بقلم/عبده محمد الجندي* -
الإخوان المسلمون في اليمن «التجمع اليمني للاصلاح» لم تكن مشاركتهم في السلطة جديدة ووليدة العاصفة السياسية الهوجاء التي اجتاحت بعض البلدان العربية كما قد يعتقد البعض لأن اليمن كانت واحدة من أقدم الديمقراطيات العربية الناشئة التي بدأت في عام 1990م بقدر ما هي علاقة قديمة سابقة ولاحقة لقيام الوحدة والديمقراطية بحكم ما نشأ بينهم وبين الرئيس صالح من علاقة تحالفية مبكرة وصفوها بالاستراتيجية في أدبياتهم السياسية والثقافية وفي مشاركتهم مع الشمال في حربه مع الجبهة الوطنية الديمقراطية، إلاّ أن تجربتهم الانتخابية الفاشلة أكدت لهم أنهم لا يستطيعون الانفراد بالسلطة وأنهم بحكم اعتمادهم على النوعيات الايديولوجية لا يمتلكون قاعدة انتخابية كبيرة في ظل التعددية والتداول السلمي للسلطة إلاّ اذا نجحوا في ازاحة حليفهم من الحياة السياسية ومن الحياة الدنيوية.
لذلك نجدهم بعد فشل اعتصاماتهم وتظاهراتهم يفكرون بالبدائل الارهابية كما حدث في مسجد دار الرئاسة، أقول ذلك واقصد به أن المشاركة في السلطة لم تكن سوى خطوة تكتيكية لاستكمال ما تبقى من أهداف متعددة الأساليب السياسية والتنظيمية والعسكرية والأمنية السلمية والانقلابية والإرهابية والاستفادة من علاقاتهم مع الدول ومع الهيئات والمنظمات الاقليمية والدولية من خلال التنظيم الدولي الذي يرتبطون به، مستفيدين مما لديهم من الطاقات والامكانات والعلاقات المادية والمعنوية لإبعاد الرئيس السابق من رئاسة المؤتمر الشعبي العام ليس حباً بالمؤتمر الشعبي العام وقياداته البديلة ولكن رغبة في الخلاص نهائياً من المؤتمر بكل قياداته التاريخية..
لأنهم لا ينظرون للحاضر والمستقبل إلاّ من زاوية رغبتهم في السيطرة على السلطة وحكم اليمن بل وحكم العالمين العربي والاسلامي منفردين لتحقيق ما يحلمون به من خلافة اسلامية غير مستفيدين من الفشل الذي حدث لهم في مصر وفي غيرها من البلدان التي رفضت الشمولية القائمة على الدكتاتورية الدينية، ومن أجل ذلك نجدهم في حالة حركة سياسية ونشطة تأبى إلاّ إعادة الحياة والحيوية الى الساحة والشوارع المقفرة ولكن بفاعلية جماهيرية وشبابية أقل من تلك الفاعلية الجماهيرية والشبابية التي أوصلتهم من المعارضة الى الحكم بعد أن أفرزت مشاركتهم الكثير من السلبيات والاخطاء التي أدت الى ظهور ساحات وشوارع جديدة ذات أهداف نقيضة لما لديهم من مخططات تآمرية كانت مستقرة خلف السرية وأصبحت سافرة ومكشوفة في ظل العلنية بما تنطوي عليه من الاساليب والوسائل الانتهازية والانانية التي تتنافى مع قدسية وطهارة الغايات الثورية النبيلة، قلبت الكثير من رفاقهم الشباب رأساً على عقب وجعلتهم يطالبون بحكومة كفاءات غير حزبية وبإسقاط الحكومة الفاسدة ومساءلة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين من اعضائها.
لقد أصبح الشعب اليمني في أغلبيته الساحقة ينظر باشمئزاز لما يقومون به من دعاية فاضحة.. معتقدين أن التظاهر بالقوة وعرض العضلات مخيفة للرئيس السابق وهي لا تخيف سوى من بيده السلطة والذين افتقدوا المصداقية والموضوعية والثقة ممن يعلقون فسادهم وعجزهم على الرئيس السابق من خلال التكرار الممل لاسطوانتهم المشروخة التي ألحقت بهم سلسلة من الاساءات الى درجة انقلبت من النقيض الى النقيض.. وأصبحت تكسب الرئيس السابق الكثير من التعاطف الذي يضاف الى ما لديه من أنصار لاسيما وأن السلبيات في عهده كانت أقل بكثير من السلبيات الفظيعة في عهد حكومتهم الفاشلة التي لا يتذكر عنها الشعب سوى «الاخونة» بما تنطوي عليه من الاقصاء والالغاء والسيطرة على جميع مؤسسات الدولة المختلفة بدون مستند من الدستور أو القانون، أما عن الفساد المالي والاداري والفشل الاقتصادي والأمني فحدّث ولا حرج في ظل حكومة معتمدة على الخارج أكثر من اعتمادها على نفسها، أفقدت الشعب اليمني كل ما كان يتمتع به من الثقة بنفسه وبما لديه من الطموحات والتطلعات الوطنية الى درجة اصبحت فيه المخرجات الحوارية تعتمد في تنفيذها ووضعها موضع التطبيق على إرادة دولية كبديل للإرادة الوطنية بصورة تتنافى مع جوهر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذة المزمنة وقراري مجلس الأمن، الى درجة لم يعد فيها مستشار الأمين العام مجرد وسيط دولي نزيه ومحايد بقدر ما أصبح بمثابة «بابا» يحكم على من يشاء بالغفران ويحكم على من يشاء بالحرمان.
أقول ذلك وأقصد به أن الأغلبية الساحقة من ابناء الشعب اليمني قد فُجعوا وهم يستمعون الى تقاريره وتصريحاته واتهاماته وتسريباته عن عقوبات دولية على من يطلقون عليهم المعرقلين للتسوية السياسية بصورة تتنافى مع تقريره الذي أكد فيه على نجاح مؤتمر الحوار الوطني بموافقة جميع المكونات المشاركة.
حيث لوحظ من تركيز التقرير على الفقرة «45» من الحكم الرشيد المتحفظ عليها من أكثر من مائتي عضو من اعضاء مؤتمر الحوار الوطني، لوحظ رغبة استفزازية اخوانية مسبقة في الاستقواء بمجلس الأمن الدولي لتوريطه باتخاذ عقوبات ظالمة على الأشخاص، متجاهلاً اتفاق الجميع على ما يقرب من ألفي قرار وتوصية حوارية ألزمت الدولة بسلسلة مركبة من المهام والمتطلبات والتعويضات الخيالية الأقرب الى المثالية منها الى الموضوعية قياساً بما تمتلكه البلاد من الموارد والامكانات المتاحة والممكنة لمواجهة مثل هذه الالتزامات والتعويضات الخيالية.
لقد كان الكثير من ابناء المحافظات الشمالية يعتقدون أن ما نصت عليه ورقة بن عمر حول الحلول العاجلة والآجلة للقضية الجنوبية ينطوي على التمييز والانتقاص من مبدأ المواطنة المتساوية ويجعل الاحتكام للديمقراطية بين ابناء الشعب الواحد عملية مستحيلة تتنافى مع جميع المبادئ والمواثيق الدولية النافذة.
أقول ذلك وأقصد به أن الإجماع على هذه الحلول رغم ما تنطوي عليه من الظلم يحتاج الى أجواء هادئة والى المزيد من الوفاق والاتفاق والى التسامح والتصالح والتعاون وتبادل التنازلات والتضحيات المبررة بالانتصار للوحدة وللأمن والاستقرار وللدولة المدنية الحديثة دولة النظام وسيادة القانون، ويحتاج للتفرغ لما يتطلبه هذا الشعب الصامد والصابر بوجه التحديات من تنمية اقتصادية واجتماعية ملحة بدلاً من العقوبات المنفرة للقيادات السياسية المؤثرة على حاضر ومستقبل اليمن الجديد.. لأن الاستفزاز فعل غير عقلاني يدفع المتضررين الى ردود افعال غير حريصة، حيث ظهر المبعوث الأممي منحازاً بالمطلق لشباب الاخوان المسلمين الذين ينتمون للتجمع اليمني للاصلاح دون غيرهم، متناسياً أن المخرجات الحوارية غير المتوازنة تفتح المجال للمزايدة وما يترتب عليها من حركة استقطاب معارضة واسعة من قبل الكتلة السكانية الكبيرة التي تشعر أن القسمة على اثنين سخرت 75% لخدمة 25% من السكان في عصر يقال عنه عصر الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والمواطنة المتساوية وعدم التمييز في الحقوق والواجبات على أساس مناطقي وعلى أساس الجنس أو اللون أو المعتقد والعرق، وعصر التداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الانسان، لاسيما وأن مشروع التقرير قد طالب بعقوبات تتنافى مع الكثير من المخرجات من خلال اشارات لتقييد حرية بعض الوسائل الاعلامية التي اتهمها بالتحريض دون اشارة الى أن الوسائل الاعلامية الرسمية هي المنحازة بالمطلق مع طرف وضد طرف آخر له وسائله وساحاته الدائمة الاستفزاز والتحريض على الكراهية.
ومعنى ذلك أن الاخوان المسلمين استطاعوا الاستفادة من سوء العلاقة بين المؤتمر وبين المبعوث الأممي على نحو جعله وسيطاً غير محايد ينفذ ما يملى عليه من وجهات نظر غير حريصة على المصالحة.
وقد يقول هذا البعض من المتضررين من العقوبات ليفتح المجال للمزايدة على السيادة الوطنية وعلى التدويل وعلى التدخلات الخارجية.. وتمكين الحركة الاسلامية من ممارسة مختلف انواع الضغوط السياسية ليس فقط على رئيس المؤتمر شكلاً بل وعلى رئىس الجمهورية مضموناً، تحت مبرر أنهم من أوصلوه الى السلطة دون غيرهم، مستخدمين ما لديهم من العلاقات الاقليمية والدولية من خلال حركتهم السياسية والاعلامية المنظمة والهادفة الى إقامة الخلافة الاسلامية الموعودة.
أعود فأقول: إن المبالغة في عرض القوة في احتفالاتهم الشبابية المفتعلة بمناسبة ما اطلقوا عليه الذكرى الثالثة لثورة الـ11 من فبراير الاخوانية المتموضعة خلف مصطلح الشباب وصلت الى حد اعطاء اجازة رسمية لموظفي الدولة دون موافقة من رئيس الجمهورية وحتى من وزير الخدمة في حكومة الوفاق الوطني.. إنها تظاهرة سياسية في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب تتزامن مع ترتيبات دولية في ظاهرها الاستهداف للرئيس السابق واجباره على التخلي عن رئاسة المؤتمر واتاحة الفرصة لنائبه الأمين العام ليحل محله بإرادة اخوانية، وفي باطنها الضغط على رئيس الجمهورية الحالي المشير عبدربه منصور هادي وإجباره على مراجعة مواقفه والتراجع عن وعوده التي قطعها امام اعضاء مؤتمر الحوار بإحداث تغييرات حكومية تشمل بعض الوزراء الفاشلين والفاسدين المحسوبين على حزب «الاصلاح».
إنهم يطلبون منه ان يحارب الحوثيين نيابة عنهم غير مكتفين بما قدمه لهم القشيبي من الكتائب العسكرية، ويطالبونه أن يعادي من يعادونه ويصادق من يصادقون، والانتصار لهم مما لحق بهم من هزائم قبلية وعسكرية ينسبونها حيناً للسعودية وحيناً آخر لإيران وفي كل حين للرئيس السابق.
وقد ظهر ذلك من خلال نقاشاتهم مع رئيس الجمهورية التي كشفت عنها صحيفة «الشارع» الاسبوعية نقلاً عن مصادر مطلعة وما أعقبها من مصارحة وإصرار على تسمية مرشحيهم الى حكومة الوفاق الوطني حتى لا يضطر الى الاستقالة وتحميلهم المسئولية، مقللاً من الخطر الذي يمثله الرئيس السابق.
مؤكداً بما صدر عن أحد رموزهم قوله: الجيش جيشنا والبنك بنكنا وعبدربه منصور هادي نحن من أوصله الى السلطة.. وكان غير مستعد لتقبل التبريرات الواهية التي صدرت من مستشاره للشئون العسكرية والأمنية.
أعود فأقول إن الهداف الأول لهذه التظاهرات الاحتفالية ذات الباطن المغاير للظاهر كان المشير الجديد الممسك بزمام السلطة الذي لديه ما يخاف عليه من القوى الطامعة في السلطة وليس المشير القديم الذي ترك السلطة في انتخابات رئاسية مبكرة، الذي لم يعد له من الحكم ما يخاف عليه من اطماعهم اللامحدودة..
الأمر الذي يحتم على القيادات والقواعد المؤتمرية استيعابه وتجنب الممارسات والخطابات الاعلامية والسياسية المستفزة التي يتضرر منها المؤتمر الشعبي العام ولا يستفيد منها سوى الاخوان المسلمين الذين يسعون جاهدين للسيطرة على السلطة بكل الوسائل والاساليب المشروعة وغير المشروعة، مستخدمين لذلك خطاباً اعلامياً وسياسياً في ظاهره التطابق مع الخطاب الاعلامي والسياسي الرسمي لرئيس الجمهورية، وفي باطنه التكتيك والخداع والدجل والمناورة والأخونة.. لاسيما وأن رئيس الجمهورية قد ألمح لهم بصراحة أن قوة «أنصار الله» لم تكن ناتجة عن رغبة شعبية في الانضمام اليهم بقدر ما هي ناتجة عما يقومون به من الاقصاء والإلغاء للآخرين في أجهزة الدولة المختلفة تدفع هؤلاء المبعدين من اعمالهم الى ردود أفعال صاخبة وغاضبة على قاعدة«عدو عدوي صديقي» ولا يجدون من لديهم القدرة على استيعابهم سوى الحوثيين.. لا تستطيع السيدة توكل كرمان أن تسوق نفسها لرئاسة الجمهورية وأن تتحول الى مظلة يستظل بها الإخوان المسلمون للانفراد بالسلطة بمساندة القطريين ودعمهم حتى ولو كانت حاصلة على جائزة نوبل للسلام لأن الظروف العربية والدولية التي ساعدتها على نيل هذه الجائزة الرفيعة قد اختلفت وتبدلت جراء إضرار الاخوان المسلمين بأنفسهم ومن خلال السرعة المجنونة التي حاولوا فيها اخونة الدولة المصرية العميقة وغيرها من البلدان العربية التي قالت بصوت عالٍ: نعم للديمقراطية ولا للاخونة الناتجة عن الشمولية الاسلامية الشوفينية.
وخلاصة القول: إن الاخوان المسملين في اليمن يمارسون لعبة انقلابية بالاستفادة من الامكانات القطرية المادية والمعنوية ولم يكتفوا بما حصلوا عليه من مكاسب بعد تخلي صالح عن السلطة لأنهم مازالوا بحاجة الى النجاح عن طريق اجباره على التخلي عن المؤتمر وما سوف يترتب على ذلك من توسيع لفجوة الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية لاضعاف المؤتمر الشعبي العام ومن ثم قدرتهم على ازاحته عن طريقهم بهدف الاستحواذ المطلق على السلطة في أول عملية انتخابية.. وستكون ضربة مؤلمة تحول الخلافات بين رئيس الحزب ورئيس الجمهورية الى أحقاد.
وحتى لا يضطر الاخوة الى مواجهة بعضهم البعض في صراع لا ناقة لهم فيها ولا جمل فإنه لابديل عن البحث عن حلول أخوية صريحة وصادقة ومسئولة من خلال المصارحة والمصالحة في أجواء من الوضوح والشفافية والاستيعاب لطبيعة الاخطار المحدقة بالجميع.
لاسيما وأن المستفيد الوحيد من تلك الخلافات هم الثالوث الخطر «الاخوان + عيال الشيخ + الجنرال» الذين يعتقدون أنهم قد نجحوا في التأثير على مخرجات الحوار الوطني في تمرير نصوص قابلة للاستخدام للتخلص من خصومهم الثلاثة «انصار الله + رئيس المؤتمر + رئيس الجمهورية» وبينهم المؤتمر الشعبي العام..
من أهم نقاط ضعف رئيس الجمهورية تحريض الشماليين على الجنوبيين.. الاعتماد على العامل الخارجي دون وجود قاعدة يمنية قوية تسنده.. الشمال الذي سيطالبه بالمساواة ومن تهمة ظلم الجنوب الذي سيطالبه بالاقليمين وبالانفصال.
* عضو اللجنة العامة