عبدالرحمن مراد - < غادر المتحاورون أروقة فندق موفمبيك وكان المؤمل منهم أن يعملوا على لملمة جراح الوطن ويبدو أن الخرق قد اتسع على الراقع، فالدماء المسالة في عمران والضالع وحضرموت وفي أماكن كثيرة من الوطن لم يتوقف نزيفها المجنون بل زاد عتواً ونفوراً، وحالات التربص والانقضاض لبعض القوى التقليدية زادت وبشكل ملفت للنظر وروح العداء والإقصاء كشرت عن أنيابها- على لسان المبعوث الأممي- وهي تعبير عن رغبة بعض القوى السياسية الوطنية وحالات الاحتقان الشعبي تزداد ويكاد الحس الشعبي يهرب الى الرموز التاريخية وهو في حالة بحث دائمة عن البطل المنقذ البطل الاسطورة..
والذين يحتفلون بنجاح الحوار لم تسعفهم الفكرة المقنعة لجماهير الشعب، فالتناقض والخفوت في المظاهر العامة لم يحمل تباشير النجاح، بل كان أكثر تعبيراً عن حالات نكوص وفشل، إذ لا يمكن الحديث عن نجاح الحوار طالما وهناك من لم يحرر قراره من قيود المرحلة التي سبقت 25 يناير 2014م ولم يتمكن أن يبعث رموزه وإشاراته الدالة على قدرته في إحداث الانتقال وفقاً لنص التفويض في تشكيل الحكومة التي يفترض أن تكون فاتحة مرحلة جديدة لا تعبيراً عن الماضي بكل تجليات أزمته وصراعه.
المشكل الذي لا نجد له تفسيراً في تعاملات البعض هو ثباته عند نقطة زمنية بعينها وعدم قدرته على استيعاب تفاصيل المتغير السياسي والاجتماعي، والمتغير الذي حدث في معايير القوة على المستوى الوطني وعلى المستوى الإقليمي والدولي حتى خطابه السياسي يدور في نفس الدائرة القديمة، قد تكون له مبرراته التي يؤمن بها من وجهة نظره، لكننا نرى أن اليمن في العامين الماضيين قد أفرزت واقعاً جديداً وقد تمايزت القوى السياسية والاجتماعية والثقافية، فالاصلاح لم يعد قوّة ولا مستقبل له وهو يعاني من التشظي والانقسامات في داخله وإن رأيناه شكلياً متماسكاً فالتفكيك في بنيته وتركيبته لا تستلزم إلا الزمن المناسب للظهور وما عودته الى صلاة الجمعة في الساحات والميادين العامة في بعض المحافظات الا تعبير عن حالة القلق والخوف وتشبث باللحظة التي شعر فيها بقوته وتخويف بالعودة الى نقطة البداية وهو أعجز ما يكون عنها.
ومن هنا يمكن القول إن إشاراته التي أرادها فاقدة لقيمتها فالزمن قد تجاوزه، وثورة (30 يونيو) تركت أثراً في تصورات الجماهير ضده كما أنه ترك مواقعه المناصرة للجماهير والتي كان يتشدق بها إبان زمن معارضته وتفرغ كليّاً لغنائم السلطة وموقفه من وزير الداخلية في ظل واقع الانفلات الأمني كشف عن سرائر نفسه وحقيقته وجوهره، وموقفه من تغيير الحكومة أفقده شعار الثورة والتغيير.. والتحالف السياسي مع تيار يحفر قبره السياسي بيده هو الفناء بعينه.
لا نرغب للرئيس أن يذهب الى الأفق المنسد، وهو يملك البدائل، وقد أصبحت الخيارات بيده إلا إذا رغب في بقاء قيود المرحلة التي سبقت (25 يناير) في يده فذاك خياره ولكنه خيار غير منسجم مع تطلعات الجماهير التي تشعر بالفراغ وتشعر بالضيق ولحظتها الوجدانية قابلة للانفجار في أي زمن فارق، ولعل الكل يلحظ أن التناقض والصراع يتصاعد في الجهات والمؤسسات التي يهيمن عليها الاصلاح، وما يحدث في المحافظات والوزارات كالعدل والداخلية وفي محافظتي مأرب وعدن الا صورة لحالة التنافر بين الاصلاح وجماهير شعبنا.. ويبدو أن وهم القوة والفاعلية الجماهيرية لم يعد قائماً إلا في تصورات المستشارين الذين تحضر أناهم ومصلحتهم أكثر من حضور اليمن وربما كانوا وراء الثبات الذي يمتاز به الرئيس في خطاباته وتفاعلاته كما نلمح ذلك في جل الفعاليات والأنشطة السياسية التي يحضرها.
اليمن اجتازت فصلاً، ومعادلة القوة فيها لم تعد كما كانت في 2011م أو 2012م أو 2013م.. هناك متغير كبير وكبير جداً وعلينا أن نعي تفاصيل اللحظة التي نحن فيها، والتضاد مع المخرجات التي توافق عليها الناس والفعاليات والمكونات ليس أكثر من سعي حثيث الى البقاء في ذات المربع أو النكوص، ولعل إشاعة روح المحبة والسلام والتعايش والقبول بالآخر فيه من الخير ومن المصالح الوطنية المرسلة ما فيه.
ولم نكن نحبذ أن ينتهي مؤتمر الحوار بنصوص التعايش ويبدأ بذات الخطاب الذي قاله بن عمر في منابر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.. صناعة المستقبل ليست مهمة سهلة ومن يصنع المستقبل ليس رجلاً عادياً بل رجلاً استثنائياً .. فلماذا الرئيس يبخل على نفسه بذلك الرجل الاستثناء.. نظن أنها فرصته التاريخية لكي يعيد لليمن وهجها الثقافي والحضاري.
|