محمد انعـم -
< نهاية الاسبوع الماضي وقفت الاستاذة بلقيس اللهبي -نائب رئيس فريق القضية الجنوبية- في قاعة الاجتماع تتأمل في كراسي القاعة فوجدت ان هناك عشرة كراسٍ زيادة عن عدد أعضاء الفريق.. أدركت أن ثمة شيئاً يجري خلف الكواليس، وذهبت فوراً لمقعدها كرئيسة وأصدرت توجيهاتها بإخراج الكراسي الزائدة من داخل قاعة الاجتماع.
كان الوضع في الفندق غير طبيعي، نزل محمد قحطان أكثر من مرة يتفحص الحضور وتلاه أكثر من شخص، فيما ظلت بلقيس اللهبي تجلس في مقعدها كرئيسة للفريق.. مؤمنةً أن لا مكان لجمال بنعمر أو غيره في هذا الفريق.. وظل ممثلو المكونات السياسية ينتظرون، الجديد الذي دعت الامانة العامة لمؤتمر الحوار لعقد اجتماع عصر الثلاثاء بصورة مفاجئة.
وصلت المعلومات أن ممثلي المؤتمر والتنظيم الناصري وغيرهم حاضرون الاجتماع.. ولم يكن أمام جمال بنعمر وغيره الا أن يغادروا الفندق دون تحقيق أهدافهم.
واضح أن محاولة تمرير وثيقة بهذه الخطورة كان لابد من محاولة إيجاد كبش فداء دسم وجعل الجميع يحدون سكاكينهم للتخلص منه أولاً لضمان تمرير وثيقة بنعمر..
ولقد كان المؤتمر الشعبي العام هو الهدف عبر حملة سياسية وإعلامية وُجهت أولاً في محاولة لضرب وحدته الداخلية، وثانياً في تأليب كل القوى السياسية والشارع ضده كمعرقل للمبادرة والحوار وحل القضية الجنوبية وجرت محاولة شق الصف المؤتمري عبر مسارين الأول تضليل الشارع بخلافات طاحنة داخل قيادة المؤتمر الشعبي العام مستغلين توقيع الدكتور عبدالكريم الارياني النائب الثاني لرئيس المؤتمر كمبرر لذلك.. على الرغم من أن الدكتور الارياني صرح عقب التوقيع مباشرة أنه وقع بصفته الشخصية.. فيما المسار الآخر سعى محرضاً للداخل والخارج أن المؤتمر الشعبي العام يعرقل عملية التسوية..
ولقد استطاعت اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام وقيادات أحزاب التحالف الوطني أن تتعامل بوعي ووفق رؤى واضحة ومواقف قوية تجاه وثيقة بنعمر، وظل الجميع في اجتماعات متواصلة صباحاً ومساء مستشعرين خطورة الموقف وكارثية أي خطأ يُرتكب في هذه اللحظات الحرجة.
لقد كانت ليلة التوقيع على الوثيقة -الاثنين الماضي- ثقيلة جداً، حيث تحرك ممثلو المؤتمر والتحالف بعد نقاش جاد مسؤول للاجتماع مستعدين لأية مفاجآت.
وفعلاً لقد سجلوا موقفاً وطنياً وتاريخياً عظيماً برفضهم التوقيع على وثيقة بنعمر.. ومثلما كانت الوحدة والأمن والاستقرار من المقدسات للجنة العامة وقيادات التحالف، فقد كان الحرص على الدكتور الارياني حاضراً بقوة، وقد تم تبديد المخاوف واسقاط كل الرهانات بذلك اللقاء الذي ترأسه الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الخميس بحضور الدكتور عبدالكريم الارياني النائب الثاني لرئيس المؤتمر الشعبي العام القائم بأعمال الأمين العام للجنة السياسية للمؤتمر الشعبي العام والتي أقرت ملاحظات المؤتمر والتحالف على وثيقة بنعمر.
لقد أفشل المؤتمر والتحالف ضربة غادرة وقاتلة وُجّهت إليهم، غير أن الأخطر يبقى كيفية مواجهة تداعيات الرفض لبعض نصوصها.. في ظل التحرك المشبوه الذي يقوم به مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بهدف حشد دولي لوثيقة تتعارض مع المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن.
من الواضح أن معركة المستقبل أكثر خطورة وتعقيداً، ومثلما وجد اصطفاف وطني رافض لوثيقة بنعمر، فإن من يقفون وراء تلك الوثيقة التمزيقية لن يستسلموا أو يرضخوا لمطالب المؤتمر الشعبي وحلفائه والناصري وغيرهم، كما لن يولوا أي اهتمام لتحركات الشارع، ولقد كانت برقيات التأييد والمباركة من قيادات الجيش والأمن وإعلان ذلك عبر وسائل الاعلام الرسمية رسائل واضحة أن ثمة أشياء كثيرة ترتب خلف الأكمة، وإذا لم تنتبه القوى الرافضة للوثيقة وتوحد صفوفها وترتب أوراقها، فمعنى ذلك أنها ستعرض نفسها لمخاطر عدة.
ولا نعتقد أن المراهنة على الحزب الاشتراكي الذي ذهب بتطرفه الى أكثر مما أراده الموقعون على الوثيقة سيكون الى جانبهم أبداً.. خصوصاً وان تراجع موقف الاشتراكي عن اتفاقه مع الإصلاح على خمسة أقاليم إضافة الى تصريحات أمين عام الاشتراكي التي تؤكد أن ما يحدث على الواقع من تداعيات تتناغم مع المواقف السياسية ليس لحل القضية الجنوبية وإنما للخروج من الأزمة بشكل عام.
إذاً فلابد من التمسك بالمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن لاسقاط البنود المفخخة في وثيقة بنعمر، وكذلك الاستعداد لمواجهة عنف الحراك الانفصالي، وكذلك التحرك في الداخل والخارج لتوضيح الحقائق للأشقاء والأصدقاء بعد أن بدأت تصدر مواقف تبنى على وجهة نظر المبعوث الدولي وتتجاهل الإرادة اليمنية.