محمد علي عناش -
< تتكرر غزوات مسلحي القاعدة للمعسكرات والنقاط العسكرية والأمنية وارتكابهم لجريمة القتل بالجملة التي تطال جنود الوطن وهم في ثكناتهم، وفي كل جريمة يتفنن الارهابيون والقتلة ويرتقي لديهم الحس الارهابي والاجرامي في تنفيذ جرائمهم والتخطيط لها، يقابله من جانب حكومتنا الفاشلة أو القاتلة لا فرق، تهاون أكثر، وانحدار في مستوى الشعور بالمسؤولية وبحرمة الدماء والأرواح التي تزهق وتسفك على مذبح الغدر والخيانة والصمت المخزي رسمياً وحزبياً ونقابياً، في يمن ما بعد ما يسمى بالثورة والتغيير، وأصبحنا نمسي على جريمة ونصبح على جريمة أخرى أكثر بشاعة وخسة، في الطرقات والمنازل والمواقع العسكرية، بل صار القتلة والارهابيون ينفذون إعدامات جماعية بحق الجنود وهم في عنابرهم وفي ساحة شرفهم وشرف هذا الوطن الذي أصبح يدمر ويجزأ على يد الموتورين من أبنائه، سواء أكانوا إرهابيين أو انفصاليين أو من دعاة الحرية والتغيير على الطريقة القطرية.
لا يبدو أن حادثة مستشفى وزارة الدفاع والسجن المركزي قد أخذتا حقهما من الاهتمام والمصداقية والشعور بأدنى إحساس وطني، ولم تحرك لديهم ما تبقى من ضمير أو إنسانية، ربما قد تفي بإيقاظهم من غفلتهم ولامبالاتهم ولو لمرة واحدة، لكنهم قد تصحروا وتجردوا من المشاعر والأخلاق والمبادئ التي تتطلبها مواقعهم ومناصبهم، هم صاروا فقط يجيدون إصدار القرارات وبناء الأوهام وبيع الأحلام ونسج الدسائس، لذا كانت النتائج مزيداً من الخيبات والفشل والمآسي اليومية، والقتل بالجملة لجنود الوطن، كالجريمة الأخيرة التي حدثت في حضرموت وراح ضحيتها أكثر من عشرين جندياً من قوات الأمن الخاصة.
لن نكون سذجاً وأغبياء حتى نقتنع أن القاعدة هي من خططت ونفذت هذه الجريمة لوحدها، ونستبعد التواطؤ والخيانة والترتيب لهذه الجريمة البشعة مع قوى نافذة في البلد، هي وراء كل ما يحدث من جرائم وأزمات وعبث منظم.
واهمٌ من يعتقد أن الاستهداف الممنهج للمؤسستين العسكرية والامنية سواء بالاغتيالات التي تطال قيادات عليا ووسطية في الجيش والأمن أو اقتحام المعسكرات وارتكاب مذابح جماعية بحق الجنود، هي أحداث عرضية في الأزمة التي نعيشها متعلقة فقط بإرهاب تنظيم القاعدة وإغلاق ملفات هذه الجرائم على هذا الأساس، وإنما أحداث ممنهجة ومرتب لها بعناية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأجواء الأزمة وبعض أطرافها وبالتحديد حزب الاصلاح وقواه المتعددة الذين يعملون كشبكة عنكبوتية على جميع المستويات لتنفيذ أجندة ومخطط السيطرة على السلطة.
تصفية الخصوم وشل تماسك الجيش واختراقه من الداخل، وضرب ما تبقى من هيبة للدولة، هي بنود جوهرية في هذا المخطط في إطار المخطط الارهابي الكبير الذي يستهدف تدمير الجيوش العربية وتفكيكها من خلال التنظيم الدولي للاخوان المسلمين وإحلاله بمليشيات دينية متطرفة ومتخلفة، تحمل في داخلها بذور الصراع والتناحر، وتكرار نفس تجربة الجماعات الدينية في افغانستان التي أهلكت الحرث والنسل في صراعها على السلطة، مخلفةً وراءها شعباً كاملاً من اليتامى والأرامل والمعوقين.. حروب داعش والنصرة وكتائب الدولة الاسلامية في بلاد الرافدين، مؤشر من مؤشراتها في سوريا والعراق.. الجيش اليمني يتعرض لتصفية منظمة، وأصبح لقمة سائغة سهلة المنال من قبل فلول الارهاب والقوى المتربصة بالسلطة، فالجرائم بحق الجيش مستمرة ولم تقف عند حد وفي كل مرة المتهم واحد وهو تنظيم القاعدة، وكأن القاعدة أشباح أو من رجال الفضاء وليسوا بشراً ويعيشون بيننا ويتحركون أمام أعيننا، لكن دون أن يطالهم منا أذى أو على الأقل نسلم من أذاهم وجرائمهم.
الى الآن لم تظهر نتائج التحقيقات في كل هذه الجرائم المنسوبة الى القاعدة حتى في تلك الجرائم التي تم إلقاء القبض فيها على متورطين بارتكابها لأن هناك أطرافاً وبالذات حزب الاصلاح بأجنحته المتعددة هي من تعمل على تمييع هذه القضايا وعلى إخفاء جوانبها وملابساتها وتعرقل مسار التحقيقات وكشف النتائج والحقائق، كون الإصلاح هو المستفيد من هذه الجرائم التي لا تطال إلا خصومه ولا تصب إلا في خانة تحقيق أهدافه وطموحاته في السلطة والتي لن تتأتى له إلا بضرب وخلخلة أهم بنية في بنى الدولة، وهي الجيش والأمن.
الاستهداف الممنهج لضباط وأفراد الأمن السياسي له علاقة بالأمر، وبالقضية الأمنية المتعلقة بتنظيم القاعدة في اليمن وتحركاته ونشاطه وارتباطاته وتفرعاته على مدى ثلاثة عقود، والاصلاح وعلي محسن الأحمر ليسا بمعزل عن هذا التاريخ الأمني الذي يُستهدف الآن.
أحداث السجن المركزي بكل تفاصيلها المشبوهة التي نتج عنها فرار عشرين سجيناً من فصيل تنظيم القاعدة لهم علاقة بقضايا ارهابية متعددة، تكشف بجلاء خفايا هذه الواقعة وعلاقة الاخوان به وحجم التسهيلات التي مُنحت للارهابيين لتنفيذها بهذه الدقة العالية في قلب العاصمة صنعاء، وحجم الاختراقات في المؤسسة الأمنية التي حدثت في عهد وزير الداخلية السابق عبدالقادر قحطان الذي شهدت البلاد في عهده انفلاتاً أمنياً كبيراً، ومئات الاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وحزبية واجتماعية كبيرة، قُيّدت في معظمها ضد مجهول وبعضها تم تعطيل وعرقلة مسار التحقيقات فيها، كما حدثت في عهده أخطر اختراقات وخلخلة أمنية وتجنيد حزبي واسع وأخونة مستمرة للمؤسسات الأمنية.
تصفية مؤسسة الجيش والأمن، وخلخلتها من الداخل، والقضاء على عناصروحدتها وتماسكها وعقيدتها الوطنية والقومية، هو مشروع إخواني وهدف رئيسي من أهداف مايسمى بالربيع العربي، وأجندته الخارجية التي تهدف إلى خلق شرق أوسط جديد، ضعيف وتابع ومتناحر بخلفيات طائفية ودينية، من خلال إسقاط الأنظمة والدول العربية القومية وتدميرمنجزاتها لأكثرمن نصف قرن، عبر القضاء على أهم مقوماتها ومرتكزاتها، وهي الجيوش العربية العقائدية،المتشبعة بالوطنية والقومية،ولقد تكفل الإخوان بتنفيذ هذه المهمة،كي تكون البديل الجاهز للتحولات التي يحدثها مشروع مايسمى الربيع العربي..لقد نجح المشروع في ليبيا والنتيجة ليس إلا مليشيات دينية متطرفة ومليشيات قبلية ومناطقية تمارس التصفيات الجماعية لخصومها وسقوط الدولة الموحدة، كما أن المشروع في سوريا يواجه بمقاومة أسطورية كبيرة من قبل الجيش العربي السوري وبالطبع الكلفة كبيرة لأن الجيش السوري يواجه إرهابيي العالم وتآمرات الدول الكبرى.. وفشل المشروع في وباءت كل محاولات الإخوان المكثفة لاختراق مؤسسات الجيش والأمن وأخونتها التي أدركت المخطط وأفشلته بحزم وقوة وهو في مهده، لذا كان رد فعل الإخوان السريع، هو تنشيط وتفعيل خلاياهم الإرهابية في سيناء وبعض المناطق المصرية، تحت مسميات دينية متعددة، وبدأت مصر تشهد التفجيرات التي تستهدم أقسام الشرطة والدوريات العسكرية، وكذا الاغتيالات للضباط والجنود وبالدراجات النارية أيضاً.. في اليمن مايزال يجري تنفيذ المشروع على قدم وساق بدءاً من استهداف الحرس الجمهوري وتفكيكه وتشتيته، وبالجرائم المستمرة بحق الجنود والتي تتصاعد وتيرتها وتقنيتها في التخطيط والتنفيذ،في ظل صمت رسمي،وعدم اتخاذ إجراءات جدية لوقف هذا المخطط الإخواني الذي يهدف إلى إسقاط الدولة والسيطرة على السلطة، عبرتصفية مؤسسة الجيش والأمن التي تنتمي للوطن والشعب، وترفض أن تكون تابعة للإخوان..