د. علي العثربي -
< لم يعد التفكير الشعبي اليوم قاصراً على الاطلاق بل إن وعي الفكر الشعبي في اليمن قد سبق وعي النخب السياسية والحزبية وتجاوزها بمراحل كثيرة غطت جوانب الضعف والاستكانة التي تعاني منها النخب الفكرية والسياسية التي لم تستطع تخطي التفكير من تحت القدم فيما عدا النخب السياسية الأكثر وعياً في المؤتمر الشعبي العام وخصوصاً الذين ينطلقون في أفكارهم السياسية والاستراتيجية من الفكر الميثاقي الدليل النظري والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي للمؤتمر الشعبي العام، والاكثر من ذلك يستطيع الباحث في مجال الفكر السياسي اليمني القول وبوضوح وشفافية مطلقة ان الفكر النخبوي الاستراتيجي اليمني في المؤتمر الشعبي العام قد استطاع التحرر من ضيق الأفق وتجاوز الإملاءات وتحرر من التبعية التي مازالت تعاني منها النخب السياسية الأخرى في المكونات السياسية القائمة على أرض الواقع التي مازالت تؤمن بالجمود ولا تؤمن بالانفتاح والاجتهاد من أجل خير الإنسانية وإعمال العقل البشري في التفكير في مخلوقات الله وكيفية الاستفادة منها وتسخير ايجابيات تلك المخلوقات لخدمة بناء الدولة، والانطلاق من بُعد استراتيجي عميق للوصول إلى الأفضل والأكثر قوة ومكانة وتماسكاً.
إن التفكير الشعبي اليوم على قدر عالٍ من الوعي بأهمية معرفة الماضي للإمبراطوريات اليمنية التي ظهرت في التاريخ البشري من قوم ثمود وعاد وتُبّع وغيرها من الحضارات التي كانت اليمن موطنها الأول، وذاكرة الشعب اليمني مازالت محتفظة بقوة الامبراطورية المعينية والسبئية والحميرية وطموحة جداً لبناء امبراطورية يمنية جديدة لا تقل شأناً بدأها المؤتمر الشعبي العام وإلى جانبه كل قوى الخير والسلام والتوحد في 22 مايو 1990م عند إعلان إعادة وحدة اليمن الواحد..
فلو قارنا مقارنة بسيطة ومتواضعة بين ذاكرة الشعب المعتزة بالإرث الحضاري والإنساني لليمن الواحد والموحد وحالة الفكر السياسي لدى بعض النخب السياسية وخصوصاً الحزبية لوجدنا النخب الفكرية وخصوصاً الحزبية أو المذهبية لا تتجاوز في فكرها السياسي ما قاله الآخرون من الإساءة إلى الفكر الاستراتيجي اليمني ولا تجيد أكثر من إعادة انتاج تلك الإساءات التي اعتمد اعداء التاريخ اليمني رصها في تحليلاتهم الفكرية السياسية التي احتقرت الماضي ونسبته إلى الأساطير والخرافات، دون أن تدرك تلك النخب السياسية وخصوصاً الحزبية والمذهبية أن الكتب السماوية وفي مقدمتها القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين قد دونت ذلك المجد الذي يستحيل إزالته من ذاكرة الشعب الحر المحافظ على هويته وتاريخه وجذور عمقه الاستراتيجي.
إن الدليل على أن بعض النخب الفكرية والسياسية وخصوصاً الحزبية والمذهبية مازالت تعمل بمبدأ التبعية ولا ترغب في تفعيل العقل اليمني لاستنهاض الهمة واستحضار المجد والألق اليماني، هو أنها مازالت تشعر بالخوف من الحديث في الجذور التاريخية للحضارة اليمنية، ولذلك نجدها تنصرف في حديثها عن الجذور التاريخية للديمقراطية إلى المفاخرة بالفكر الغربي، والأكثر من ذلك أنها لاتتحدث عن عيوب ذلك الفكر العنصري مطلقاً، ونجدها تمجد الديمقراطية التي تعني حكم الشعب بالشعب في الغرب ولم تقدم تعريفاً إجرائياً لهذا المفهوم ومقارنته بواقع الديمقراطية الغربية، ولم تقل بأن الديمقراطية التي نشأت في الغرب كانت تستثني المرأة من حق المواطنة كما كان في اليونان، ولم تقل بأن الديمقراطية الغربية اقتصرت على أصحاب الأملاك والأطيان ولم تتح الفرصة لعامة الشعب في المشاركة السياسية لصناعة المستقبل، ولم تقل أن الديمقراطية عند افلاطون وسقراط وارسطو قد قسمت الشعب إلى أحرار وعبيد.
الأكثر غرابة أن الكثير من الكتابات عن تاريخ اليمن قد اغفلت أن الديمقراطية اليمنية التي جاءت قبل ثلاثة آلاف عام قبل ميلاد المسيح عليه السلام كانت عامة وشاملة في اليمن ولم تستثنِ احداً بما في ذلك المرأة فقد انتخبها اليمنيون ملكة وأشار بذلك القرآن الكريم.
إننا اليوم أمام حالة من الانكسار وخصوصاً بعد الفوضى التدميرية التي جاء بها عشاق السلطة الذين لا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة في 2011م، فالمشاهد الحزينة على التاريخ اليمني كانت أكثر وضوحاً فيما رفعه المغرر بهم في الفوضى التدميرية من الشعارات التي لا تمت بصلة إلى واقع الحياة ولا تعبر عن نية للوصول إلى ما هو أفضل على الاطلاق، ناهيك عن الصور التي رفعت وجعلوا منها قدوتهم في الفكر والممارسة، الأمر الذي أتى على حقيقة آخر المنظرين للفوضى والتدمير.. وفي العدد القادم نقدم مشاهد من ذلك، بإذن الله.