الإثنين, 31-مارس-2014
الميثاق نت -  بقلم/ عبده محمد الجندي -
`هل نستطيع القول إن مخرجات الحوار الوطني هي نهاية الأزمات السياسية وبداية لمرحلة جديدة من التعاون القائم على الاحترام المتبادل؟

الاحترام المتبادل للتعدد والتنوع لا يعني نهاية الاختلاف في الرأي بقدر ما هو بداية ديمقراطية ناضجة متفقة على تقديم ما يجب أن يكون على ما هو كائن، وما يؤججه من تقديم للتعاون على الاختلاف على قاعدة الحكمة القائلة: «إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».. وأن كل شيء في حالة حركة، وكل حركة في حالة تغيير، وكل تغيير ينطوي على مقادير عملية من التطور الذاتي والموضوعي الهادف الى بناء الجديد وما ينطوي عليه من الفوائد الملبية لما لدينا من الاحتياجات الملحة.```

أقول ذلك وأقصد به أن حاجتنا للاتفاق على المستقبل نابعة من وعي لما أهدرناه في الماضي يولد لدينا الاستشعار العظيم لمسئوليتنا الوطنية والحضارية في بناء اليمن الجديد وبناء الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام وسيادة القانون، دولة الحقوق والحريات دولة المساواة القادرة على ترسيخ ما نحن بحاجة اليه من الأمن والاستقرار ومن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحققة للرفاهية والسعادة والمدنية التي تستمد مادتها من حسن استثمار وحسن واستغلال ما لدينا من الموارد والطاقات البشرية والطبيعية ذات الصلة بالثورة الزراعية والصناعية والحركة العمرانية التجارية المزدهرة والمحاكية لما وصلت إليه الحضارة .

أعود فأقول: إن مخرجات الحوار الوطني تحتاج الى التحرر من حساسيات وعقد الماضي والتعاون من أجل المستقبل لأن المرحلة تحتم علينا إعطاء الأولوية للمستقبل بعقول مفتوحة على العلم وبإرادات مستعدة للعمل وبقلوب ونفوس عامرة بالايمان ومؤمنة بالتغيير وبما يجب أن يتحقق لهذا الشعب العامر والصابر بوجه التحديات من حركة تطور شاملة تمتد لتشمل كلما هو جامد ومتخلف في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية قولاً وفعلاً وليس مجرد كلام للاستهلاك والمزايدة والمكايدة من أجل اضافة الجديد الى القديم، وما يجب أن يكون الى ما هو كائن من الايجابيات مبتعدين بقدر الإمكان عن التكرار الدوري للدوامة السلبية للأزمات والسلبيات التي أثقلت كاهل الشعب ونغصت حياته وكلفته الكثير من التضحيات والمعاناة التي كبلته بأغلال الماضي الى درجة حالت بينه وبين حقه في الانعتاق من الفقر والجهل والمرض والظلم والظلام والاستغلال والاستبداد.. الخ.

إننا لا نستطيع مغادرة الدوامة الضيقة للماضي ما لم نستبدل الكراهية بالحب.. والحقد بالتسامح.. والغدر بالوضوح والشفافية.. والغضب بالهدوء والسكينة.. والحرب بالسلام.. والجهل بالعلم.. والكسل بالعمل.. والتخاصم بالتصالح.. والتنازع بالتعاون.. من أجل حياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل تحقق المعاني العظيمة للديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة من حيث هي أغلبية تحكم وأقلية تعارض استناداً الى مرجعية دستورية تجسد القول الفصل للإرادة الشعبية الحرة باعتبارها المصدر الوحيد للسلطة.

ومعنى ذلك أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة للتغيير وأن اعداء الديمقراطية هم اعداء التغيير والتطور واعداء الحياة والحرية والعدالة والمساواة والتقدم لأن القوى غير المؤمنة بالديمقراطية هي بالطبيعة والنتيجة قوى رجعية ومتخلفة ومستبدة مهما تظاهرت بأنها قوى تقدمية ومؤمنة بالتغيير الثوري.

أقول ذلك وأقصد به إن الزعيم علي عبدالله صالح الرئيس السابق للجمهورية أكد بالفعل أنه يؤمن بالديمقراطية كوسيلة سلمية وحيدة للتغيير والتطور حين قبل التخلي عن السلطة من موقع القوة والشرعية.. عكس تلك الاحزاب التي استبدلت الديمقراطية بالوفاق والاتفاق ورفضت الاحتكام للإرادة الشعبية الحرة مبررة رفضها بخوضها من انتاج النظام القديم لنفسه مرة ثانية.. لأن الهيئة الشعبية الناخبة لم تكن من وجهة نظرهم الدكتاتورية مؤهلة لممارسة ما تمتلكه من الحقوق والحريات السياسية فنجدهم لذلك يربطون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بوجودهم في السلطة من خلال قناعات اورستقراطية غير ديمقراطية تنظر للتغيير من وجهة نظر أنانية مستبدة ليس لأنها لا تدرك ما تعنيه الديمقراطية من وجوب الاحتكام للإرادة الشعبية الحرة بل لأنها تعتمد التجاهل الديماغوجي للديمقراطية لأنها تعلم سلفاً أنها غير قادرة على الدخول في منافسات انتخابية حرة ونزيهة وشفافة.. وتحت رقابة دولية.

والمؤسف حقاً أن المجتمع الدولي أظهر استجابة لهذه المبررات الواهية الى درجة ساعدت البعض من القوى الهامشية على تبوء مواقع قيادية مرموقة لكنه لم يكن مستعداً للقبول بفكره أن يتحول مؤتمر الحوار الوطني الى جمعية تأسيسية بديلة لمجلس النواب المنتخب رغم انتهاء فترته الدستورية لأنه يظل الأقرب الى الرغبة الشعبية صاحبة الحق في منح الثقة وحجب الثقة.

أعود فأقول إن الايمان بالتغيير يستوجب الاقتناع بالديمقراطية والاقتناع بالديمقراطية لا يتحقق إلاّ من خلال تقديم متطلبات الحاضر والمستقبل الايجابية على متطلبات الثارات والاحقاد الماضية، لأن الماضي بمجرد وقوعه يفلت من امكانية الالغاء.. مهما كان مفيداً للتعرف على قدر معقول من العظة والعبرة.

وفي هذا الاطار يصبح المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الأكثر قدرة على القبول بالديمقراطية كمدخل وحيد لتحقيق التغيير والتطور الشامل.. لأنه يمتلك من القاعدة الشعبية العريضة ويمتلك من المنهج المعتدل ما يمكنه من المشاركة الفاعلة والمؤثرة في حركة التغيير والتطور المستقبلي الواعد.

فهو بالاضافة الى ما يمثله من أهمية في الحفاظ على التوازن السياسي يمتلك من القدرات والخبرات العملية الطويلة ما يؤهله للاضطلاع بدور فاعل وقائد في الحركة الوطنية اليمنية نتاج ما عرف به من قناعات وحدوية وديمقراطية راسخة وضاربة جذورها في اعماق الشعب اليمني صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير والتطور الاقتصادي والاجتماعي المنشود.. سيما والمؤتمر يرفض التطرف الى اليمين والتطرف الى اليسار وينتهج الوسطية الايديولوجية والثورية في التعامل مع القضايا السياسية والقضايا الدينية، تكمن مصداقية في موضوعية خطابه المعقول والمقبول من أغلبية الهيئة الناخبة من خلال ما حصل عليه من ثقة شعبية تدرج فيها من الأكثرية الى الأغلبية المريحة ومن الأغلبية المرحية الى الأغلبية الساحقة.

وقبل ذلك وبعد ذلك فهو الحزب الوحيد الذي مارس التداول السلمي للسلطة بين قياداته قياساً بغيره من الأحزاب والتنظيمات الشمولية التي رفضت الاحتكام لنتائج الصناديق الانتخابية ولجأت الى الأساليب الفوضوية التي تسببت في حدوث سلسلة من الأزمات السياسية المركبة متسببة بما كان يرافقها من الصراعات والحروب الأهلية المتهالكة على السلطة والثروة، التي بددت كثيراً من الجهود وأهدرت كثيراً من الامكانات استوجبت تضحيات فادحة ولولا ما كان ولازال يستعد لتقديم التنازلات السياسية الكبيرة لما كانت التجربة الحوارية اليمنية الناجحة التي حققت ما نفتخر به من المخرجات الحوارية التي نالت اعجاب وتأييد ومساندة العالم بأسرة لأن بداية من قبوله بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ومروراً بقبوله بتشكيل حكومة الوفاق وطني التي أوكلت رئاستها للمعارضة ونهاية بقبوله بالانتخابات الرئاسة المبكرة وهيكلة القوات المسلحة.. الخ.

حقاً لقد كان ولايزال وسيظل دائم الاستعداد لتقديم التنازلات السياسية بصورة متميزة على ما اعتادت عليه الأحزاب والتنظيمات العربية التي أدخلت بلدانها في سلسلة من الصراعات والنزاعات والحروب الأهلية المكلفة والمدمرة، التي حولتها من أحزاب سياسية تنتج الأساليب السلمية والديمقراطية الى أحزاب إرهابية لذلك نلاحظ ان حركة التغيير في هذه البلدان محاطة بالكثير من الصعوبات المكلفة بعد الاطاحة بما كان لديها من الرؤساء ونفيهم أو سجنهم أو قتلهم على نحو أدخل تلك البلدان في حالة فراغات باعدت بينها وبين الديمقراطية والتغيير.. الرئيس اليمني السابق هوالوحيد الذي احتكم للديمقراطية وقبل بالتغيير الذي جنب الوطن والشعب اليمني ما كان خطط له من مؤامرات دامية ومدمرة من خلال قبوله بالمبادرات والاتفاقات المنظمة للمراحل الانتقالية وصولاً الى الحوار الوطني وما نتج عنه من المخرجات الحوارية غير المسبوقة من قبل.

ربما يجادل البعض بدعايات مجافية للحقيقة من منطلق الرغبة الصبيانية في تجاهل الدور الاساسي الذي اضطلع به رئيس الجمهورية السابق الزعيم علي عبدالله صالح لهدف في نفس يعقوب وقد يصل به الجدل العقيم الى حد المطالبة بمحاكمته واتهامه بعرقلة التسوية السياسية وقد يذهبون الى ما هو أبعد من ذلك باتهامه أنه عائق أمام حركة التغيير ويلقون عليه بمسئولية فشل الحكومة وما اقترفته من الاخطاء الكارثية التي جعلت الشعب يطالب باسقاطها، لكن الحقيقة التي لا يمكن لهذه المحاولات ضعيفة الحجة والمصداقية أنه لولا ما قدمه هذا الرجل وحزبه من التنازلات المنقطعة النظير عن السلطة ولولا تسليمه لما كان بيده من قوات مسلحة ومؤسسات أمنية كبيرة ولولا استخلافه لنائبه المشير عبدربه منصور هادي لرئاسة الجمهورية لما كان الانتقال السياسي للسلطة بطريقة سلمية وديمقراطية قد تحقق بهذه السلاسة السهلة التي لا يمكن تجاهلها من أي طرف من أطراف العملية السياسية التي انحصر دورها في الاستيلاء على مفاصل السلطة وما تلاها من حركة اخونة نشطة للدولة بكل موسساتها المدنية والعسكرية.

وما يدل على ذلك أن شعبية المؤتمر الشعبي العام قياساً بشعبية التجمع اليمني للاصلاح في حالة تزايد يوماً بعد يوم على نحو جعل الاصلاح وشركاءه في حالة خوف دائم ومستمر من الاحتكام للديمقراطية والدخول في عملية انتخابية في مواعيدها الزمنية التي حددتها المبادرة الخليجية ولولا خوفهم على ما حققوه من المكاسب السياسية الرخيصة لما افتعلوا الخلافات الى عرقلة العملية السياسية بهد التطويل وعدم الاستعداد للاحتكام للعملية الانتخابية وتطويل المرحلة الانتقالية لاستكمال ما تبقى من المهام التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، مثل تشكيل اللجنة الدستورية وصياغة الدستور وطرحه للاستفتاء وصولاً الى إجراء الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، على نحو استوجب صدور القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي..

أخلص من ذلك الى القول إن من يؤمن بالديمقراطية يؤمن بالتغيير ويؤمن بالتطور هو المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وليس المشترك وشركائه كما يحلو للبعض أن يعتقد.

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:13 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-37713.htm