الإثنين, 17-مارس-2014
الميثاق نت -    بقلم/ عبده محمد الجندي -
بعد سلسلة كبيرة من الخلافات والصراعات والحروب الماضية، أما آن الأوان للخروج من الماضي بكل موروثاته السلبية وبكل ما حدث فيه من الجروح والآلام الناتجة عن المكايدات والمزايدات السياسية والدعائية وتبادل الاتهامات والصراعات والحروب التي أهدرت الكثير من الإمكانات والطاقات المادية والمعنوية في الدروب والهوامش الفرعية للجدل الناتج عن اتفاقات وتسويات سياسية سابقة للمصالحة الوطنية بين جميع الأطراف، على نحو جعل تاريخ الثورة والدولة مثقلاً بالكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية رغم ما حققته الثورة اليمنية من الايجابيات التي جعلت حياة الأبناء والأحفاد أفضل مرات عدة من حياة الآباء والأجداد البدائية التي ميزت التاريخ اللاحق للثورة والدولة عما قبله من العهود والعصور المظلمة.
أعود فأقول بدون المصالحة الوطنية على أهمية المستقبل سنظل أسرى الماضي رغم اقتناعنا أنه لم يعد لدينا ما يمكن أن نقدمه من التضحيات وما يمكن أن نبدده من الإمكانات وما يمكن ان نضيعه من الجهود والأوقات الباحثة عن المستقبل الافضل في وقت أكدت فيه الكثير من الاختراعات والابتكارات والمعلومات التقنية والتكنولوجية والالكترونية التي جاءت بها الثورة الصناعية والديمقراطية العملاقة وما حققته من المنجزات والمعجزات بصورة أكدت وبما لا يدع مجالاً للشك أن المستقبل هو وحده الفضاء الذي يجب أن نضع فيه كل ما لدينا من الطاقات والإمكانات والجهود العلمية والعملية الكفيلة بتحقيق ما لدينا من الطموحات والتطلعات ذات الصلة بتمكين الكفاية من التغلب على الحاجة، وتمكين السعادة من التغلب على الفقر والشقاء، وتمكين التقدم من التغلب على التخلف، وتمكين النور من محاصرة الظلام، والديمقراطية من محاصرة الاستبداد، والعدالة من محاصرة الاستغلال.. الخ.
وإذا كانت مخرجات الحوار الوطني قد حظيت بالاجماع، فإن التطبيق يحتاج هو الآخر الى نفس الاجماع الوطني، والاجماع يحتاج الى قدر معقول من الثقة، والثقة تحتاج الى قدر مقبول من المصداقية والموضوعية في مجمل ما لدينا من الخطابات الدعائية والعلاقات السياسية وعدم ترك الماضي يؤثر على المستقبل ويتقاطع معه في محاولة لجعله تكراراً لإنتاج نفسه في إضافة مشاكل الى مشاكل ومعاناة الى معاناة وجروح الى جروح وآلام الى آلام وفساد الى فساد، وفقر الى فقر وتخلف الى تخلف يفرغ مخرجات الحوار من معانيها العلمية، لأن غياب المصداقية والموضوعية والثقة ثالوث رهيب يكشف عن أزمة سياسية مستفحلة قد تكون ناتجة عن أطماع وقد تكون ناتجة عن أنانية لا تخلف للشعوب سوى (الدماء والدمار والدموع)، لأن الأحزاب والتنظيمات السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والمشاركة في حكومة الوفاق الوطني وتلك المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني مازالت تعيش في الماضي بما ينطوي عليه من الصراعات والتوترات وغير مستعدة لإغلاق ملفاته ومغادرته الى المستقبل، ليس لأنها لا تعي ما تعنيه الشراكة في السلطة وفي الحوار من وفاق واتفاق يستوجب إقامة علاقة جدلية جديدة توفر للجميع ما هم بحاجة اليه من التعاون في سباق البحث عما هم بحاجة اليه من الموارد والثروات الممكنة والمتاحة عبر مجموعة من الخطط والبرامج العلمية والعملية الهادفة الى حسن استثمار الموارد المكانية والزمانية الواعدة- المكانية ونعني بها الوطن اليمني، والزمانية ونعني بها الشعب اليمني في علاقاته بالحاضر والمستقبل الواعد.
الأحزاب والتنظيمات السياسية التي لا تستوجب ما يجب عليها القيام به من أعمال جليلة لبناء اليمن الجديد بوحي من إحساسها بالمسؤولية الناتجة عن الشراكة في السلطة والثروة لا يمكن فهمها الا من خلال سكنها في الماضي وانقطاعها عن المستقبل، الماضي الذي لا تجد فيه إلا ما تتذكره من الأحقاد والكراهية الموروثة من تلك الخلافات والأطماع التي تحولت مع ركود الحركة الزمانية المغلقة الى صراعات وحروب نتيجة للمزيد من الكراهية والحقد الأسود.
هي بالطبيعة والنتيجة أحزاب شمولية لا تؤمن بالتعدد والتنوع ولا تؤمن بالحرية وبالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة.
وقبل وبعد ذلك هي أحزاب لا تؤمن بالتغيير ولا تؤمن بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي ولا تؤمن بالتسامح والتصالح والتعاون كمدخل وحيد لتحقيق ما تحتاجه الشعوب من الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة والدائمة.. لأنها أحزاب عاجزة عن التحرر من سلبياتها وأطماعها.. تخلط بين الذاتي والموضوعي وبين ما لها من المصالح وبين المصالح العامة، وتعتقد خطأً أن رسالتها تحتم عليها التفاني بما لديها من المصالح والاهواء رغم علمها المسبق أن رسالتها الحقيقية تحتم عليها العمل بصمت ونكران للذات وتقديم المصلحة العامة على ما لديها من المصالح الذاتية.
أقول ذلك وأقصد به أن الشعوب والهيئات الناخبة تقيّم الاحزاب والتنظيمات السياسية من خلال ما لديها من البرامج ومن خلال تفانيها في تنفيذ ما لديها من البرامج، لأن المصداقية هي المدخل الوحيد للحصول على ثقة الهيئة الناخبة والحفاظ عليها لأن فقدان الثقة تعيد الاحزاب الكبيرة الى مستوى الاحزاب الصغيرة والهامشية، بعكس الوفاء بما صدر عنها من العهود والوعود الانتخابية التي تبقى أحزاباً مرشحة باستمرار الثقة لدى الهيئة الشعبية الناخبة.
وبالتأكيد فإن مستوى الأداء في المواقع الحكومية يؤثر إيجاباً وسلباً على ما تحتاجه هذه الاحزاب من ثقة في أول عملية انتخابية تنافسية قادمة، بمعنى أن النجاح والفشل في المرحلة الانتقالية هو الرصيد الذي تدخل به الاحزاب الائتلافية الى أول عملية انتخابية قادمة.
ويوماً بعد يوم تكشف الوقائع والأحداث المستجدة ان جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية مازالت متنازعة ومتصارعة في المرحلة الانتقالية، متناسية مسؤولياتها الوطنية تجاه الشعب.. هذه الأحزاب مازالت بحاجة ماسة الى الاقتراب من القيادة السياسية في لقاءات مسؤولة ونقدية تبدأ بالمصارحة والمكاشفة كمدخل صائب لتنفيذ ما لديها من العوائق والسلبيات من جهة ولتصفية ما علق في القلوب وفي النفوس من أحقاد موروثة من الأزمة حتى تصل الى إدراك ما توجبه الشراكة من التعاون ومن التسامح والعفو المتبادل يوصلها الى ما هي بحاجة اليه من قبول حتمي بالمصالحة الوطنية على قاعدة ما حققته من توازن المصالح المتناسبة مع الاحجام والأوزان السياسية والحزبية.. وانتهاج رحمة الخلاف كبديل للعنة الكراهية والحقد.. واستبدال الأساليب والوسائل السلمية كبديل للأساليب والوسائل العنيفة في سباق التنافس على التداول السلمي للسلطة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية والتسوية السياسية والاحتكام للهيئة الناخبة.
قد تكون البداية صعبة وبحاجة الى جهود مكثفة من قبل القيادة السياسية، ولكن الأصعب منها أن تنشغل القيادة السياسية في معالجة النتائج السلبية دون معالجة الأسباب الموصلة لتلك النتائج وما يترتب عليها من الأضرار السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية المكلفة على المواطن وعلى الدولة وعلى الوطن والشعب بكل مكوناته وتكويناته السياسية والقبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية.. الخ.
أعود فأقول إن المرحلة تحتاج الى المصالحة الوطنية كخطوة ناضجة في العبور الى المستقبل بدرجة لا تقل أهمية عن الحاجة الى التعاون والتكامل في تطبيق مخرجات الحوار الوطني في أجواء هادئة ومفعمة بالجدية في التعامل مع المسؤولية التي تميز الأحزاب والتنظيمات الوطنية الحاكمة والمسؤولة عن الشعب، عن الاحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة التي لا تمتلك سوى الكلمة الناقدة، لأن الشراكة في السلطة تحتم على أي حزب أو تنظيم سياسي حريص على ثقة الشعب أن يقدم الموضوعي على الذاتي، والعام على الخاص، والمشروع على الممنوع.
صحيح أن البلاد قد استطاعت في عهد الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي أن تقطع شوطاً كبيراً في تطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وأصبحنا نلامس المهام الأخيرة المتبقية من المبادرة الخليجية بداية من الإعلان عن تشكيل اللجنة الفنية المكلفة بصياغة مشروع الدستور حسب ما لديها من موجهات دستورية نصت عليها مخرجات الحوار الوطني كمقدمة للاستفتاء عليه، ومروراً بإجراء الانتخابات البرلمانية والإقليمية، وصولاً الى انتخاب رئيس الجمهورية خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية المتوافق عليها.
الا أن الصحيح أيضاً أن المصالحة الوطنية أصبحت ضرورة ملحة تساعد على تهيئة ما نحن بحاجة اليه من النجاح في الحرب على الارهاب وتسكين النزعات الانفصالية والصراعات المذهبية وحشد الجهود الموحدة وتوفير الأجواء الآمنة والمستقرة للدخول الى العمليات الانتخابية القادمة باعتبارها الحل المناسب لمشكلة الصراع على السلطة وحكم الفترات الاستثنائية.. إن الخروج من الدوامة الجامدة للماضي بما ينطوي عليه من الأحقاد الدافعة للثارات الانتقامية كمحصلة لما يترتب على ثقافة الكراهية يجعل التقدم الى الأمام عملية مستحيلة بدون الاحتكام للإرادة الشعبية الحرة، لأن إرادة الأحزاب لا يمكن أن تكون بديلة لإرادة الشعوب لأن الماضي بمجرد وقوعه يفلت من إمكانية الإلغاء.. الأمر الذي يجعل المستقبل عديم القدرة على التخلص من الماضي والتحرر من عقده وأحقاده وسلبياته وأمراضه الثقافية والسياسية التي استوجبتها الأزمات المركبة والبدائل الاتفاقية والوفاقية التكتيكية ما لم تصل جميع الاطراف في المشاركة بأخطائه الى قناعة ديمقراطية صادقة وموضوعية من خلال المصارحة والتسامح وما ينتج عن ذلك من استعدادات للتصالح على قاعدة استبدال الماضي بالمستقبل والتعاون لتوفير القدر المعقول والمقبول من التعاون في فضاءاته المفتوحة والواعدة بالكثير من الإمكانات والموارد الاقتصادية المحققة للتقدم والرقي الحضاري والقضاء على الفقر كأحد أهم العوامل الرئيسة المحققة للقلق والمحركة للكثير من المشاكل وما ينتج عنها من الصراعات والنزاعات الدامية والمدمرة بين أبناء الشعب الواحد.
من الكائنات الحية والحيوانية غير العاقلة وغير القادرة على الانتاج والإبداع أن المصالحة الوطنية أصبحت مقياساً رئيسياً لتحقيق ما لدينا من التطلعات والأحلام الحياتية والحضارية، وبدون المصالحة الوطنية سوف نجد أنفسنا فريسة سهلة لما لدينا من الغرائز والشهوات والاطماع الحاملة للخراب والدمار في حالة غرق بما يحيط بنا من المستنقعات دون قدرة على مغادرتها الى ما بعد هذه المستنقعات الآسنة من فضاءات حياتية وحضارية آمنة، لأن خطر المستنقعات السياسية والدعائية الآسنة لا يمكن الخلاص منه ولا يمكن عبور مخاطره وتحدياته الا في ظل المصالحة الوطنية وما تنتجه من طاقات وإمكانات تعاونية وتوافقية وتكاملية تؤّمن لنا ما نحن بحاجة اليه من سفن الإبحار في أعماق المستقبل، فنتقدم الزمن ونستثمر ما ينطوي عليه - المكان- الوطن من الخيرات والامكانات المادية المتاحة والكفيلة بتلبية ما لدينا من الاحتياجات المحققة لما لدينا من الطموحات الانتاجية والإبداعية في شتى مناحي الحياة.
الواقع يحتم على جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية الفاعلة التنافس على قيم الحق والعدل والتقدم والأمن والاستقرار والسلام لنؤكد لأبنائنا وأحفادنا أننا شعب جدير بالحرية وبالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والتعددية الاقتصادية والتعددية النقابية وتعددية الأقاليم المتنافسة في نطاق الدولة الجمهورية الواحدة ذات النظام الاتحادي الذي لا يلغي الوحدة بقدر ما ينطلق من الحرص على تطويرها والحفاظ عليها بعلم واحد ونشيد واحد وجيش واحد وموارد سيادية موحدة وتمثيل خارجي واحد لا مجال فيه لتعدد الدويلات الانفصالية.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:52 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-37475.htm