سعد أحمد الورد -
صحيح أن سياسة دعم أسعار المشتقات النفطية تعكس كثيراً من السلبيات على واقع الاقتصاد اليمني مما يؤدي الى المطالبة من قبل الكثير ممن يتبنون الفكر الليبرالي بإلغاء سياسة الدعم، غير أن إلغاء سياسة الدعم هذه من شأنها أن تخلق مشكلات من نوع آخر تتمثل بدرجة رئيسية في رفع كلفة المعيشة، والحقيقة أن هناك كثيراً مما يدور في المجالس اليمنية وخاصة مجالس القات عن القرارات الحكومية وقرارات القيادة السياسية حول محاولاتها التخفيف من ارتفاع الأسعار في معظم السلع وغلاء المعيشة بشكل عام ورفد موازنة الدولة للتخفيف من العجز والذي يصل الى 8٪ تقريباً.
إن كل ما يدور في أذهان الحكومة هو الطرح بين حين وآخر مسألة إلغاء أو تخفيض دعم أسعار المشتقات النفطية، وفي كل مرة توضع الأرقام عن الاسعار والكميات وتقدر الخسائر الناجمة عن البيع بأقل من تكلفة الإنتاج والتوزيع، ثم يطوي الحديث الى أن يظهر العجز مجدداً كما هو الحال في هذه الأيام، وهناك بعض الأسئلة ينبغي الإجابة عليها من قبل الحكومة لتتضح الرؤية حول رفع الدعم من عدمه وهي:
- هل يمكن للحكومة الحفاظ على القوة الشرائية للريال للفقراء في مواجهة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية؟
- هل يمكن التخلص من ظاهرتي التهريب والإسراف للوصول الى ترشيد استخدام المشتقات عند رفع الدعم من هذه المشتقات؟
- هل يمكن رفع التشوه في هيكل الاسعار كمنطلق ضروري لاحتساب الجدوى الاقتصادية للمشاريع وفتح الطريق أمام القطاع الخاص؟
- هل يمكن توجيه الموارد التي ستوفر جراء رفع الدعم نحو قطاعات الصحة والتعليم ورفع الأجور والتعويضات للعاملين وتلبية حاجات المجتمع كافة؟
- هل تستطيع الحكومة الحد من العجز في الموازنة أو التخلص منه؟
- من المؤكد أن الأسئلة صعبة والأجوبة أصعب بالنسبة للحكومة، وقد ربما لا تستطيع الجواب عليها، حيث لا يوجد لديها رؤية واضحة للتنمية الشاملة في البلد، ولا يوجد لديها سوى حجج واهية هي أن الأسعار المحددة حالياً أقل بكثير من تكلفة الإنتاج أو الاستيراد والتوزيع، مما يؤدي الى تحقيق خسائر كبيرة تتحملها الخزينة العامة، الأمر الذي يقود الى عجز الموازنة، هذا فضلاً عن أن انخفاض الأسعار المحلية عن مستوى أسعار البلدان المجاورة يشجع على التهريب، ولا نريد هنا الدخول في (لعبة) الأرقام، لأن ذلك سيجرنا الى مناقشات لا نملك معطياتها الأساسية، ونقصد بذلك معطيات (تصنيع) الرقم، ومدى تعبيره عن التكلفة الحقيقية فضلاً عن تحليل عناصر الكلفة ذاتها.
والمناقشة الهادئة لهذا الموضوع بعيداً عن التشنجات وعن المواقف المسبقة، تقتضي وضعه في إطار مصلحة الاقتصاد الوطني من جهة، ومصالح جموع الشعب الفقيرة ومحدودة الدخل والفئات المتوسطة من جهة ثانية، ناهيك عن أن الفئات المتوسطة تتجه نحو التدهور، مما يجعلنا نبحث عن السياسات الاقتصادية الكلية، وفي أوضاع سياسة الأسعار والدعم فيها.
انسحاب الدولة
ففي ظل »اقتصاد السوق الاجتماعي« المتمثل في عملية الموازنة بين مصلحة الدولة من حيث تحرير الأسعار والانفتاح الواسع وبين مصلحة المجتمع ككل، ولابد من وضع أي قرار اقتصادي في هذا الميزان، وكيفية استخدام السوق بما لا يضر بمسيرة التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، فإذا كانت سياسة الدعم مطلوبة قبل إقرار التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، فقد أصبحت بعد ذلك ضرورية بعد أن تم هذا الانفتاح الواسع وبعد تحرير الأسعار وانسحاب الدولة من السوق، غير أن الإدارة الاقتصادية فهمت اقتصاد السوق الاجتماعي على أنه تحرير للأسعار والأسواق وللتجارة الخارجية وتشجيعاً للاستثمار الداخلي والخارجي دون أن تولي الاهتمام اللازم للجانب الثاني من معادلة اقتصاد السوق الاجتماعي، ونعني به الجانب الاجتماعي، أما الآن تأتي رغبتها في رفع أسعار المشتقات النفطية وإزالة الدعم عن هذه الأسعار في إطار مفهوم أن »اقتصاد السوق الاجتماعي« ما هو إلا مرحلة انتقالية توصلاً الى إقامة اقتصاد السوق الحر.
وهنا نتساءل عن مدى أهمية أسعار المشتقات النفطية المحلية، ولماذا الإصرار على زيادتها؟ ولماذا يصر البنك الدولي (في إطار إجماع واشنطن) على المطالبة بزيادة أسعار المشتقات النفطية بوجه خاص، وإلغاء الدعم المقدم للمستهلكين والمنتجين على السواء؟
الاقتصاد الليبرالي الحر
والمسألة هنا تتعلق بالسياسة الاقتصادية الكلية ان جوهر السياسة الاقتصادية الكلية في برنامج الاصلاح والتكييف الهيكلي المقدم من البنك والصندوق الدوليين والمدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انما يرمي الى السياسة (الليبرالية الاقتصادية الجديدة)، وهو التوافق الذي تم بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وحكومة الولايات المتحدة) من أجل إجراء التحول في اقتصادات البلدان الاشتراكية السابقة والبلدان ذات الاقتصاد الموجه كاليمن الى الاقتصاد الليبرالي الحر، ومحور هذا البرنامج يستند الى هدفين أساسيين:
الأول: انفتاح الأسواق الداخلية وحرية التجارة الداخلية.
الثاني: الوصول الى حكومة الحد الأدنى، أي الحكومة التي يتم انسحابها من الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي تحت هذا الهدف اتباع سياسة مالية انكماشية بحجة تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة، وتخفيض الإنفاق الجاري والاستثماري، وفي هذا السياق يتم تخفيض الدعم والإنفاق على الخدمات الاجتماعية والتركيز على رفع أسعار المشتقات النفطية، والذي يعتبر أحد ركائز هذه السياسة، نظراً للمهام التي تعتمد على هذه المشتقات، ودورها المهم في جميع القطاعات الاقتصادية.
فهي مادة أساسية لاستهلاك الأفراد والأسر من أجل الحصول على الاشغال المنزلية ووقود المواصلات وهي ايضاً مادة أساسية للمنتجين الصناعيين والزراعيين لتوليد الطاقة، حيث تدخل في حسابات التكلفة النهائية للمنتج النهائي، وبالتالي فإن زيادتها عن المعدل السائد من شأنه أن يحدث الآتي:
- الضغط على نفقات الأسرة والأفراد.
- رفع تكاليف إنتاج المنتجات الزراعية والصناعية والخدمات وخاصة النقل والمواصلات التي ستنعكس بدورها على أسعار جميع المواد والسلع الاستهلاكية في الأسواق، مما يشكل ضغطاً آخر على مستوى نفقات الأسرة والأفراد، خاصة بين أصحاب الدخل المحدود والفئات المتوسطة التي بدأ مستواها بالتراجع فعلاً، ناهيك لما سوف يحدث لأصحاب الفئات الفقيرة.
اقتصاد السوء
إن ما يريده برنامج التحول الى اقتصاد (السوء) أقصد اقتصاد السوق، الذي يرفع شعاره الآن بعض أفراد الفريق الاقتصادي الحكومي »بفخر الليبرالي« كما جاء في مقالة النيوزويك الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 2007/5/15م، هو رفع أسعار المشتقات النفطية الذي يعتبره أحد أهم الاجراءات التي تؤدي الى بناء اقتصاد السوق الحر، ذلك لأن المشتقات النفطية تعتبر محرك الحياة الاقتصادية، وبما أن تكاليف الحصول عليها تدخل عملي في جميع مكونات السلع والخدمات المعروضة في السوق، فإن أسعارها تكتسب حساسية خاصة في عملية تنفيذ السياسات الاقتصادية.
وتستند الإدارة الاقتصادية الحكومية في سعيها لرفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية الى ركيزة أساسية مفادها الخسائر التي تتحملها الدولة من جراء إبقاء الأسعار (المنخفضة) قياساً الى مستوى الأسعار العالمية والى أسعار البلدان المجاورة، الأمر الذي يؤدي الى التهريب من جهة وإحداث عجز في الموازنة من جهة ثانية.
في حين نرى أن هذا التوجه في رفع الدعم يأتي من خلال (حزمة) من السياسات الاقتصادية التي تصب في إطار التحول نحو اقتصاد السوق الحر، والدليل على ذلك هو مجموعة الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة والتي يغلب عليها طابع الليبرالية الاقتصادية الجديدة، ونشير بوجه خاص الى:
- ظهور الاحتكار
- رفع شعار »تحرير التجارة الخارجية« واعتبارها (قاطرة النمو) وتنفيذ هذا الشعار عملياً من خلال ما نجده من بضائع وسلع أجنبية بما فيها المنتجات الحرفية والتراثية تنمو وتتزايد في الأسواق الداخلية، وكذلك التوجه العملي نحو تخفيض الرسوم الجمركية.
- إطلاق حرية استيراد السيارات السياحية، دون دراسة دقيقة لإمكانية استيعاب الطرق.
- تحرير الأسعار الداخلية وتلاشي الرقابة على الأسواق وصولاً الى فوضى السوق، وظهور الاحتكار، ويبدو ذلك عملياً بإلغاء دور وزارة الصناعة في ممارسة مهامها.
- تخفيض الضرائب على الاغنياء كونهم من يمتلك أكبر مشاريع عقارية من خلال قانون الضريبة العقارية ومن خلال التشريع الخاص بالعقارات.
- المناخ العام الذي شجع على المضاربة العقارية وارتفاع أسعار بيوت السكن وخاصة ما يعلن عن السياحة والاستثمار العقاري كقاطرة للتنمية.
- تراجع الاستثمار العام، وتوقفه في القطاع الصناعي وما يروج حول الخصخصة.
وكل ما ذكر أعلاه يؤكد أن مسألة رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، إنما هو جزء أساسي من حزمة الإجراءات والسياسات الاقتصادية الذي اتخذته الحكومة، وهذا يعني التخلي عن عنوان رئيسي من عناوين السياسات الاقتصادية وهو »اقتصاد السوق« ومن خلال ذلك سوف يؤدي رفع الدعم عن المشتقات النفطية الى ارتفاعات متوالية في أسعار المواد والسلع والخدمات، مما سيؤدي الى المزيد من التضخم، بالإضافة الى ما يحققه ذلك من ضغط على دخول الأفراد وعلى مستوى معيشة السكان.
وداعاً للتنمية والاستثمار
ولهذا الإجراء أثر اقتصادي سلبي يتمثل في أمرين اثنين هما:
الأول: سيضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، سواءً فيما يتعلق بالتصدير أو في منافسة السلع المستوردة التي غزت الأسواق المحلية بعد إطلاق حرية الاستيراد لتلك المنتجات.
الثاني: سيضعف حملة التوجه نحو الاستثمار المحلي والخارجي لأنه سيزيد من تكاليف الإنتاج مما يخفض من عائد الاستثمار.
إن الحصول على الطاقة الرخيصة يعتبر من أهم عوامل المناخ الاستثماري، كما أنه من محركات عملية التنمية، ومع ارتفاع أسعار الطاقة علينا أن نودع التنمية والاستثمار.
كما أن أوروبا لم تستطع تعمير ما خربته الحرب العالمية الثانية، أو تحقيق الازدهار والنمو الاقتصادي الهائل الا بفضل حصولها على الطاقة الرخيصة.
وإذا كانت النية متجهة لدى الإدارة الاقتصادية الى استمرار العمل في السياسات الانفتاحية، التحريرية واعتبار ذلك قاطرة للنمو، فإن سياسة الدعم (للمشتقات النفطية) وللمنتجين وللمستهلكين في إطار سياسة اجتماعية تنسجم مع توجهات اقتصاد السوق الاجتماعي) تصبح أكثر ضرورة وإلحاحاً، وإلا فكيف يمكن مواجهة الآثار المترتبة على تحرير الأسعار والتضخم بالنسبة لغالبية أفراد الشعب بدون دعم؟ وكيف نضمن رفع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية دون دعم؟
السياسة المالية والضريبية
بقي هناك عدد من النقاط المهمة لابد من أخذها بعين الاعتبار لدى مناقشة هذا الموضوع وهي:
- صحيح مازالت بلدنا بكراً لم يتم استخراج الكثير من خيراتها سواء في مجال استكشافات النفط أو مناجم الذهب أو المناجم الحجرية وغيرها من خيرات البلاد في باطن الأرض، ومع ذلك ان إنتاج النفط يغذي الموازنة بما يقارب 70٪ رغم كل ما ينشر حول انخفاض الإنتاج، ولهذا فإن التسعير المحلي للمشتقات النفطية يجب ألا ينطلق من أسعارها العالمية، بل لابد من وضع الميزان النفطي للكميات والمبالغ دون أن ننسى أن المواطنين جميعاً مع الأجيال المقبلة لها حقوق في ثروتها النفطية.
- إذا كانت المسألة إيجاد مورد جديد للخزينة، أي سد العجز في الموازنة، فليست هذه هي الوسيلة الأنجح أو الأفضل، فلا يجوز استسهال الحلول بزيادة أسعار المشتقات النفطية، وإنما يجب البحث بجدية في السياسة المالية والضريبية، وفيما إذا كانت تلبي أغراض المرحلة، ويأتي من خلال ذلك تحسين أداء الإدارة المالية وإيجاد موارد ضريبية تتناسب مع أهداف واقعية وعادلة للسياسات الضريبية وتحسين أساليب فرض وتحصيل الضرائب والرسوم.
ويأتي في هذا السياق:
- تقليص الهدر في النفقات العامة وضبط عملية تخصيص واستعمال السيارات الحكومية وخاصة لكبار المسؤولين.
- القضاء على الفساد أو الحد منه ما أمكن، وخاصة الفساد الكبير المتمثل في الصفقات الكبيرة والعمولات والسمسرة.
- إعادة الاعتبار لمراقبة الأسعار والأسواق.
- الربط ما بين الأسعار والأجور والقضاء على التضخم.
- ترشيد استهلاك المشتقات النفطية، وتشجيع استخدام البدائل.
- القضاء على الفاقد الكهربائي.
- إصلاح القطاع العام الصناعي، والتوقف عن الترويج لخصخصته، وإعادة الاعتبار.
- تفعيل القوانين المالية وقوانين تحصيل الرسوم والإيرادات الاخرى والقوانين الجزائية.
- إعادة النظر في القوانين المنظمة للضريبة العقارية وضريبة الإيجارات.
- تفعيل تحصيل الإيرادات الزكوية.
- إلزام رؤساء الجهات بتنمية وتحصيل الإيرادات المنوطة بالجهات التي يشرفون عليها.
- العمل على إيجاد وتطوير المناخ السياحي لجذب السياح كون السياحة هي المورد الذي لا ينضب، وأخذ تجارب من سبقونا في ذلك والمعتمدة على السياحة في رفد موازنتها.
- الاهتمام بالقطاع السمكي فخيرات البحار كثيرة، والحمد لله تتمتع بلادنا بما يقارب (1800 كم) على البحر الاحمر وخليج عدن.
- تفعيل الرقابة على إيرادات الدعم الشعبي من المستشفيات والرسوم الموازي من الجامعات والمعاهد.
وهناك الكثير من المخارج والطرق التي تخرج بلادنا من المأزق وهذه الكوارث إذا ما وجدت النوايا الصادقة من القيادة السياسية والحكومة والتفاف الشعب حول الوطن والوحدة.
والله الموفق،،،
مستشار وزير المالية
|