سمير النمر -
< ما شهدته محافظة عمران من أحداث خلال الأيام الماضية كان له الأثر الكبير في تغيير مشهد التحولات السياسية والاجتماعية على مستوى اليمن عموماً ومحافظة عمران خصوصاً، فخروج أبناء عمران في مسيرة سلمية حاشدة الجمعة الماضية بذلك الزخم الجماهيري يعد انتصاراً حقيقياً لأبناء المحافظة ضد قوى النفوذ القبلي والديني والعسكري التي جثمت على صدر اليمن عقوداً طويلة ولاقى أبناء عمران كغيرهم من أبناء اليمن شتى أنواع الاستبداد والتسلط والظلم من قبل هذه القوى النافذة،
ولهذا فإن خروجهم بمختلف انتماءاتهم في تلك المظاهرة الحاشدة بمثابة استفتاء شعبي على طي آخر صفحة من صفحات الفساد والتسلط لهذه القوى في عقر دارها، ليفتحوا صفحة جديدة من صفحات التاريخ النقية، وليكتبوا سِفْراً جديداً لا مكان فيه لقوى الفساد والفيد والغنيمة.
ولهذا علينا جميعاً أن نقرأ مسار التحولات في حاشد وعمران وفي سياقها الطبيعي وفقاً لخلفياتها التاريخية والاجتماعية، ومن الخطأ أن نقرأ ما حدث على أنه صراع بين أنصار الله من جهة وأولاد الأحمر وحلفائهم من جهة أخرى، بعيداً عن السياقات التاريخية والاجتماعية التي أفرزت هذا التحول وساعدت على سقوط منظومة القوى القبلية والدينية والعسكرية، لأن الجميع يدرك حجم الصراعات التي خاضتها قوى النفوذ القبلية والدينية ضد كل القوى الوطنية في عموم مناطق اليمن منذ ثورة سبتمبر الى اليوم، حيث كانت هذه القوى التقليدية بمختلف ارتباطاتها الداخلية والخارجية، بمثابة العائق الذي حال دون تحقيق الكثير من آمال اليمنيين وطموحاتهم منذ الشهور الأولى التي أعقبت ثورة 26سبتمبر مروراً بانقلاب 1967م نوفمبر و1974م وغيرها من الاحداث والوقائع التي عطلوا من خلالها مسار الاحداث والتحولات في التاريخ اليمني الحديث وحالوا دون تحقيق الكثير من طموحات أبناء اليمن، وانتهاءً بأزمة 2011م التي ركبوا فيها موجة الشباب كمحاولة منهم لتطهير أنفسهم والتنصل عن تاريخهم الأسود المليئ بالفساد والعمالة طوال العقود الماضية، فظنوا أن التحاقهم بموجة الربيع العربي وسيطرتهم على مسار أحداثها ووصولهم الى السلطة بعد 2011م كفيل باستمرار فسادهم ونفوذهم وتسلطهم على أبناء اليمن، متوهمين أنهم قادرون على استنساخ حركة التاريخ وإعادة تجربة ما بعد ثورة سبتمبر التي استطاعوا تحويلها الى فيد وغنيمة وأجهضوا الكثير من أهدافها.. وما أن تسارعت الأحداث ومضت الأيام حتى تحول نصرهم الذين ظنوه بعد وصولهم الى السلطة بعد 2011م الى هزيمة، وتحول ربيعهم الى خريف تساقطت أوراقه واحدة تلو الأخرى، فالتاريخ كالنهر لا يمكن أن تغتسل بمائه مرتين، ومن هنا تدرك أن سقوط مثلث الشر المتمثل بالقوى القبلية والدينية والعسكرية في عقر دارها بعمران لم يكن إلا نتيجة طبيعية للفساد والتسلط والاستبداد الذي مارسته هذه القوى على أبناء حاشد وعمران خصوصاً وأبناء اليمن عموماً، وما حدث في عمران يمكن توصيفه بأنه ثورة اجتماعية قام بها أبناء المحافظة ضد هذه القوى التي حملت بذور انهيارها بداخلها من خلال ممارستها وتسلطها وتهميشها لأبناء عمران طوال العقود الماضية.. ومن هنا أدعو كل القوى الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في اسقاط مثلث الشر الى الاستفادة من عبر التاريخ وأحداثه من خلال صياغة مرحلة جديدة قائمة على التعاون والاحترام المتبادل يسود فيها القانون والحرية والعدالة بين الجميع.. ومن ينحرف عن هذا المسار سيكون مصيره مصير أسلافه.