السبت, 23-يونيو-2007
الميثاق نت - .. د. عبدالعزيز المقالح -
لا بد من الاعتراف أولاً بأن العرب هم أعداء أنفسهم وأعداء بلادهم، وأن هذا العداء المستحكم ليس في طبيعتهم ولكنه صار نتيجة الإحباط الراهن جزءاً من محاولة مستمرة لتدمير الذات، ونتائج هذا الموقف أقسى عليهم من أعدائهم مجتمعين. ومع انه لا خلاف حول القول إن الاحتلال الأجنبي القديم والاحتلال الأجنبي الجديد هما وراء تشتت العرب وتخلفهم، وإن هذين الاحتلالين أوجدا هذا الوضع العربي البائس والمشين، إلا أنه ما كان للاحتلال ان يحقق ما حققه لو لم يجد من أبناء هذا الوطن من يساعده على تحقيق أهدافه واستكمال مهمته التدميرية. ومن هنا فالوطن العربي بأقطاره المتعددة لا يدفع ثمن الغزوات القديمة والجديدة فحسب، وإنما يدفع كذلك ثمن الخلافات والتناحر ليس بين أشقاء قطر وآخر، وإنما بين الأهل داخل القطر الواحد.

وحتى يكون الكلام منطقياً لا بد من التأكيد أن الأعداء هم الذين مهدوا للخلافات العربية العربية، وهم الذين وضعوا أسس الحروب الطاحنة داخل المجتمعات العربية. والمعيب أولاً أن العقول العربية تبدو كأنها قد توقفت عن إدراك الخطر وتبين الخديعة منذ وقت مبكر. والمعيب ثانيا، هذه الاستجابة لما يريده الأعداء وما يحقق أغراضهم، حتى لو كان ذلك على حساب أمن الأمة واستقرارها. فقد كان واضحاً منذ بداية الاصطدام بالاحتلال الاجنبي أن مشروع البلقنة من أهم المشاريع الواردة في أجندته: وأنه على الرغم من ان الوطن العربي كان ولا يزال يعاني من بلقنة سابقة بدأت مع أوائل القرن العشرين، إلا ان المطلوب اكثر من ذلك حتى لا يتبقى في المنطقة قطر عربي واحد يزيد تعداد ابنائه عن تعداد أبناء الكيان الصهيوني، الذي صار هو مقياس البلقنة المطلوبة للعرب.

ان الاختلاف وحتى الخلاف، قانون طبيعي بين البشر عرباً كانوا أو غير عرب، ولكن السؤال هو: هل كان من الضروري أن يصل الاختلاف أو الخلاف إلى ان يصير دموياً وان تخضب الشوارع العربية بالدم الذي لا يمكن غسله حتى بالمزيد من الدم؟ هكذا حدث في العراق وهكذا حدث في فلسطين وفي أماكن عربية أخرى. في حين يبدو الأعداء هناك في العراق، وخارج العراق، وكأنهم يتفرجون فقط وليسوا طرفاً، في حين أنهم وراء كل هذا الذي حدث ويحدث، وهم الذين رسموا ويرسمون حدود هذه الخلافات ويضعون لها الأسباب والمبررات، وما علينا إلا الاستجابة وعدم رؤية ما تخطه الدماء البريئة وغير البريئة في بعض الشوارع العربية من فصول دامية لمآس قادمة وأكثر دموية.

إن تبرير كل ما يحدث أو بعض ما يحدث في أماكن عديدة من الوطن العربي ما هو إلا دعوة خبيثة إلى مزيد من القتل والاستمرار في مسلسل تدمير الذات، الذي وصل في الأيام الأخيرة إلى ذروته الكارثية في العراق وفلسطين، ولم يعد هناك مجال للمزيد. وإذا كانت بعض الأقطار العربية تحمل في تاريخها البعيد والقريب إرثاً ثقيلاً من الخلافات، فإن هذا الذي يحدث اليوم سوف يضاعف من كم هذا الإرث الثقيل وسيجعل التعايش بين ابناء البلد الواحد صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، لذلك ينبغي ألا يغيب عنا جميعاً أن الثابت الأهم والوحيد هو فكرة الحرص على التعايش، والإيمان بأن الوطن الذي يضمنا هو للجميع وليس لفئة من دون أخرى، وأن هذا الشعور يشكل طوق النجاة للجميع، وهو صمام الأمان من الاندفاع وراء المخططات الهادفة إلى تدمير الذات.

لقد اكتشف العرب كل العرب ومنذ وقت طويل سوء نية أعدائهم، وأكتشفوا كذلك الهدف من زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، لكن هذا الاكتشاف لم يمنع بعض الأنظمة، وأحياناً كلها، من الانسياق الأعمى وراء المخططات المشبوهة، التي لا تستثني “صديقاً” أو “مقرباً” إلى صانعي قرار التفتيت والتمزيق. وقد أثبتت التجارب المرة التي مر بها العرب في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، أن الأصدقاء المقربين من الأعداء كانوا هم الأولى بالتآمر والأجدر باللكمات القاسية، والشواهد أوضح من أن تحتاج إلى من يدل عليها. وقديماً قالوا في الأمثلة “من جرب المجرب فعقله مخرّب”.
الخليج الاماراتية
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-3569.htm