الإثنين, 10-فبراير-2014
الميثاق نت -  أحمد الأهدل -
تبدو اليمن كئيبة ومستقبلها قاتماً ومجهولاً، حتى التفاؤل في بلدي أصبح بلا معنى ومجرد مسكنات معنوية، لأنه لا يستند لأبسط المقومات الموضوعية في ظل استمرار هذه الحكومة وهذا الشتات المعرفي والتمزق الاجتماعي والمنطق الثوري الأبله الذي مايزال يستدعي العصبيات والخصومات والثارات وتحالفات المصالح، ويبتعد عن كينونة الأمن والاستقرار والتعايش المشترك، وهي الدولة كهوية ومؤسسة ووعي ومقومات بشرية ومادية.
كل شيء يتداعى من حولنا منذ فبراير 2011م دون أن نحرك ساكناً لإيقاف هذا التداعي والانهيار فقط نتفاءل لمجرد التفاؤل العدمي الذي يعبر عن صمتنا وعجزنا واستلابنا، كي لا نشعر بأننا نحتضر بمختلف أدوات وطرق الاحتضار المعرفي والأخلاقي والاجتماعي، أفضعها الموت الذي يترصدك في الطرقات والحروب التي تتلبس بالدين والثورة والاستقلال، وليس انتهاءً بالاحتضار الناجم عن اتساع رقعة الفقر والبطالة والأمية.
من المؤكد أن لا دخل للإله ولا لعزرائيل ولا للقدر فيما حدث ومايزال يحدث منذ 11 فبراير 2011م، وإنما له دخل بانحرافات الأفراد وتناقضاتهم وأهوائهم، وله علاقة بالكذب والتضليل باسم الثورة والحرية والتغيير، وبالتستر على الأخطاء والتجاوزات والجرائم التي ارتكبتها قوى الثورة وحماة الثورة وإلصاقها بكبش فداء ومتهم جاهز في هذه الذهنية السياسية التي أدمنت أن تقفز على المعقول، وبنت مواقفها على معيار الربح والخسارة سواءً في الحكومة أو المبادرات أو الحوارات، له علاقة بتحالف انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي أعيد إنتاجه من جديد من داخل الساحات في 11 فبراير و21 مارس 2011م، وهو تحالف القوى التقليدية (القبلية، الدينية، العسكرية) والقوى المدنية الانتهازية التي استولت على السلطة وعلى مؤسسات الدولة، وتقاسمتها كفيد وغنيمة، هو نفسه الذي حدث في 11 فبراير لكن تحت غطاء الشرعية الثورية.
ما يحدث اليوم لم يكن مستبعداً أو غير متوقع، بل كان مؤكداً أن يحدث، من قراءتنا لخطورة شعار اسقاط النظام فجأة في مجتمع تمثل القوى التقليدية فيه ركائز القوة والتأثير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومن قراءتنا لطبيعة التحالفات المتناقضة التي نادت بإسقاط النظام، والانحرافات التي رافقت الاحداث الثورية في ظل صمت النخب السياسية والثقافية وتغاضيها عنها بدءاً من التغاضي عن الاعتداء على الناشطات السياسية والمدنية من قبل جنود الفرقة وأمنيات الاصلاح في الساحة، واستمرار هذه الانحرافات الى حد التغاضي عن رفض علي محسن الأحمر تسليم حديقة 21 مارس وفقاً للقرارات الرئاسية المتعلقة بهيكلة الجيش.
11 فبراير لم يكن انعكاساً لواقع سياسي وحزبي ونقابي فاعل ومنظم في المجتمع اليمني، قادر على تحمل أعباء وتبعات المتغيرات والتحولات الجديدة، وإنما كان انعكاساً للحدث الثوري التونسي الذي تداعى هنا في اليمن بما يشبه الانفجار الاجتماعي الذي ظهر فجأة رافعاً شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».
ففي تونس نجحت الثورة بنسبة كبيرة في جولتها الاولى، فسقط النظام الذي لم يكن يتمثل فقط في الرئيس التونسي «بن علي» وإنما في طريقة إدارة البلد يستفيد منها تركيبة هرمية من المستفيدين، وبرحيل هؤلاء لم تسقط الدولة ولم يختل نظام عام المجتمع، نظراً لتركيبة المجتمع التونسي الذي لم تعد القبيلة أو الطائفة هي ركيزة قوة الدولة أو النظام، بالإضافة الى فاعلية المجتمع المدني ومستوى حضور وقوة التنظيمات السياسية والنقابية وتغلغلها في عمق المجتمع التونسي، والتركيبة المؤسسية لبنية الدولة هو الذي حمى الدولة من السقوط، وحد من سيطرة الاخوان وحافظ على الثورة من الانحرافات والانكسارات.
إختلاف هذه المحددات والعوامل في المجتمع المصري، عما هي عليه في تونس، أدى إلى عدم نجاح الثورة في جولتها الأولى، ومكن الإخوان من السيطرة على المشهد والوصول إلى السلطة، وليس لهم تجربة سابقة في الحكم، ويجهلون إدارة دولة بحجم مصر، ونظراً لطبيعة مشروعهم السياسي والأيديولوجي والتربية التنظيمية للإخوان، التي تختزل الدين والحقيقة في جماعة الإخوان وتختزل المجتمع في جمهور الإخوان والدولة في تنظيم الإخوان، حكموا مصر من هذا المنطلق فمارسوا الإقصاء وسعوا إلى السيطرة على مؤسسات الدولة وضيقوا الخناق على الآخر المختلف دينياً ومذهبياً وسياسياً، حتى السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية، تم تكييفها على هذا الأساس، هنا نهض الشعب المصري بثورة في جولته الثانية مسنودا بجيشه الوطني، عندما رأى مؤشرات سقوط الدولة وإنهيارها، ومؤشرات إختلال النظام العام في المجتمع المصري، بتصاعد وتيرة الاحتقان الاجتماعي والسياسي والثقافي، بمعادلة مسلم وقبطي وسني وشيعي، فرأينا إحراق كنائس وسحل أقليات، بصورة لم يشهدها المجتمع المصري إلا في عهد حكم الإخوان.
هذه المحددات والأبعادالسياسية والاجتماعية، في المجتمع اليمني التقليدي التي تمثل القبيلة والجماعات الدينية ركائز القوة والفاعلية فيها، مقابل ضعف المجتمع المدني ومحدودية تأثيره، وهشاشة الأحزاب ذات المشاريع الحداثية، وفاعليتها الضعيفة والمنعدمة في المجتمع، لم تكن مؤهلة لقيام ثورة المجتمع، وإنما ثورة جماعة ومراكز قوى قبلية وعسكرية نافذة، وبالتالي فإسقاط النظام بهذه الطريقة معناه الدخول في مرحلة الصراع والحرب الأهلية الشاملة كما في ليبيا وسوريا، ولقد رأينا بوادرها تتصاعد تدريجيا في الحصبة وأرحب وتعز وأبين، وصولاً إلى استهداف رجالات الدولة فيما يعرف بحادثة جامع دارالرئاسة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-36938.htm