الإثنين, 16-ديسمبر-2013
الميثاق نت -   عبدالفتاح علي البنوس -
في البداية يجب أن نعترف بأن تساهل الحكومة وتعاملها بحالة من البرود واللامبالاة تجاه المذابح والجرائم التي شهدها الوطن فتح شهية العناصر الارهابية والقوى التي تقف خلفهم وتساندهم للتمادي في غيّهم وإجرامهم والوصول الى الوحشية التي شاهدناها في مذبحة العرضي البشعة التي اهتز الوطن والعالم لهولها، تساهلت الحكومة في التعاطي بمسؤولية مع ملابسات ما حصل في مارس 2011م والتي عرفت بجمعة الكرامة ولم يتم التحقيق الجاد مع العناصر والأطراف التي أثبتت الأدلة تورطها في تلكم الجريمة بما في ذلك الإفراج عن بعض المتهمين وقتل البعض الآخر ودفن جثثهم بصورة مستعجلة ولم يتم الالتفات الى بعض التفاصيل المتعلقة بمسرح الجريمة ومصدر إطلاق النار وغيرها من التفاصيل التي كان من الضروري استيعابها، وعمل الجميع على تكييف القضية وتحميل مسؤوليتها النظام السابق في إطار المكايدات السياسية والحزبية والشخصية دونما أدلة أو براهين.
وأعقب ذلك الجريمة الإرهابية على مسجد دار الرئاسة التي وقعت في أول جمعة من رجب والتي استهدفت قيادات الدولة وراح ضحيتها مئات الشهداء والمصابين وكان في مقدمتهم الزعيم علي عبدالله صالح، هذه الجريمة البشعة التي أظهرت حقد ودموية دعاة الإصلاح والمدنية والتغيير السلمي، مؤامرة قذرة ومخطط أكثر قذارة، ومع ذلك لم تحسن الحكومة التعامل مع هذا الملف وظلت العدالة غائبة ولم يتم استدعاء العناصر المتهمة بالتورط في هذه الجريمة ولم يتم التفاعل معها رغم توافر الأدلة الكافية لإدانتهم، وفوق كل ذلك أقدمت الحكومة على الإفراج عن بعض المعتقلين على ذمة هذه القضية بعد أن مارس حزب الإصلاح الضغوطات على النائب العام والسلطات القضائية والرئيس عبدربه منصور هادي دونما اكتراث لتداعيات مثل هذه الخطوة، أُفرج عن القتلة تحت شماعة «شباب الثورة» واعتصم وزير الداخلية قحطان ووزيرة حقوق الإنسان مشهور ومعهم أعضاء بمؤتمر الحوار الوطني من أجل الإفراج عنهم، تنفيذاً لأجندة شيطانية كانت تهدف الى إشعال أزمة جديدة وإجهاض المبادرة الخليجية وآليتها لولا عناية الله ثم حنكة وعقلانية وحكمة الزعيم والمؤتمر.. وها هم اليوم يعدون العدة للإفراج عن بقية المتهمين في القضية بالتزامن مع قرب انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني لذات الأسباب والأهداف.
تلى ذلك مذبحة ميدان السبعين في 21 مايو 2012م والتي سقط فيها مئات الشهداء والجرحى من أفراد الأمن المركزي والتي للأسف لم يتم التعاطي معها بمسؤولية، حيث صدرت أحكام قضائية هزيلة قضت بالحكم بالسجن بين سنتين الى سبع على المتورطين فيها وكأنهم اشتركوا في قتل جرذان أو دجاج، في تصرف غير مسؤول وغير معقول، لتتواصل بعد ذلك المذابح في أبين وفي حضرموت وفي شبوة وفي البيضاء ومأرب وعدن، قبل أن يتم تدشين مسلسل الاغتيالات والتصفية الجسدية لضباط الأمن السياسي والقادة العسكريين والأمنيين والجنود بواسطة المسدسات التركية الصنع، الكاتمة للصوت، وللحياة من على دراجات الموت السحرية التي تتبخر في الهواء عقب تنفيذ كل جريمة، هذا المسلسل الاجرامي الدموي الذي توحش مؤخراً بإشعال حرب مذهبية في صعدة وعمران وحجة وتطاير شررها الى ذمار وإب وتعز والجوف، نتاج طبيعي لضعف هيبة الدولة وعدم قيامها بواجباتها الأمنية وعدم تعاملها بحزم مع المذابح والجرائم التي تُرتكب من حين لآخر.
اُغتيل النائب الدكتور عبدالكريم جدبان وسط العاصمة وحتى اللحظة لم يتم التوصل الى هوية القتلة، ولم نلمس أية جدية لوزارة الداخلية في هذه القضية، لتتواصل الاغتيالات ويتواصل نزيف الدم، ودائماً يتم استدعاء تنظيم القاعدة كمخرج لحل أية مشكلة أمنية للتغطية على فشل وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية الى أن وقع الفأس على الرأس ووصل الأمر الى اقتحام واحتلال جزء من مبنى وزارة الدفاع والهجوم على مستشفى العرضي وارتكاب تلكم الجرائم البشعة والمؤلمة جداً بحق الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات والمرضى والعاملين في المستشفى وأفراد الأمن والشرطة والجيش المكلفين بحفظ الأمن داخل مجمع العرضي بأمانة العاصمة.
مشاهد هوليودية غريبة على مجتمعنا اليمني والإسلامي، وحوش بشرية تقتل وتفجر وتدمر كل شيء، همجية وقبح غير مسبوق، قتل بدم بارد لأناس مسالمين عُزّل لم يرتكبوا جريمة ولم يقترفوا ذنباً، صلف وإجرام أدمى القلوب وأحرقها وأبكى الأعين، مشاهد تغضب الله ورسوله لوحوش آدمية تنقضّ على النساء والرجال والأطفال بشراهة ولذة لا نجدها عند الحيوانات المفترسة، وإن كانت لا تأكل فرائسها إلا عندما تشعر بالجوع، وحشية فظيعة جداً، صنعت مذبحة بشرية هي الأكثر دموية وإجراماً في تاريخ اليمن الحديث، هذه المشاهد التي سجلتها كاميرات المراقبة بمستشفى العرضي أظهرت الوحوش المفترسة وهي تلتهم فرائسها بحرية وطمأنينة دونما خوف أو قلق، وكأنهم في مهمة رسمية تحت الحماية.
بالله عليكم من يُصدّق بأن ما حصل هو عبارة عن اعتداء إرهابي أو محاولة انقلابية؟! هل يُعقل أن يتم اقتحام وزارة الدفاع بهذه الصورة وتتم عملية إبادة كل من كان داخل مستشفى العرضي بتلكم الوحشية دون أن يكون هناك تنسيق وتخطيط مسبق لذلك؟!! المسألة خطيرة جداً، ومن أمر بعرض هذه المشاهد المؤلمة أراد أن يكسب تعاطف الشعب ويمتص غضبه على فشله الأمني وفضيحته العسكرية علاوةً على كون هذه المشاهد تسهم في تشويه صورة الاسلام والمسلمين وتفتح الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية في شؤوننا الداخلية وكل ذلك نتيجة غياب الدولة وتراخيها واستمرار سياسة اللعب بالورقة الأمنية وذلك من أجل مكاسب سياسية وحزبية وشخصية.
مذبحة العرضي قد تتكرر أكثر من مرة إذا ما استمرت الحكومة في نهج سياسة «الدعممة» و«اللامبالاة» وعقد الصفقات السياسية والمتاجرة بالأرواح والدماء اليمنية الزكية.. الحكومة مطالبة بالضرب بيد من حديد في حق القتلة والمجرمين وتطبيق شرع الله فيهم.. الحكومة مطالبة بتطبيق الحدود ومعاقبة كل المتورطين في المذابح والجرائم السابقة واللاحقة.. مطالبة بالكشف عن الجهة أو الجهات التي تقف وراء مذبحة العرضي وتنفيذ حكم الشرع في حق القتلة والتعزير بهم وصلبهم في «باب اليمن» ليكونوا عبرة لغيرهم إذا ما أرادت إيقاف ازهاق الأرواح وسفك الدماء، نريد أن نتلذذ بمشاهد إعدام وصلب الإرهابيين كما تلذذوا بقتل الأبرياء بتلكم البشاعة، نريد مشاهدة ذلك على الفضائيات التي عرضت مشاهد القتل الوحشية، وبدون ذلك سيستمر مسلسل القتل والسحل وسينمو ويتسع ويتمدد الارهاب وستتحول اليمن الى عراق أو صومال أو أفغان جديدة ولن يكون في الإمكان السيطرة على الأوضاع والحد من تداعياتها.

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-36059.htm