الإثنين, 31-مارس-2014
الميثاق نت -   عبدالفتاح علي البنوس -
< يبدو أن الكذب في إطار ما يُسمى بالعولمة أصبح لدى الكثير من الناس ثقافة ومنهجاً وأصبح معياراً للحذاقة والرجولة والشطارة في ثقافتنا المجتمعية البسيطة، ودائماً ما نسمع بأن فلان «ذيب الرجال» أو «خطير» أو «نماس» لأنه يجيد استخدام فنون الكذب والتدليس والظهور بأكثر من وجه والتخفي بأكثر من قناع للوصول الى مآربه ويرى أنه «الفاهم للحياة صح» وأنه «عرف من أين تؤكل الكتف» ودائماً ما يحاط الكذاب بشلة من الشياطين يعملون على دعمه في مسيرة الكذب وتقديم المبررات له للإغراق في ذلك على اعتبار أنها مسألة هينة ولا تحتاج الى كل ذلكم القلق،
فنجد المحصلة ولادةً أجيال مشبعة بالكذب والدجل والافتراء، وللأسف الشديد هناك من يدفع بأولاده إلى الكذب ويشجعهم عليه وهو لا يدرك أنه المتضرر الأول من وراء ذلك.
فهناك إمام جامع يكذب من على المنبر وهو الواعظ والمرشد الذي يعرف حرمة الكذب، وعالم يكذب ويدلس على الناس من أجل مصالح قذرة وغايات وأهداف غير نبيلة.. وهناك سياسي يمارس الكذب بإفراط شديد ويرى فيه الخلاص وطريق العبور الى السلطة.. ومثقف يكذب على نفسه وعلى القُرّاء وعلى المجتمع المحيط به والمتأثر به، كما أن هناك صحفي يكذب ويدلس وينافق من أجل إرضاء أرباب نعمته للحصول على فتات المال.. وأكاديمي يكذب على طلابه ويعمل على تخديش أفكارهم ومسخ قيمهم وثوابتهم بأكاذيب وأباطيل لا تسمن ولا تغني من جوع.. ومدرس يكذب ويصر على ذلك وهو يطلب من طلابه بأن يتحروا الصدق وهو بعيد كل البعد عن الصدق.. وموظف يكذب، وتاجر يكذب، ومسئول ديدنه الكذب وخصوصاً مع قرب موعد الاستحقاقات الانتخابية حيث يطلق الوعود الكاذبة في برنامجه الانتخابي وعند فوزه يتبخر هذا البرنامج في الهواء.. ومحامي يكذب وهو يدافع عن مجرم أو خارج على النظام والقانون من أجل المال.. وطبيب يكذب وهو يشخص الداء لمريضه ويصف له العلاج في الوقت الذي لا يشكو المريض من ذات الداء الذي حدده الطبيب، وهلم جرا طبعاً لا نعمم على الجميع، فهناك من أصحاب المهن السالف ذكرها ممن يتحلون بالصدق وحسن الخلق.
والمأساة التي تعنينا هنا تتمثل في رجل الدين أو العالم أو الخطيب والواعظ والمرشد الذي يعتلي المنبر ويتقدم الناس في الصلاة ويتصدر للافتاء والدعوة إلى الله وهو منغمس في الكذب والتدليس والافتراء وفوق كل ذلك يكذب على نفسه ويضع له المبررات والأعذار الواهية التي ما أنزل الله بها من سلطان من أجل شرعنة الكذب لنفسه ليرضي بذلك نفسه الأمارة بالسوء وحبه للمال ومن ثم يرضي حزبه أو مذهبه أو جماعته أو قبيلته أو أسرته أو شيخه أو قائده أو الجهة التي تمنحه الدعم والإسناد المتعدد الأوجه والأشكال، وهؤلاء وأمثالهم هم من أوصلونا الى ما نحن فيه من أزمات وفتن وصراعات، لأنهم أعوان الباطل، وأبواق الفاسدين والناهبين والقتلة والمجرمين، ولأنهم جعلوا الدين في خدمة السياسة ووظفوه من أجل خدمة أجندة رخيصة وأطلقوا الفتاوى الجائرة ذات «الدفع المسبق» وحللوا وحرموا بما يتماشى مع توجهاتهم السياسية والحزبية، فالخروج على الحاكم في اليمن جائز شرعاً، والخروج على الحاكم في مصر معصية كبرى وموبقة ثامنة تضاف الى الموبقات السبع، واسقاط بشار الأسد واجب ديني واسقاط مرسي اسقاط للاسلام وللشريعة وللشرعية، بالله عليكم بأي منطق يتحدث هؤلاء وأية شريعة يكذبون على الناس بأنهم يعملون بمقتضاها، هؤلاء هم الدعاة الذين يحتشدون يوم القيامة على أبواب جهنم، وهؤلاء وأمثالهم هم من سيشعلون حطبها بما أفسدوه في الأرض.
أي دين يتشدق به هؤلاء الذي يدعو الى القتل والخراب والدمار وإثارة الفتن والصراعات والأزمات؟!! ديننا الاسلامي بريئ من هؤلاء الأدعياء من أدمنوا على الكذب والدجل والافتراء.. ديننا الاسلامي حرّم الكذب وسلب ممن يتصف به سمة الايمان، فالإيمان لا يتحقق مع الكذب مطلقاً وإن تظاهر البعض بالمظاهر الخارجية «كطول اللحية» و«قصر الثوب» و«المسبحة» و«المسواك الطويل» و«السجدة التي تتوسط الجبهة»، فكل ذلك مع ممارستهم للكذب ينفي عنهم صفة الايمان مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أيكون المؤمن كذاباً قال: لا» من غير المشروع إقحام الدين في السياسة مادام الثانية تُذْهِب الأولى.
يا دعاة الفتن وعلماء الفتنة لا تسيئوا الى الاسلام بإفرازاتكم العفنة التي تسمونها فتاوى، كفوا عن تشويه صورة الاسلام أمام العالم، الاسلام دين الوسطية والتسامح والاعتدال، لا تفسدوا الدين بالسياسة، استرزقوا بعيداً عن الدين، تمصلحوا، تحزّبوا، تسيّسوا، تحالفوا بعيداً عن الدين لا تفسدوا علينا ديننا بممارساتكم الرعناء وفتاواكم ومواقفكم الضالة المضلة.. دين الله لا يحتاج الى كذبكم ودجلكم وتدليسكم، دين الله لا يحتاج الى أمثالكم، لقد فضحكم الله في الدنيا، وسيفضحكم في الآخرة وستكون فضيحةً بـ«جلاجل» وحينها لن ينافح عنكم حزب أو طائفة أو مذهب أو جماعة أو قبيلة أو أسرة أو فرد، ولن تنفعكم السياسة ومصالحها، لقد أفسدتم مجتمعاتنا بأكاذيبكم، حتى تحول الكذب الى ثقافة مجتمعية.
السلطة التي تأتي بالكذب لن تدم طويلاً ومصيرها الى الزوال، فلا تعولوا عليها، لن تنفعكم الدراهم والدنانير والريالات المتعددة الصور والأشكال والدولارات والمغريات من الثروات، فهي مجتمعة لا تساوي «غمسةَ» واحدةً في «جهنم».. هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-37715.htm