علي ناجي الرعوي -
يبدو أن أعراض الانقسام والخلافات والصراعات الداخلية والتربص بالآخر والتلهي بالمشاكل الجانبية صارت صفة ملازمة للقوى الفاعلة في المشهد السياسي والاجتماعي اليمني إلى درجة انه وكلما لاحت ملامح الانفراج واستبشر الناس بالزمن القادم عاودت هذه القوى ممارسة لعبة التأزيم والصراع وخلط الأوراق من جديد إما رغبة في الاستحواذ على النصيب الأوفر من مراكز السلطة في الدولة الاتحادية القادمة أو سعياً إلى الانتقام من الخصوم وتصفية الحسابات معهم.
وتظهر مثل هذه الحالة جلية في التطورات الأخيرة والتظاهرات التى جرت في العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية بمناسبة الذكرى الثالثة لموجة الربيع اليمني إذ انه ورغم ما توصل إليه مؤتمر الحوار الوطني من توافقات واتفاق على قيام دولة اتحادية تتكون من ستة أقاليم وكذا ما أفضى إليه هذا الحوار من قرارات تشكل مدخلاً لعقد اجتماعي جديد فإن التطورات الأخيرة عكست ان هناك من لازال يتوجس من النتائج التي توصل إليها مؤتمر الحوار وبالذات ما يتصل منها بمسألة النفوذ في المرحلة القادمة بل إن البعض يرى في هذه التطورات مؤشراً على أن تعزيز الثقة بين الفرقاء هو أفق لا وجود له لا في معسكر النظام الجديد ولا الفريق المحسوب على النظام القديم.
ليس بين اليمنيين من لا يستوعب حجم التعقيدات التي أفرزتها الأزمة التي مرت بها البلاد خلال السنتين الماضيتين وليس بينهم أيضاً من يحلم أو حتى يراهن على معالجة آثار الصراعات السياسية والحزبية بكبسة زر على اعتبار ان هذه الخلافات والصراعات هي وليدة مسلسل طويل من الاحتقانات الطارئ منها والمزمن ولكن وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسر مؤتمر الحوار فقد كان الجميع يأمل في أن يمثل هذا الحوار الحد الفاصل بين التبعثر والالتئام وأن يغلق الجميع دفاتر الماضي ويفتح صفحة جديدة تدفع بالبلد إلى بر الأمان حيث وان اليمن في هذه الفترة أحوج ما تكون إلى مزيد من التعقل والإرادة الحثيثة التي تسهم في إنقاذها من خطر الإرهاب الذي يتربص بها مستغلاً خلافات السياسيين في ضرب أركان الاستقرار وتصعيد عمليات القتل الجماعي والعشوائي والممنهج ضد اليمنيين.
بعد سنوات قدم فيها اليمنيون آلاف الشهداء على يد المجاميع الإرهابية لابد وأنهم يشعرون اليوم بالخيبة أمام الخلل الواضح في إدارة الملف الأمني وهو الخلل الذى سمح للجماعات الإرهابية زعزعة الاستقرار ليس في محيطها المباشر وحسب وإنما في استهداف مناطق حيوية داخل العاصمة صنعاء وآخر هذه الاختراقات عملية الهجوم على السجن المركزي الذي لا تفصله عن مقر وزارة الداخلية سوى مئات الأمتار وهو الهجوم الذي أدى إلى هروب العديد من عناصر تنظيم القاعدة بما فيهم ثلاثة متهمين بمحاولة اغتيال رئيس الجمهورية ولا شك ان من ينتابهم الشعور بعدم الرضا عن الأداء الأمني معذورون في ذلك فحجم الكوارث والمصائب المتعاقبة والمتوالية الناتجة عن انفلات الأمن صارت مفزعة وأعداد الضحايا تتصاعد بأراقام فلكية فيما نجد المكونات السياسية الرئيسية منشغلة بخلافاتها وتصفية حساباتها دون أن يهتز لها ضمير أو يرجف لها رمش أمام حجم الجرائم التي ترتكب والدماء البريئة التى تراق.
نحن نعلم والحكومة تعلم والتيارات السياسية تعلم والكتل الحزبية تعلم وحتى الشعب المسكين والمنكوب يعلم أن موجات السيارات المفخخة وعصابات القتل والإرهاب التي تتحرك كخلية نحل وبأريحية كاملة لتحصد المئات من الأبرياء ما كان لها أن تصل إلى أهدافها وغاياتها الملعونة لولا انقسامات السياسة في اليمن الذين يلعنون مسلك الخلاف ولكنهم جميعاً يحرصون على أن يصلّوا في محرابه كل صباح ومساء دون أن يتعظوا من تجارب الزمن الماضي.