ليث الحمداني - أعلن محمود عثمان ألنائب في البرلمان العراقي عن الكتلة الكردستانية ان الايام المقبلة ستشهد مساعي يقودها الرئيس العراقي جلال الطالباني لتشكيل جبهة سياسية تضم الحزبين القوميين الكرديين وحزبي الدعوة والمجلس الاعلي الاسلاميين الشيعيين، وهذا يؤكد الانباء التي تتواتر حول التحالفات الجديدة والتي كانت قد اشارت الي ان الحزب الاسلامي العراقي سيكون جزءا من هذه الجبهة الا ان الحزب سارع بنفيه الدخول في اي تحالفات جديدة ويبدو انه اكتشف بان الجبهة السياسية هذه تريده غطاء سنيا لا يقدم ولايؤخر ففضل التريث. اهتمام جلال الطالباني وحماسته لاعلان الجبهة الجديدة ياتي بعد عودته من ايران ولقائه بقادة نظامها، وبعد كلمته المثيرة للجدل في مؤتمر الاشتراكية الدولية (حاول مكتبه نفيها لاحقا) والتي ابتعد فيها عن اية اشارة للدور الايراني في العراق للمحافظة علي تحالفه التاريخي مع نظامها وهو الاكثر معرفة بان الدور التخريبي الذي تلعبه المخابرات الايرانية لم يعد بالامكان التستر عليه، وهو دور لا يقل ايذاء للعراقيين عن دور الاحتلال وخلايا الموت التي يديرها عملاؤه والتي افرغت العراق من خيرة كفاءاته من مختلف الاطياف العرقية والدينية. اعلان عثمان يؤكد مباركة السلطات الايرانية لهذه الجبهة ويحث علي اعلانها لتحقيق اهداف تتضمنها الاجندة الايرانية في العراق وفي مقدمتها المحافظة علي المالكي رئيسا للوزراء وتوفير الغطاء اللازم له لان ضعفه وهزالة شخصيته يسهلان عمل مخابراتها ودعمها للميليشيات التي تمزق النسيج الوطني العراقي بتكريس الطائفية تقابلها في الوسط الاخر قوي سنية تكفيرية ستكشف الايام ان الداعم الاكبر لها ايضا هو ايران وان هجومها علي الشيعة ومذهبهم ليس سوي غطاء مخابراتي بدأت جوانبه تتكشف (1) وهي بذلك تحقق منهجها الثأري الانتقامي من العراقيين شيعة وسنة لانهم دعموا نظامهم السياسي ايام حربه مع النظام الايراني، ايضا سيكفل هذا للايرانيين قطع الطريق علي اي نجاح قد يحققه اياد علاوي في مساعيه لتشكيل تحالف علي اساس غير طائفي وهم اعلنوا في اكثر من مناسبة وبشكل مباشر وغير مباشر انهم لا يريدونه رئيسا للوزراء وقد ذكر ذلك علاوي بنفسه تلميحا وتصريحا، وهذا الرفض في حقيقته يعني رفضا لوصول اي (شيعي) علماني الي مركز رئيس الوزراء لان هذا قد يعمل علي اعادة لحمة العراقيين وهو ما لا تريده ايران، وكما ان للاحزاب القومية الكردية اجندتها في هذا التحالف فهي تريد تمرير قضية كركوك وضمها للاقليم والمساعدة علي اقرار قانون استثمار النفط الذي تتحمس له الاحزاب القومية الكردية بنفس درجة حماس الادارة الامريكية وبالصيغة التي يريدونها، وبالنسبة للقضية الاولي فان هذه الاحزاب ستحقق هدفين مباشرين الاول السيطرة علي نفط كركوك والثاني الاستمرار بالتلاعب بالمشاعر القومية للجماهير الكردية باعتبار كركوك (قدسا للاكراد) وما الي ذلك من (الترهات) التي تساعدها علي التهرب من الاستحقاقات الداخلية في ظل سلطة ينخرها الفساد والرشوة وتتآكل جماهيرها يوما بعد يوم، فإن الحزبين الاسلاميين الشيعيين (الدعوة والمجلس) يسعيان من خلال هذه الجبهة لتكريس ثنائية تمثيلهما للطائفة الشيعية اسوة بتلك التي تكرست في لبنان لصالح (حزب الله) و(حركة امل) بحيث يضمنان مستقبلا وفي اية انتخابات مقبلة مجالسية ام نيابية اسقاط رموز التيارات الاخري مستفيدين من التجربة اللبنانية، وحاليا قطع الطريق عن اية تحالفات شيعية عروبية يمكن ان تجد امتدادات لها في الاوساط العلمانية والليبرالية، وهذا التكريس سيتحول واقعا علي الارض بعد اعلان (فيدرالية الجنوب) حيث يتم التخطيط في اوســــاط المجلس والدعـــوة لتصفية حزب الفضيلة سواء عن طريق انشقاقات من داخله او افتعال ازمات تدفعه للمواجهة العسكرية بحيث تتمكن قوات بدر وبدعم ايراني من حسم المعركة لصالح الثنائية الشيعية (الدعوة والمجلس)، يبقي التيار الاكثر وجودا في الشارع وهو (التيار الصـــــدري) وهذا ســيتم الاجــهاز عليه بسهولة رغم انه الاكبر حجما داخل الحركة السياسية الشيعية لان المخابرات الايرانية تمكنت من اختراقه منذ جريمة تفجير مراقد الائمة العظام في سامراء واضطرار مقتدي الصدر لقطع جولته العربية والعودة الي بغداد(2)، فقد ادي هذا الاخـــتراق الي عزل التيار الصدري عن قوي غير شيعية عروبية ووطنية ليبرالية كانت تراه حليفا طبيعيا ضد الاحـــتلال بسبب الجــرائم التي نفذها جــيش المهدي بحق المناطق السنية.
ولان السياسة (لا اخلاق لها) في عالم اليوم فان (السحر الايراني) قد ينقلب علي (ساحره) اذا ما اقرت فيدرالية الجنوب وسالت المليارات بيد قيادات الثنائية فان هذه الثنائية قد تنقل ولاءها من (ولاية الفقيه) الي (ولاية البرميل) كما اسماها اقتصادي ماركسي بعد ان تلمس حجم الموارد التي ستقدمها الشركات الامريكية التي لا جدال بانها ستكون علي راس قائمة مستثمري نفط الجنوب وبعد ان تتعامل مباشرة مع هذه الشركات البارعة في افساد المحيط الذي تتعامل معه، فكيف اذا كان محيطها موزعا بين (فاسد) و(مستعد للانحراف). اذن فمن الرابح الاكبر من هذا التحالف؟ قطعا لن يكون العراق، وغالبا وحتي ولو (انقلب السحر) علي الساحر فإن ايران والاحتلال هما المستفيدان مما سيجري مع الاخذ بنظر الاعتبار امكانية ان تلعب المقاومة الوطنية للاحتلال دورا في عرقلة بعض جوانب الاجندة الايرانية التي تستهدف تفتيت العراق اولا وآخرا.
اما الخاسر الاخر فسيكون الكرد الذين جربت قياداتهم علي مدي سنوات طويلة التحالفات التي لا تعتمد علي العمق الوطني العراقي فحصدت الفشل والخيبة وهي تخطئ اليوم اذا ما اعتقدت بأن تحالفها مع الاحزاب ذات الاجندة الايرانية سيجعل ايران تتساهل مع (فيدرالية كردية) ذات صلاحيات واسعة علي حدودها تدغدغ احلام اكرادها الواقعين تحت سلطة قمع قومية بستار ديني لا تعترف بالاقليات التي جمد الامام الخميني حقوقها تحت شعار (الاسلام) وهي ستتحالف مع الشيطان التركي من اجل اعادة العملية الي الوراء وعودة الاقتتال الي كردستان العراقية، وتخطئ القيادة الكردية اكثر اذا ما اعتقدت بأن المواقف الدولية وخاصة الامريكية والاوروبية ثابتة من قضيتها فهذه الدول تبحث عن مصالحها وهذه المصالح بالمنظور السياسي تتلخص بعدم (استفزاز) الجيش التركي لان ذلك سيفتح المجال لوقوع تركيا تحت نفوذ حكم اسلامي مباشر وهذا الامر اليوم اصبح اكثر الحاحا من ذي قبل في ضوء المحاولات (البوتينية) لاعادة روسيا الي دائرة القوة في الساحة الدولية.
لقد دفع الكرد ثمنا باهظا لاخطاء قياداتهم السياسية وتحالفاتها الآنية التي كانت تبعدهم دوما عن حاضنتهم الاساسية الحركة الوطنية العراقية المؤمنة بالحقوق العادلة للاكراد وهم اليوم يهاجمون في اعلامهم كل القوي القومية العراقية رغم ان بعض هذه القوي قدمت لهم في العهود الماضية مواقف واضحة من قضيتهم لم تقدمها لهم القوي الاسلامية التي يسعون للتحالف معها، (3) تلك الاخطاء التي انعكست سلبيا علي اطراف اساسية في الحركة الوطنية العراقية التي اصبحت اليوم بدرجة من الضعف لا تمكنها حتي من حماية نفسها سياسيا خاصة وان جزءا منها دخل لعبة التحالفات الطائفية فاضاع التاريخ (تاريخه الوطني) ويكاد يسهم في الاجهاز علي الجغرافيا (جغرافية الوطن العراق) والجزء الاخر فقد ثقته بالقيادات القومية الكردية وتقلباتها وتحالفاتها وتضامن من تبقي منها مع المقاومة الوطنية ضد الاحتلال التي تنظر للحركة القومية الكردية علي انها جزء من محنة العراق الوطنية الحالية.
ان العراق اليوم بأمس الحاجة الي تحالف وطني عريض لاطائفي ولاديني ولاعرقي ... تحالف سياسي وطني عراقي يسعي لانهاء الاحتلال ومحاولة بناء العراق الجديد علي اسس تكفل للجميع العدل والمساواة والحرية، فهل اصبح هذا حلما يا تري ؟
هوامش
(1) قال جلال الطالباني اثناء زيارته الاخيرة لطهران ان سلطاتها وافقت علي غلق مقار لـ(جند الاسلام) وهي حركة كردية متهمة بالتطرف، جلال نفسه كان قد اعلن في اكثر من مناسبة انها فرع من (القاعدة) فاذا كانت ايران تدعم الفرع وتسمح له بفتح مقار فكيف هي مع الاصل يا تري، ام ان اتهام جلال لهذه المجموعة الكردية بانها مع القاعدة كان هدفه استدراج الامريكان لقصفها بالطائرات والقضاء عليها باعتبارها غريما سياسيا لا اكثر.
(2) يروي اعلاميون قريبون من المجلس الاعلي ومن عبدالعزيز الحكيم تحديدا انه وصل الي قمة انزعاجه ابان جولة مقتدي الصدر العربية وانه اتصل بوزير الخارجية هوشيار زيباري محتجا علي استقباله من قبل الزعامات الاردنية والسورية كما انه عبر عن قلقه من ان تتحقق لقاءات مطولة للصدر مع السيد محمد حسين فضل الله وكان يردد في جلساته: اذا طالت لقاءات مقتدي مع محمد حسين فهذا يعني القضاء علي كل ما بنيناه، وهو يعني امكانية استقبال فضل الله في العراق ليكون مرجعا فقهيا للتيار الصدري وهو الرجل المعروف بنقائه السياسي وكرهه للاحتلال، فهل تكشف الايام او الشهور او حتي السنوات القليلة المقبلة سر جرائم تفجيرات مراقد الائمة العظام ام ان القضية يراد لها من قبل قوي الاحتلال ان تظل مبهمة رغم ان هناك من يقول بان الامريكان يعرفون كل شيء وان لكل شيء وقته للاعلان ولا مصلحة لهم بالاعلان عن التفاصيل الآن.
(3) اذا كان اليسار العراقي برموزه العراقية العربية اول من بادر الي الوقوف مع القضية الكردية، فان الحركة القومية العربية شهدت هي الاخري تحولات فكرية في هذا المجال وكان المرحوم فؤاد الركابي القومي العربي مبادرا وكذلك المرحوم عبدالخالق السامرائي البعثي القيادي الذي وصلت طروحاته الحزبية خطوات متقدمة في هذا المجال، كما ان هناك من البعثيين من تعامل بمستوي سياسي متقدم مع القضية ومنهم المرحوم مرتضي سعيد عبدالباقي والاستاذ شكري الحديثي (امد الله في عمره) ولو قدر لبيان الحادي عشر من آذار (مارس) وهو خطوة متقدمة جدا بالنسبة للحقوق الكردية في حينه ان يطبق بيد واضعيه وليس بيد الاجهزة الامنية والمخابراتية لما آلت الاوضاع الي ماآلت اليه. فهل يستطيع قادة الاكراد الساعون للتحالف مع الدعوة والمجلس ان يقدموا لشعبهم موقفا واضحا ونزيها وتاريخيا لهذه القوي من القضية الكردية.
عن "القدس العربي"
|