- قراءة تحليلية لـ«وثيقة حل القضية الجنوبية» وقرار لجنة تحديد الأقاليم
الدكتور/حسن الكحلاني
حينما انعدمت الثقة بين الأحزاب السياسة اليمنية، أُجبروا على الحوارلكنهم لم يستوعبوا فكرة الحوار، فالحوار ثقافة إنسانية راقية، تعني الاعتراف بالآخر وحقه في الوجود والحرية، ويتضمن الحوار المصالحة الوطنية، وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الحزبية أو الشخصية، أما ماجرى في مؤتمر الحوار فهو على العكس من ذلك تماما، فلم تحدث المصالحة بين الاحزاب السياسية، فكل طرف اراد محاكمة الآخر، وبدلاً من أن يكون الحوار مركزاً لحل اشكالات اللحظة الراهنة لليمن، ووضع رؤية لمستقبله، نجد أن الماضي مايزال مستغرقاً لتفكير ممثلي هذه الاحزاب،كل همومهم قد تركزت في استعادة اشكالات الماضي، بدلاً من وضع رؤية للمستقبل.
تعد هذ الوثيقة نصاً أجنبياً وصياغة معدة في كواليس المخابرات الأجنبية، التي لديها أجندة ومخطط واضح لتفكيك الكثير من دول العالم ، ومنها اليمن وبقية الدول العربية إلى كيانات صغيرة متصارعة حول قضايا وهمية مصطنعة.
فما يجري الآن في : العراق، وليبيا، وسوريا ، ومصر، واليمن، من حروب أهلية هي نتاج لهذا المخطط الواحد، الذي يستهدف تفكيك كل دولة عربية إلى كيانات صغيرة متصارعة، وبدليل أن فكرة تقسيم الدولة الى اقاليم مستقلة تطرح وتنفذ في هذه الدول العربية، فقد قسمت ليبيا والعراق الى اقاليم، ويجري تنفيذ الهدف ذاته في اليمن، وسوريا، وهذا يعني ان مشروع تفكيك الدول العربية هو مشروع واحد يصدر عن جهة خارجية وينفذ بأيادٍ داخلية للاسف.
أولاً: الطبيعة الخفية لفكرة الأقاليم
قبل اختيار اي نظام اداري للدولة لابد ان نضع في الاعتبار ان يؤدي هذا النظام الى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها، وان يحقق الاندماج الاجتماعي والتواصل والتعاون بين ابناء الوطن الواحد، وان يؤدي الى التكامل الاقتصادي وتنمية الموارد المحلية، وتحقيق العدالة في توزيع المشاريع العامة، كما يؤدي الى سهولة ادارة الدولة، ويستهدف تحقيق المشاركة الشعبية في ادارة مؤسسات الدولة، في كل المستويات الادارية.
غير أن ما وجدناه في وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية، وقرار لجنة تحديد الأقاليم الصادر في 10/ 2/ 2014م، يؤدي الى نتائج عكسية منها:
تفكيك مؤسسات الدولة وإضعافها، ومنح كل السلطات الى الاقاليم.
فقد تعمدت الوثيقة وقرار لجنة تحديد الاقاليم ، وضع الأُسس الفعلية لتقسيم اليمن أرضاً وإنساناً،وتفكيك الدولة اليمنية،عبر فكرة الأقاليم والدولة الاتحادية، فقد عملت أولاً على تحديد صلاحيات الأقاليم، ولم تتحدث عن الدولة المركزية وعن صلاحياتها التي يفترض أن تكون في الصدارة، بل حددت صلاحيات الولايات، والأقاليم ، وجردت الدولة الاتحادية من كل مصادر قوتها الاقتصادية والسياسية والقضائية والتشريعية ، كما جردتها من حقها في السيادة على جميع أراضي ومياه وجزر الجمهورية اليمنية، ومنحت الأقاليم والولايات حق السيادة على الأراضي، والثروات السيادية وغيرها.
ندرك أن هناك من لايريد لليمن دولة قوية وهدفهم تفيكك مصادر القوة السياسية والاقتصادية للدولة، وهم يعلنون باستمرار بقولهم ( نحن نرفض إعادة انتاج القوة) لايدركون أن الهدف الأساسي للأفراد والشعوب هو الوصول إلى الكمال والقوة، والشعوب الضعيفة لامكان لها في التاريخ،ولذا فإن هدفهم الأساس والمعلن يكمن في: تفكيك السلطة وتشتيت الثروة، وبالتالي تفكك اليمن وهذا يؤدي الى ظهور كيانات صغيرة متصارعة.
يقول النص في الوثيقة «أن تكون إدارة وتنمية الموارد الطبيعية بما فيها النفط والغاز، وبما فيها منح عقود الاستكشاف والتطوير، من مسئولية السلطات في الولايات المنتجة» وهذا يعني أن للولاية سلطة مستقلة عن الأقاليم وعن الدولة.
فالنص يؤكد على استقلالية الولاية بالقول: و(يكون تنظيم عقود الخدمات المحلية من مسئولية السلطات في الولايات المنتجة حصراً؟!! وهذا يتضمن تجريد الدولة الاتحادية من كل مصادر وجودها وقوتها،وحتى من حقها في تمثيل اليمن في الخارج، أمام الدول والشركات! ومن حقها في السيادة المعروفة في كل دساتير وقوانين العالم.
قرار لجنة تحديد الإقاليم
أقرت لجنة تحديد الاقاليم في اجتماع لها يوم الاثنين الموافق 10/2/ 2014م. برئاسة رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي" أقاليم الدولة الاتحادية على أساس سته أقاليم" اقليمين في الجنوب، واربعة اقاليم في الشمال.وهي:
1- اقليم حضرموت ويضم محافظات: المهرة، وحضرموت، وشبوة، وسقطرى، وعاصمته مدينة المكلا.
2- اقليم سبأ: ويضم محافظات: الجوف ، ومأرب، والبيضاء، وعاصمته مدينة مأرب.
3- اقليم عدن: ويضم عدن، وأبين، ولحج، والضالع، وعاصمته عدن.
4- اقليم الجند ويضم محافظتي، إب، وتعز، وعاصمته مدينة تعز.
5- اقليم آزال: ويضم محافظات: صعدة، وعمران، وصنعاء، وذمار، وعاصمته، صنعاء.
6- اقيم تهامة: ويضم محافظات: الحديدة، وريمة، والمحويت،وحجة، وعاصمته مدينة الحديدة.
الثروات السيادية
وفيما يخص موضوع الثروات السيادية نجد انه تم التأكيد على ماجاء في الوثيقة السابق ذكرها، أي ان تقسيم الاقاليم قد اعطى للولايات والاقاليم حق السيادة وامتلاك الثروات، مع اعطاء نسبة للدولة الاتحادية،وهذا هو الخطر الحقيقي؛ الذي بموجبه تصبح الولايات والاقاليم وكأنها دول ذات سيادة، وما تدفعه من نسبة للدولة الاتحادية هو مقابل اشتراكها في الاتحاد!!
يقول نص لجنة تحديد الاقاليم في البند 6" لضمان التوزيع العادل لعائدات الثروة، يصاغ بالتشاور مع الأقاليم والولايات، معايير ومعادلة لتوزيع عائدات الموارد الطبيعية وغير الطبيعية بطريقة شفافة وعادلة لجميع ابناء الشعب ، مع مراعاة حاجات الولايات والاقاليم المنتجة بشكل خاص، وتخصيص نسبة من العائدات للحكومة الاتحادية."
هذا النص لايختلف عما نصت عليه وثيقة ضمانات القضية الجنوبية، التي رفضتها معظم الاحزاب، ولم يتم التوقيع عليها إلا بعد ان اصدرت رئاسة مؤتمر الحوار ورئاسة الجمهورية ضمانة من اربع نقاط تؤكد فيها الالتزام بنص المبادرة الخليجية وبالوحدة اليمنية، لكن هذا النص لم يتغير على الرغم من مطالبة اغلبية الاحزاب بتغييره ليصبح على النحو الآتي:" كل الثروات الطبيعية بما فيها النفط والغاز وغيرها من الثروات السيادية،هي ملك للشعب اليمني، وتكون ملكيتها وتصريفها بيد الدولة الاتحادية، التي تقوم بدورها بإعادة توزيعها بشكل عادل على جميع الولايات والاقاليم، مع اعطاء نسبة منها للولايات والأقاليم المنتجة"، بينما صارت الدولة الآن مستجدية من الاقاليم وحسب رغبتها.!!
فليست فكرة الاقاليم هي المشكلة، وانما يكمن الخطر في طبيعتها ومحتواها وصلاحياتها والسلطات الممنوحة للأقاليم والولايات، وقد أوضحت الوثيقة بعضاً من ذلك، حين منحت الاقاليم كل السلطات ، وخصوصاً السلطات السيادية التي هي من اختصاص وحق الدولة الاتحادية كما هو معروف في كل دول العالم التي تأخذ بهذا النظام، مثل : جمهورية ألمانيا الاتحادية.
حيث ينص دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية في مادة(73) البند(5) فيما يخص الجانب الاقتصادي على أن صلاحيات الدولة الاتحادية تتضمن ( وحدة المناطق الجمركية والتجارية،واتفاقية الملاحة والتجارة، وحرية سير البضائع، وحرية حركة سير البضائع والمدفوعات مع الخارج، بما في ذلك حماية الجمارك والحدود، والملاحة الجوية، وحركة سير القطارات)هذه جمهورية المانيا الاتحادية، لم تلغ اسم الجمهورية، وحدد الدستور، حق الدولة على كل مايتصل بالعلاقات الخارجية ، وهكذا الامر في الولايات المتحدة الامريكية؛ فشركات تصنيع الأسلحة هي شركات خاصة، ولكنها لاتبيع منتجاتها، إلاّ عبر الدولة الأمريكية، أما دولتنا المدنية المنشودة فتعني لدى هؤلاء تفكيك الدولة!! وقد بدأ التمهيد لذلك بقتل الضباط والجنود من أبناء القوات المسلحة والأمن.
ثانياً: حقوق المواطنة المتساوية.؟!
كان البعض يرفع شعار المواطنة المتساوية، لكننا الآن نكاد نفقد معظم الحقوق في ظل الدولة المدنية الحديثة المرجوة!
حصرت وثيقة ضمانات القضة الجنوبية،حقوق المواطن اليمني بأربعة حقوق لاعلاقة لها بحقوق المواطنة، بل هي حقوق للمهاجرين فقط. حيث تنص على أن:
( لكل مواطن يمني من دون تمييز حق الإقامة، والتملك،والتجارة، والعمل، في أي ولاية أو إقليم من الدولة الاتحادية.)!
هذه الحقوق الأربعة يحصل عليها أي شخص في أي دولة أجنبية، فهي تسهيلات عامة للمستثمرين والمغتربين في غير بلدانهم ، ويحصل عليها اليمني في دول الخليج ، أو أي دولة عربية أو أجنبية، وهنا نلاحظ بوضوح خطورة هذا التشريع حيث ينظر إلى المواطن اليمني غريباً في بلده، فقد صار المواطن غريباً وزائراً في الاقاليم الأُخرى التي لاينتمي إليها بحسب المولد.
وقد جاء قرار لجنة تحديد الاقاليم ، ليؤكد على ما جاء في الوثيقة الأولى، فقد نص البند «7» على مايلي" ضمان حرية الاتجار والنشاط الاقتصادي بما يعزز التكامل بين الأقاليم،وتيسير حركة المواطنين، والبضائع والسلع والاموال والخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم فرض أي حواجز أو أي عوائق أو قيود جمركية أو ضريبية أو ادارية عند مرورها من اقليم لآخر."
وهنا نلاحظ ان حقوق المواطنة قد تم اختزالها في حرية التجارة، وهذا ما يجري الآن بين معظم دول العالم التي تنضم الى منظمة التجارة العالمية ، وقد وقعت اليمن على ذلك،فما سيحصل عليه مواطن اقليم سبا أو الجند أو آزال أو غيره هي الحقوق نفسها التي يحصل عليها اذا ذهب الى أي دولة في العالم .
ويعد هذا التقسيم لليمن الى أقاليم، لكل منها حدودها وثرواتها،وحقها في التعامل مع الشركات والدول الخارجة ، وهو تأسيس لاغموض فيه لتقسيم اليمن الى كيانات صغيرة منعزل عن بعضها؟! ولم يستطع أي شخص او حزب أن يعترض على ذلك المخطط؛ لأنه مهدد بالعقاب الشديد من قبل الأمم المتحدة والدول الراعية للتقسيم!.
والأهم هنا أن الإنسان اليمني سيتم حرمانه من كامل حقوقه السياسية، وهي أساس المواطنة؛ كحقه في الانتخاب والترشح وشغل الوظيفة العامة، وكثير من الحقوق المتعارف عليها عالمياً، والمضحك هنا أن من كانوا يرفعون مطالب وشعارات المواطنة المتساوية، قد أضاعوا المكاسب السياسية التي حصل عليها الإنسان اليمني في الماضي، وبهذا تكون مخرجات الحوار الوطني قد حصرت حقوق المواطنة للإنسان اليمني في نطاق المحافظة أوالإقليم الذي ينتمي إليه، وسوف تتحول المحافظات والأقاليم إلى سجون وكهوف يكبل فيها الإنسان اليمني، في مستقبل الدولة المدنية الحديثة!. إنها أخطر انتكاسة تتعرض لها اليمن الأرض والانسان منذ أقدم العصور، لأن هذا التقسيم سوف يعتمد في المنظمات الدولية والاقليمية.
وقد سبق التمهيد لنظام العزل المناطقي، بإصدار قرار جمهوري في مطلع العام الماضي 2013م، حدد فيه الموطن الانتخابي بـ: «مكان العائلة الاصلي، ومكان الإقامة الدائم فقط»، وتم حذف (مكان العمل) الاكثر رحابة وعدلاً ويعزز الاندماج الوطني، وهي الفقرة الموجودة في قانون الانتخابات السابق فقرة (د) التي تم إلغاؤها، وهنا نجد أن كل شيء مرتب ومخطط له بوضوح ، وسقطت الافكار الوطنية والقومية والأُممية والإسلامية التي كان يرفعها اليمنيون، إنها كارثة حقيقية، تم تفكيك الدولة والأرض والمؤسسات، ويتم انتقاص حقوق المواطنة، وتأسيس نظام يكرس الثقافة المناطقية بدلاً من الثقافة الوطنية، كما يؤسس لهويات صغيرة متصارعة يتم الاعلان عنه بين الاقاليم وفي اطار كل اقليم.
كنا نحلم بوحدة الأمة العربية، فإذا بنا نخسر حقوقنا في المواطنة المتساوية، إن ما حدث ويحدث تتحمله كل الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تتصارع على السلطة، ولكنها بهذا قد أضاعت الوطن، ولن يغفر التاريخ هذه الاخطاء التي اقترفتها بحق الشعب اليمني، ولابد من ثورة جديدة تعصف بهم وتقتلعهم من الجذور، ثورة تحفظ للوطن وحدته، وللشعب هويته الوطنية الواحدة.
|