذيب يزداد الشاعر صلابة في هجاء وفضح أسرة زياد بن أبيه.. ذهب برفقته يلتمس الرزق، ولاقى عذاب الدنيا والآخرة.. يا جماعة: اللسان أحياناً حنابه.. يحضرني الآن:
احفظ لسانك أيها الإنسانُ
لا يلدغَنَّكَ إِنَّهُ ثعبانُ
نعود من الفاصل لفواصل ونقول لمنظري الدفع المسبق: إنّ الربيع لم يُـعد الروح المفقودة بل خطف الروح والأرواح البريئة الموت القادم من الغرب بهيئة طائرة بدون طيار، أو بعبوة ناسفة لفاعل مجهول في الأغلب، وتقول لي يا صاحبي: عودة الروح.. رُحْ غنّ لك مع أبي بكر سالم:
يا حبيبي يا خفيف الرُّوح
يا طبيب القلب المجروحْ
من بعدكم.. من هجركم
خايف على قلبي لا يروح
قل: جاء الربيع.. بطلوع الرّوح، وتعذيب القلب المجروح، ونشيج الصوت المبحوح، وترقيص الأمل المذبوح، ومواسم القهر والنوح..
تأكد يا صاحبي.. هذا ليس بربيع إعادة الروح بل ربيع إزهاق الروح، ويا روح ما بعدك روح، ومحل ما يعجبك روح..
(طازج.. من مزرعة المنشأ)
الفنان التونسي لطفي بوشناق سألته المذيعة الأنيقة سحر في قناة «القاهرة والناس» مساء يوم الخميس: 2013/11/14م.. هل يوجد عندكم (في تونس) ربيع عربي؟ فأجاب: «لا يجب أنْ نستعجل في القراءات للأحداث.. نتركها للتاريخ وهذا شغل السياسيين.. إجابة ذكية دبلوماسية من فنّان مثقف من بلد المنشأ.
كلماته مضمونها الصريح.. لا توجد ثورة، لا يوجد ربيع والربيع العربي أكذوبة كبرى، وذاك ما تناثر من إيحاءات وكنايات. وفلتات صدق، ومحاولات تجنّب الجهر الصريح في ثنايا ردوده الأخرى لأنه إنْ قالها بصراحة: نظام الانقلاب.. الى المطار فوراً.
إيماءة
قال تعالى: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً» .
< الاسراء: 85
ومضة
«الذين يعرفون القليل يتحدثون كثيراً ، أما الذين يعرفون الكثير لا يتحدثون الا قليلاً».
< جان جاك روسو
قبل الختام
< أكثر شعارات الربيع مفروغة المحتوى، وكثيرة الالتواء، وماهرة الاحتواء وأليمة الاكتواء..
آخر الكلام
أرى العقل بؤساً في المعيشة للفتى
ولا عيش إلاَّ ما حَبَاكَ بِهِ الجهلُ
< البحتري
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:09 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-35664.htm