عبدالرحمن مراد -
< لم يصمت اليدومي كثيراً هذه المرة كعادته، بل خرجت مفرداته تعبيراً عن حالة انفعالية قلقة ومضطربة، وفي نفس السياق كانت تنتمي الى حقول دلالية غير سوية ولا تليق بقائد سياسي يرى نفسه تعبيراً عن مشروع إسلامي، وفي النسق الموازي كانت هناك تغريدات خارج سرب الحقائق التي تتسرب من بين ركام العرضي وهي في مجملها تبعث رموزها وإشاراتها يقودها الإعلام المرئي والمقروء لـ«اخوان اليمن» ومثل تلك الحالة الانفعالية ليست بغريبة على قيادات الاخوان في اليمن، إذْ أنّ الذاكرة مازالت تتذكر الكثير من أمثال تلك الهفوات، فالزحف الى غرف النوم هو الباعث نفسه للقول بالزحف الى مستشفى العرضي والذي ورد على لسان أحد مشائخ الأعراب من قناة « وصال» في صورة مشهدية بالغة القتامة ودالة على البنى الوشائجية التي تربط الدقون المسبلة ببعضها البعض - قناة «المسيرة» التابعة للحوثي وثقت ذلك الخطاب التحريضي بالزحف الى مستشفى العرضي وهي تبثه بين الفينة والأخرى.. وبقراءة جل المؤشرات التي تتناقلها وسائل الاعلام يمكن قياس النظائر، فالذي سيطر على أجندة الاخوان في أربعينيات القرن الماضي بعد فشل انقلابهم على حكومة الوفد هو ذات الهاجس الذي يتكرر معهم في اللحظة الحضارية الجديدة بعد أنْ فقدوا مقاليد السلطة في مصر وبعد أن عطلت ثورة 30 يونيو 2013م مشروعهم، فتداعوا من كل حدب وصوب تعبيراً عن حالة هستيرية غير قادرة على الثبات وغير قادرة على إحداث التوازن النفسي والاجتماعي والسياسي.
لقد كانت اليمن في أربعينيات القرن الماضي هي البديل الأمثل فكانت الشركة العالمية للتجارة هي الغطاء الذي عمل تحت ظلاله الفضيل الورتلاني للوصول الى السلطة في اليمن وكان شعار تلك اللحظة التاريخية هو: أنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولم يدرك ثوار اليمن تلك الحقيقة إلا بعد أن كاشفهم بها أحد قيادات الاخوان في ستينيات القرن الماضي كما ذهب الى ذلك القول رئيس المجلس الجمهوري الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني - ورد ذلك في سياق مذكراته عن الثورة اليمنية تضمنه كتاب صادر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني في الثمانينيات حسب غالب الظن في تاريخ الصدور - وكان من نتائج نشاط شركة التجارة العالمية للورتلاني في حركة 1948م التي كان أهم أسباب فشلها اغتيال الإمام يحيى حميد الدين بصورة بشعة وهو الأمر الذي حمل التمهيد لعودة الإمام أحمد في غضون أيام قلائل من تفرّد قادة الحركة بالسلطة.
يقول رائي اليمن الكبير عبدالله البردوني:
«كتعاقب الليل والنهار والفصول، تعاقب دورات التأريخ، وإنْ كانت أحداثه أعلى صوتاً وأحدُّ وقعاً واظفاراً، حتى ليبدو لغالبية الناس وقوع الحدث مفاجأة صاعقة أو حدوث غير المرتقب، ذلك لأن المجتمعات البسيطة لا تملك الرصد التأريخي لأحداث الناس الزمنية ولا للأحداث الكونية».
تلك اللحظة التاريخية التي حدثت في أربعينيات القرن بكل تفاصيلها وسيناريوهاتها تستعيد دورتها التأريخية في هذه اللحظة الفاصلة - وفقاً للمؤشرات التي تتداولها وسائل الاعلام وبعض التعاطي القلق مع أحداث مجمع العرضي لبعض القيادات ذات الصلة بالسياق الثقافي المتجانس - وهي في استعادتها لدورتها تلك تبدو الأحداث أعلى صوتاً وأحد وقعاً واظفاراً، وقد وقع الناس تحت هول الصدمة بعد أن بثت القنوات بعض مشاهد التوحش التي حدثت داخل أروقة مستشفى العرضي مما ضاعف من مشاعر الغضب في حالة مماثلة للنظير التأريخي، وقد حاول الاخوان أن يصرفوا الأنظار الى النظام السابق والى السفير أحمد علي عبدالله صالح فلم يكن حظهم الا البوار، فأحمد علي لم يتوحش في ذروة غضبه وانفعاله وهو يشاهدهم على شاشات «الجزيرة» و«سهيل» يرقصون ويغنون ويرفعون عقائرهم بالتكبير بعد حادث مسجد النهدين، فالتوحش والسقوط القيمي والأخلاقي صفتان ملازمتان للاخوان بعد أحداث عام 2011م، لذلك لم يكن حظ «سهيل» الا السخرية من دهماء الناس الذين لاحظوا كيف يقع الاخوان في الثنائيات المقيتة في خطابهم الإعلامي، ولم يكن حظ الإعلام المقروء الناطق أو الموازي الا الضحكات المجلجلة في النوادي والمقائل والأماكن العامة، فالحقائق تعلن عن نفسها، وحجبها هو المستحيل بعينه في عالم أصبح يتفجر كبركان معرفة.
لقد شعر اليدومي بذات النكسة التاريخية للحركة وبتواليها وتعددها بعد فشل الانقلاب الذي كان مؤملاً منه التحكم بمقاليد اليمن المفصلية وبحيث تصبح اليمن محور ارتكاز الحركة في العالم، ولذلك كانت ألفاظه الواردة في منشوره الذي تداولته وسائل الاعلام ومنها صحيفة «الأولى» في عددها (883) تعبيراً عن حالٍ هو فيها من خلال اسقاطه على الآخر.