عبدالرحمن مراد -
يبدو أن بدايات سورة البقرة تتحدث عن فئات اجتماعية دائمة الوجود والتجدد في كل زمان وفي كل مكان، فالقرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل ولا ينطق بالهوى، فالذين استوقدوا النار في عام 2011م وسيطروا على زمام الأمور بعد التمكين لهم في الأرض ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فالقضية الاعتقادية والقضية الدينية لم تكن لديهم إلاّ قضية مخادعة وتخريجات، وظل فقه الواقع وفقه الثورات هو الحامل الذي يبرر لهم افعالهم ونسوا أن خداعهم لله وللمؤمنين ستكون عاقبته عليهم وبالاً، والأحداث دالة على ذلك وهي ماثلة للعيان في أرض الواقع،
فحين قالوا بفساد السجل الانتخابي رجعوا وقالوا بصلاحه، وحين وقفوا أمام رفع الدعم عن المشتقات النفطية الآن يتحدثون عن سلامة الاجراء، وحين نادوا بضرورة هيكلة الجيش الآن يقفون حجر عثرة أمام استكمال البنية الهيكلية للجيش.. «يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.. ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، واذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألاّ إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء.. ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون» صدق الله العظيم..
سبحان الله.. كيف جعلهم في الدائرة التاريخية ذاتها وكيف ذهب بنورهم وكيف تركهم في ظلمات لا يبصرون، فهم في حالة اعاقة بصرية ولسانية وذهنية لا يرجعون عن اخطائهم ويفجرون الاحداث ثم ينددون ويشجبون، ويتصاعد دخان الأحداث ويكتفون بوضع أصابعهم في آذانهم حذر الموت أن يصيبهم، فالله- وفقاً لكتابه الكريم -يغضب من الذين ينقضون عهده، ويقطعون ما أمر به أن يوصل ويفسدون في الأرض، مثل أولئك حكم عليهم بالخسران المبين، وهو ما يمكننا رؤيته بالعين المجردة وبالإحساس الواعي في الواقع اليمني، ولعل بيان رئيس حكومة الوفاق ضد القاضي الحجري كان هو تمام تلك الصفات وذلك الخداع والفساد، فقد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم بغشاوة فوقعوا في بحر الظلمات من حيث أرادوا الضياء والنور، واذا ذهب الله بنور قوم أو جماعة فاعلم أنه غير راضٍ عن أفعالهم ولا أعمالهم، واذا رأيت صفات العمه، والفساد، والطغيان، والكذب، والخداع، ورأيت السفاهة كما تحدث عنها الله في سورة البقرة وفي آياتها الأولى فاعلم أنك أمام قوم اشتروا الضلالة بالهدى فلم تربح تجارتهم وليسوا بالقوم المهتدين.. وفي تفاصيل الواقع وأحداثه وتموجاته بيان ذلك لمن أراد العبرة أو ألقى السمع وكان بصيراً..
لقد ضحكت كثيراً وأنا أسمع ذلك البيان والمذيع يقاطر علينا مفرداته التي تنتمي الى حقل دلالي واحد، والأغرب في الأمر أنني تخيلت -وفقاً للأفلام والمسلسلات المصرية- شارع محمد علي بمصر، فالمفردات تنتمي الى ذلك المكان، وقلت في قرارة نفسي لماذا أذهب بعيداً لدينا حارات وشوارع تشبه ذلك المكان ويبدو أن كاتبه خريج فيها لقد أراقوا هيبة الدولة ومرغوا كرامتها في تراب الانفعالات والنزق، وكيف لأولئك السفهاء أن يكونوا حكاماً وأن يتقلدوا مناصب مهمة في الدولة؟!!
ورحم الله حكماء العرب الذين كانوا يرون أن القوم لا يصلح حالهم بدون سراة، ويقولون لا سراة للقوم اذا جهالهم سادوا، فالجهل يهدم كل شيء والحمق عدو الجماعات والكيانات، قد ينزلها منازل العتب واللوم وقد يثخن فيها الجراح ويجعلها تصل الى المهالك.
المشكلة في الموضوع أن الذين يمارسون الحماقات ويصنعون الهفوات يقفون في أماكن لا يمكننا السكوت عليها، فالمناصب العامة هي تعبير مجتمعي ووطني، ووصول الحمقى اليها مأساة وطنية كبرى يجب التصدي لها، فالمجتمع اليمني عرفته الحياة صابراً ومتأملاً وحكيماً وينزل الكلام في منازله ولا يكاد يصبر على الهفوات الجارحة والخادشة لكرامته ومروءته، إنه مجتمع عصيّ وطيّع في السياق ذاته، ولم يشهد تاريخه من حوادث حمق مماثلة سوى تلك التي خلدها ابن المقري في واحد من نصوصه حين أمر أحد حكام بني رسول مصادرة خيول العرب فسخر ابن المقري وهزئ بذلك الحاكم في نصه الذي ظل شاهد حال على فترة تاريخية بعينها.. من سطَّر بيان الحكومة وقع في الخطأ ومن أمر بالنشر وقع في الخطأ.. وما ورد من ألفاظ بذيئة يمجها الذوق مست كرامة كل يمني ولم تمس القاضي الحجري.. ومن حقنا مطالبة الحكومة بالاعتذار.. وعيب يا حكومة!!