عبدالرحمن مراد -
< بعض القوى السياسية و الاجتماعية ظنت ما كنا نكتبه عنها نوعاً من المماحكات الحزبية التي لا طائل منها، واظنها لاتدرك ان المثقف الفرد لايكتب لمجرد المكايدة او استجابة لإملاءات من هنا او هناك - واظن نفسي من اولئك -بل يكتب استغواراً لجوهر الاشياء وقراءة واعية للمآلات، ومثل هذا قد يتأكد لمن يتابع مانكتب في هذه الصحيفة الغراء،
فقد كتبت عن «قوى الانتفاع الثوري» وكتبت عن بعض القوى السياسية والاجتماعية وقرأت كثيراً من هذه المآلات التي اصبحوا فيها من قبل ان يصلوا اليها، ذلك ان قانون التاريخ لايمكنه التغير والتبدل طالما ظل النسق الثقافي هو نفسه الذي كان في الماضي ومايزال يمتد في صميم التجربة الحديثة والجديدة والمعاصرة، اذ لكل حدث تاريخي اشباه ونظائر يمكننا القياس عليها، ومعرفة مايحدث من خلال ما حدث، وكنت قد قلت في اكثر من موضوع ومقال ان الاخوان لن يستفيدوا سياسياً من ثورات الربيع العربي وقلت ان الخاسر الاكبر من احداث 2011م هو الاصلاح وان توهم النصر والتمكين، وقلت ان المنتصر الحقيقي من تلك الاحداث الثورية سيكون الحزب الاشتراكي، ومثل هذه المواقف والمذاهب من القول موثقة وهي مبثوثة في كثير من المواقع الالكترونية لمن أراد التأكد، وهاهو الواقع السياسي يتحدث عن خفوت نجم الجناح العسكري الذي يقوده اللواء علي محسن الاحمر، ويتحدث عن الهوة السحيقة التي وصل اليها الجناح القبلي بزعامة آل الاحمر، فحاشد -وهي القوة الساندة لآل الاحمر- اصابها من التفكيك ما اصابها ولم تعد ترى في اولاد الشيخ عبدالله إلا عناصر استبدادية ، ولم يجد الاخوان في التجمع اليمني للاصلاح من بُدٍّ سوى الدخول في مواجهة مسلحة مع الحوثي وتلك المواجهة ستكون هي القَشَّة التي تقصم بعير الاخوان السياسي في اليمن، فالوهم كان فاتحة التيه الذي وصل اليه الاخوان بعد ثورة «30يونيو» في مصر، ولذلك حين سارعوا الى التوقيع على وثيقة بن عمر لم يكن تصرفهم ذلك إلا دلالة على غياب الرؤية وتعبيراً عن حالة الارباك السياسي التي وصل اليها الاخوان، كما ان تفاعلهم مع الاحداث وضعهم تحت طائلة النقد في الخطاب السياسي وحتى الخطاب الديني الذي كانوا يمسكون بزمامه في زمن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فالمنبر الذي كان يوظف لنقد علي عبدالله صالح ويدعو للثورة عليه هو نفسه الآن يمارس الوظيفة نفسها لكن هذه المرة ضد الاخوان انفسهم ومن اخوان لهم يتماثلون ويتجانسون ثقافياً، اذ ان هناك جناحاً في التيار السلفي ينال منهم ويسفه احلامهم ويكاد ينزلهم منازل غير لائقة اخلاقياً وثقافياً وسياسياً، وقنوات «اليوتيوب» تمتلئ بمثل ذلك الخطاب وكذلك الواقع الاجتماعي الذي استيقظ على حين غفلة منهم حين شغلتهم الغنائم والمناصب وتركوا مواقعهم بحثاً عنها.
وأراني كلما أمعنت النظر في هذا الواقع المليئ بكل الاطياف والتناقضات، وجدت عدالة السماء ماثلة امامي، فالذين لهجت ألسنتهم بالقدح واللمز والغمز في الرجل الصبور الزعيم علي عبدالله صالح لم يمهلهم القدر كثيراً حتى جاء من يلمزهم ويغمزهم، والشواهد أكثر من ان تعد في هذا الباب، فقد نال الاصلاح ورموزه واجنحته المختلفة بأكثر مما قالوه في الزعيم وفي نصف عام فقط من سقوط رايتهم، وكثيراً ماكنا نتحدث عن التلازم الجدلي بين الاخلاقي والديني العقائدي، فلم يكن حظنا من الاخوان إلا الإعراض والقول بما يتعارض قيمياً وعقدياً واخلاقياً مع ايديولوجيتهم، ومثل ذلك كان أول بوادر السقوط، واعظم من كل ذلك هو الغفلة والشرود عن عدالة السماء، وهم من كان يتحدث عنها ويكرسها في الوجدان الجمعي، فقد كانت كتب محمود شيب خطاب توزع بشكل ممنهج وكنت واحداً من اولئك الذين قرأوها على أيديهم في المعاهد العلمية التي كانوا يديرونها في النصف الاخير من عقد الثمانينيات، واظن اننا بحاجة الى أمثال ذلك الكاتب كي يتبع عدالة السماء في اليمن في الزمن الممتد بين 2011م الى هذه اللحظة التي ماتزال تشهد عدالة السماء التي تنتصف من الحنق فهو الآن بين فكي الحركة الحوثية وتحت حصارها، وماكان الله لينتصف من هؤلاء القوم لو كانوا على المنهج القويم.
ومثل هذا المذهب من القول لا أقوله كي يقربني من الزعيم علي عبدالله صالح زلفى فقد غادر السلطة، وحين كان فيها كنت أكثر الناس جرأة في نقده، وماتزال صحوة الاخوان شاهدة على ذلك، كما اني لا اقوله مقابل أجر مالي زائل بل قناعة حرة لايمكنها المساومة مع احد، واقول لمن غمز ولمز بعد مقالي السابق عن علي عبدالله صالح انني لم أستلم من علي عبدالله صالح شيئاً منذ زمن حكمه، فكيف بي الآن، والكل يعلم من كان يتعامل مع الزعيم بانتهازية مفرطة، ولا أعلم لعلي عبدالله صالح من يد عليَّ سوى قنينتين من العطر جاءتاني كهدية مع زمرة من أترابي في ذات مساء في بيته ولست من اولئك الذين اثروا في زمنه ثم كان حظه منهم بضع كلمات نابية حين تبدلت الاحوال والدول.
لقد استعاد الزعيم علي عبدالله صالح ألقه ومجده في بضع سنين، وشبكات التواصل الاجتماعي التي كانت تنال منه أصبحت الآن تمارس ذات الدور مع الأبطال الذين سقطوا مع أول تجربة للشعار الثوري، ولله في خلقه شئون، فالذي ينفع الناس يمكث في الارض وفي الوجدان، والزبد وحده الذي يذهب جفاءً.. ونحن الآن على اعتاب مرحلة جديدة سيقف فيها كل حزب او حركة او تيار او تنظيم على تفاصيلها، وسيعرفون من تجلياتها قيمتهم ومعناهم في الواقع السياسي اليمني.. وإن غداً لناظره قريب.. واولى بكل اولئك ان يعوا وان يعتبروا وان يسيروا في الارض حتى يشاهدوا عاقبة المتقين.