الإثنين, 30-ديسمبر-2013
الميثاق نت -   محمد علي عناش -
الأزمة اليمنية التي نتجرع مرارتها وبؤسها منذ ثلاثة أعوام باسم الثورة والتغيير وباسم الحرية والديمقراطية والدولة المدنية، صارت مثالاً للإفلاس والغوغائية السياسية والسقوط الأخلاقي التي لم تقف عند الجريمة الارهابية البشعة التي حدثت بمجمع وزارة الدفاع والتي يتم خلف الكواليس تمييعها والتوافق على طمس أبعادها وإخفاء حقائقها، لتنتهي في الأخير بسيناريو قاعدي سخيف عبر ثلاثة بيانات متناقضة، كدلالة على أن الحدث كبير وأطرافه متعددة، لدرجة فقدان القاعدة لاتزانها.. بل بلغت في مسارها المنحرف الى منتهى مخزٍ وفظيع وهو تقسيم البلد والارتداد الى زمن التشطير والسلطنات، أكثر من عشرة أشهر من مداولات مؤتمر الحوار الوطني لإخراج البلاد من أزماتها استدعينا خلالها كافة الاحتمالات الايجابية والسلبية، قط لم يخطر في بالنا أن نتقسم وعبر مؤتمر حوار وطني، أن نحشر بين خيارين لا ثالث لهما، إما التفكيك أو فك الارتباط، ومع ذلك حتى والوطن يقسم ويجزأ مازلنا نختلف كيف يتم ذلك؟ دون أدنى شعور بغصة وألم أو تأنيب ضمير على فقدان وضياع منجز تاريخي عظيم اسمه «الوحدة» فأي بؤس سياسي هذا؟ وماذا تبقى من حكمة لليمنيين؟
في هذه القضية المصيرية تصدّر مشهد تقسيم اليمن اثنان من أبرز وجوه مؤتمر الحوار الوطني، المبعوث الأممي جمال بنعمر والدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي، بالطبع بنعمر ينفذ أجندة خارجية لتقسيم اليمن وتفتيتها وإحياء عصبياتها المندثرة كاستدعاء مشاعر ووعي السلطنات في المحافظات الجنوبية، واستدعاء عصبية المذهب والمنطقة في المحافظات الشمالية.
أما بالنسبة لمقترح ياسين الذي يستميت في إنفاذه وتمريره وبصورة لم نعهدها منه، فليس له من تفسير سوى التمهيد للانفصال عبر تقسيم الهوية اليمنية الواحدة الى هويتين جنوبية وشمالية، وكأننا مجتمع متمايز ثقافياً ودينياً وعرقياً.
بالطبع أن القضية الجنوبية كانت من أبرز القضايا على طاولة مؤتمر الحوار الوطني، ومعظم الاطراف والقوى الوطنية والمدنية وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه كانت متعاطفة مع القضية الجنوبية ومشدودة الى إيجاد حلول عادلة لها تحت سقف الوحدة، وإيماناً من أننا نعيش مرحلة جديدة لتحقيق حلم التغيير وبناء الدولة اليمنية الحديثة وتجاوز أخطاء الماضي التي لا يوجد ثمة طرف بريئ منها، ولذلك تم تخصيص أكثر من 50% من المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني من المحافظات الجنوبية، انطلاقاً من هذه الحسابات والتطلعات.
المسار الإيجابي والسليم في المؤتمرات الحوارية الناجحة أن تبدأ انعكاساته الايجابية بالتدريج على الواقع، كانعكاس لجدية المتحاورين وتحملهم لمسؤوليتهم الوطنية والتاريخية، غير أن الذي حصل خلال أكثر من عشرة أشهر من مداولات ونقاشات مؤتمر حوارنا الوطني هو غياب الجدية والدوافع الوطنية في حلحلة القضايا نظراً لطغيان الشتات والعشوائية وحضور الاجندة المتعددة المتوافقة والمتصادمة وفقاً لما تمليه المصالح والأهداف الخاصة، بمعنى أن مؤتمر الحوار الوطني طوال هذه الفترة كان انعكاساً لمفاعيل الأزمة في الواقع، متأثراً بأهدافها وانحرافاتها، ومستجيباً لتطوراتها وتداعياتها.
أمام هذه المعادلة المختلة والمتناقضة بات المواطن اليمني يتساءل ما فائدة مؤتمر الحوار الوطني؟ ولماذا جلس الجميع على طاولة واحدة؟ وليس هناك نتائج إيجابية، ولم يبدأ يتخلق وضع جديد ويتفتح أفق مبشر بمستقبل أفضل، بل صار يتوج بحروب وإرهاب واغتيالات وتمادى الى التتويج بتقسيم اليمن والارتداد عن الوحدة.
على صعيد القضية الجنوبية لم يعطها مؤتمر الحوار حقها من المداولات والنقاشات الجادة والعميقة، بل ساد فيها العشوائية والفوضى والشروط المسبقة، كما ساد فيها أكبر كمٍّ من تعليق المشاركة بل ووصل الأمر الى أن تدار من خلف الكواليس وأن تستحضر فيها اللقاءات الثنائية بين مكون الحراك وبنعمر وفي غياب أغلبية فريق القضية الجنوبية، لذا صار من حق الشعب اليمني الذي بات يشعر بحسرة ومرارة وحالة فقدان لأهم منجز تاريخي، أن يعرف ويستوعب ما هي القضية الجنوبية، فغالبية الشعب لا يستوعبها الا وفقاً لما تتناوله وسائل الاعلام، وأن يعرف كيف تم تداول هذه القضية حتى تنعدم الحلول الموضوعية لها، باستثناء حل وحيد تقدمت به قرائح المتحاورين وهو التقسيم والتجزئة، فمثل هذه القضايا لابد للشعب أن يعرف من هم رجال المرحلة العظماء، ومن هم لابسو الاقنعة المزيفة وأصحاب المشاريع والاهداف الرخيصة، لأن التاريخ يجب أن لا يرحم المتهاونين والانتهازيين تجاه خيارات المصير التاريخية، كخيار وحدة الارض والانسان والسيادة.
في اعتقادي لم يسد في أية قضية يمنية من اللغط والتضليل والغوغائية السياسية التي يمارسها السياسي والمثقف بمختلف الاشكال، مثلما ساد في القضية الجنوبية وتحويلها الى قضية عصية على الفهم، وبالتالي عصية على الحل إلا بحل وحيد وفقاً لما يفرضه هؤلاء الغوغائيون وأصحاب الكواليس.
قد لا يجدي نفعاً ما نكتبه الآن فربما أنه لن يغير أو يعدل في معادلة القضية وخياراتها الراهنة المفروضة فرضاً خارج معايير العقل والحكمة بل والاخلاق، بل نكتب للتاريخ وللحظة عودة الروح وإشراقة الوعي والضمير الوطني، والتي حتماً ستعود وتشرق عندما يتلاشى الغوغائيون ويمتحنون انفسهم ليكتشفوا أنهم سراب وأنهم صناع أزمات وكوارث وتمزق لا صنّاع مستقبل..

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-36270.htm