السبت, 19-أبريل-2014
الميثاق نت -   محمد الحاج سالم -
اعتقد كثير من المحللين أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن- تحديداً حزب الإصلاح أو التجمع اليمني للإصلاح- هم الاذكاء والأكثر خبرة في الشأن السياسي، بين نظرائهم في بلدان الربيع العربي، باعتبار أنهم موجودين في سدة الحكم ومشاركين في السلطة تقريباً منذ نشأتهم الأولى، خلال منتصف القرن الماضي.

حينما بدأ خريف الإخوان في جمهورية العربية يعصف بسلطتهم الوليدة، وقياداتهم تتساقط كأوراق التوت، وتقاد إلى صرح العدالة في مشهد لا يمكن للمرء أن يتصوره إلا بما كانوا يقولون هم لنا "انه يوم الحشر وموعد حساب المرء على أفعاله وأقواله"..

وقبل هذا كان هناك حلفاء استراتيجيين عالميين ودوليين يعدون حاضنين أساسيين لأفكار وقيادات التنظيم الدولي للجماعة، لكنهم عندما اكتشفوا بخطورتهم ونواياهم الخبيثة والحاقدة للسلم والأمن الدوليين، وان لا يقطع فيهم معروف، تبرؤوا من أفعال وأفكار جماعة الإخوان- وأحيانا من أجساد قياداتها- الذين رفضتهم الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها وأعلن العالم حرباً عالمية ثالثة على هذه الجماعة التي يبدو انه لأول مرة يحدث حولها إجماع عالمي بتصنيفها في القائمة السوداء للجماعات الإرهابية عالمياً.

استند بعض السياسيين في قراءاتهم التحليلية التي ذهبت بالقول إلى أن التجربة التي اكتسبتها قيادات حزب الإصلاح(فرع التنظيم في اليمن) من خلال تواجدها في سلطة الحكم، إضافة إلى هذه الأحداث العاصفة ببنيان التنظيم الدولي للإخوان، ستعين قيادات حزب الإصلاح، على إعادة ترتيب أوراقها ومراجعة حساباتهم بدلا من هوس جنون السلطة والاستحواذ على مراكز صناعة القرار في البلد، وذلك من خلال اختلاقها المعارك والحروب الثأرية هنا وهناك مع خصوم وهميين لا وجود لهم على ارض الواقع.

لكن الأيام عصفت بكل تلك القراءات- كما عصفت بالجماعة نفسها ودجلها على الشعوب- وأثبتت الأيام عكس ذلك تماما، فلا قيادات حزب الإصلاح استفادت من تجربتها السياسية في مشاركتها بأشكال وأنواع عديدة في الحكم، ولا هي استوعبت المتغيرات ومجريات الأحداث في المحيط الإقليمي والدولي.. بل إن ما تمارسه اليوم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ممثلة بحزب الإصلاح من ابتزاز رخيص لا علاقة له بالسياسة نهائياً.. لأنه ابتزاز تجرد من كل المواثيق والاتفاقات التي وقعتها قيادة الجماعة مع شركائها من أطراف العملية السياسية- الخصوم والحلفاء- وتنصلت من كل الوعود والعهود التي قطعتها على نفسها للمجتمعين- رعاة التسوية السياسية- الدولي واليمني، داخل مؤتمر الحوار الوطني وخارجه، بأنها سوف تتخلى عن توجهها الإرهابي في إلغاء الأخر للانفراد بالسلطة، وأنها ستغادر متاريس القتال وخنادق حروب الجاهلية الأولى.

ويعرف الجميع أن جماعة اليمن، تعهدت أنها ستعمل جنبا إلى جنب مع رئيس الجمهورية وكل القوى السياسية في إنجاح التسوية السياسية وإخراج اليمن من أزمته وأوضاعه الراهنة. ففي الوقت الذي يثور العالم بشرقه وغربه منتفضاً على الإخوان المسلمين، واجه الرئيس هادي هذا التحدي من خلال العمل في مسارين.. الأول تهدئته من روعة إخوان في اليمن وتطمينهم بالا أذى سيمسهم ما دام وأنهم لن يعملوا في إطار المنظومة الدولية لجماعة الإخوان، وأنهم سيعملون في إطار المنظومة السياسية والاجتماعية وفي إطار الوثيقة الوطنية التي اقرها مؤتمر الحوار التي تم اتفاق على ضمانات تنفيذها.

وفي المسار الآخر، ذهب هادي يعمل جاهداً في التهدئة من غضب البركان العالمي ضد الإخوان في اليمن، كونهم جزاء من المنظومة الفكرية والأيدلوجية الاخوانية الدولية، وأراد أن يثبت عكس هذه الرؤية، من خلال إقناع العالم بان إخوان اليمن ليسو كغيرهم، بل إن الإخوان في اليمن من الممكن إصلاح اعوجاجهم حتى ولو كان أزلياً.

وبدلا من أن يذهب الإخوان في اليمن إلى رد الجميل لهادي ويشدون من أزره، وفي نفس الوقت يحسنون من صورتهم المشوهة لدى الرأي العالمي، أبوا إلا أن يبقوا على سيرتهم وطبيعتهم الأولى، وعقليتهم المتخلفة وملتهم المدمرة.. فعادوا إلى تارتهم الأولى وممارسة ثقافتهم التي تربوا في خنادقها واختبئوا خلف متارس بندقيتها، يستمرءون بشاعة القتل والصراعات القبلية والمذهبية والحروب العبثية التي استنزفت قدرات اليمن وأزهقت أرواح الآلاف من خيرات شبابه وقدراته الاقتصادية ودمرت نسيجه الاجتماعي.

ولان الرئيس هادي رفض أن يكون"دمية" بأيدي الإخوان ولم يوافقهم الرأي في الضغط على زناد البندقية وإيقاد شعلة فتيل المئات عام من حروب مقبلة لليمنيين ضد بعضهم، وإقحام الدولة والجيش في دورة جديدة من حروب عبثية مع الحوثيين، في الوقت الذي ما يزال حبر اعتذار الدولة عن الحروب الستة السابقة ينهمر مداده، والجراح لم تندمل بعد.

يدرك الجميع بان دور حزب الإصلاح بأجنحته الأربعة( العسكري والعقائدي والقبلي والسياسي) في تلك الحروب مع الحوثيين والتي تحاول اليوم الرئاسة اليمنية العمل على لملمة جراحها- كان محورياً في إشعالها وفي فصول معاركها المأسوية، فضلا عن رغبته في أطالت أمدها وان تكون نهايتها بتلك الصورة التي ألت إليها.. في إضعاف سلطات الدولة وتدمير جيشها وفقدان نفوذها على معظم المحافظات الشمالية من البلاد، وفي المقابل كان من نتائج تلك الحروب أنها قوت من شوكة الحوثيين، وزادت من توسعهم وسيطرتهم ونفوذهم، حتى صاروا يفاوضون الدولة من مركز قوة ويفرضون شروطهم ومطالبهم عليها.. وهذا ما كان يسعى إليه حزب الإصلاح في إيجاد عدو للدولة حتى يكون سيفا مسلطا على رقبة اليمنيين يستثمرونه في ابتزاز دول المنطقة وتخويفهم بـ"البعبع" الحوثي، والحفاظ على مهنتهم كوكلاء حروب لتنفيذ مشاريع وسياسات هذه الدول بدماء وأرواح اليمنيين وعلى أراض يمنية.

ولان الرئيس هادي لم يكن كما أراد وخطط أجنحة ساسة وعساكر وقبائل إخوان اليمن، ها هم فتحوا عليه عويل أبواقهم المسعورة يتصدرون- للأسف- الفوضى في طول البلاد وعرضها وإثارة المشاكل هنا وهناك بهدف إشغاله عن تنفيذ مخرجات الحوار والوفاء بما تعهد بها للشعب اليمني والمجتمع الدولي بإخراج اليمن إلى بر الأمان.

أمر تنصل قيادة حزب الإصلاح( جماعة الإخوان في اليمن) من الاتفاقات التي أبرمتها ومن تلك العهود والوعود التي قطعتها على رؤوس الأشهاد على أن تغادر ثقافة الكهوف ومنابر التحريض على الفوضى والتهديد بالعودة بالأوضاع في البلاد إلى المربع الأول، من خلال شق عصى الصف الوطني وحياكة الفتن ونسج المؤامرات وتأليب الرأي العام على واللجوء إلى الأعمال الإرهابية وإشعال الحروب.. واستهداف رئيس الجمهورية، الذي كان ويبدو انه لا يزال يراهن أمام الشعب اليمني والمجتمع الدولي،على إمكانية إصلاح اعوجاج حزب "اللاصلاح".. وعلى أن يعود إلى إخوان اليمن رشد عقلهم الزائغ- اليوم أو غداً وليس بعده- لان الوقت ضيق ولا يحتمل المراوغة والانتظار.

وفي حال ظلت قيادة حزب الإصلاح(الإخوان) مشدودة إلى منهجية ضرورة الالتزام بتوجيهات وتوصيات المرشد(الأمير) وتعبئة أفراد الجماعة وأنصارها المشحونة- أساسا- بمفردات جهادية ومصطلحات القتل والاحتراب وغرس في مخيلة أفرادها وهم العدو الدائم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. أو أنها استمرت قيادة جماعة إخوان اليمن في غيهم وأنانيتهم المفرطة وحب الذات ومصالحهم الحزبية والمسارعة في إزاحة بقية القوى من المشهد السياسي والاستيلاء على مفاصل صنع القرار في البلاد، من خلال قوائم وكشوفات الاقصاءات للشركاء والحلفاء من الوظيفة وفق معايير خاصة بها مجردة من كل المبادئ وعرف العمل السياسي والأخلاقي، لم تراع فيها حتى حق ما تعتبرهم شركائها في تكتل أحزاب اللقاء المشترك، الذين عملت على إقصائهم من كل قوائم التعيينات التي تناضل على إصدار قرارات لها في كل مرافق الدولة على المستويين المركزي والمحلي، وأخر هذه القوائم، قائمة محافظة اب وحدها، التي تضم(65) وكيلا ومستشارا ورئيس جامعة وعمداء كليات ومدراء عموم مكاتب التنفيذية ومدراء المديرية.. والكشف بالطبع كدفعة أولى من كوادر حزب الإصلاح قدمته قيادة الحزب الأسبوع قبل الماضي، لاستصدار قرارات جمهورية ووزارية،بها في محافظة اب وحدها.

وهذه واحدة من المثالب التي سارعت بسقوط الإخوان في كل من مصر ولبيا والمؤشرات تلوح في الأفق بان الدور آتي- إن لم تراجع قيادات فرعي الجماعة- في اليمن وتونس.. وإلا فهو غباء شيوخ السياسة على الطريقة الاخوانية..!!.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-38014.htm