الإثنين, 05-مايو-2014
الميثاق نت -   بقلم/ عبده محمد الجندي -
< لاشك أن الذكرى الثالثة لحادث الاغتيال السياسي الذي استهدف رئيس الجمهورية الأسبق الزعيم علي عبدالله صالح وكبار رجال الدولة قد اعتبره مجلس الأمن الدولي عملاً إرهابياً يجب معاقبة مرتكبيه، فيما نعتبره نحن من الأحداث الارهابية المروعة التي تحدت جميع القداسات:
- قداسة جمعة رجب السنوية
- قداسة الجمعة الأسبوعية
- قداسة بيت من بيوت الله (مسجد دار الرئاسة)
- قداسة صلاة الجمعة
هذه القداسات الأربع تحولت من وجهة نظر المتآمرين الانقلابية من مناسبات تندرج في نطاق الأماكن والأيام الحرم التي يتوقف عندها القتال والاقتتال الى أيام ومناسبات سياسية تباح فيها جميع المقدسات والمحرمات طالما كان الهدف منها الاستيلاء على السلطة بما تنطوي عليه من المكاسب والمغانم المادية.
أقول ذلك وأقصد به أن هذا العمل الارهابي الجبان واللاأخلاقي سيبقى نقطة من أفظع النقاط السوداء التي اقترفها التنظيم الدولي العالمي للاخوان المسلمين في تاريخهم السياسي الذي اختار كتابته بالدم وما نتج عنه من ازهاق للأرواح ناهيك عن الجرحى والمشوهين والمعاقين الذين مايزالون يبحثون عن الإنصاف من غرمائهم المعتقلين والطلقاء الذين عجزت القوانين عن الوصول اليهم ومحاكمتهم.
هؤلاء الذين أبوا إلا أن تكون الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع يؤكدون يوماً بعد يوم أن الشريعة الاسلامية لا تطبق عليهم بقدر ما هي قابلة للتطبيق على خصومهم وضحايا أعمالهم الإرهابية ومن يختلفون معهم.
ومعنى ذلك أن استبعاد جرائمهم من العقوبات الرادعة المستمدة من الشريعة الاسلامية تجعل خصومهم يتهمونهم بأنهم أكبر من الشريعة الاسلامية اللازمة والملزمة لجميع المسلمين في كل زمان ومكان وكأن الشريعة الاسلامية تندرج في نطاق ملكيتهم الخاصة يطبقونها حسب أمزجتهم وأهوائهم، لأن الحياة صراع بين الاسلام وبين الكفر، بين الخير وبين الشر، وأن الاسلام والخير لهم ولهم وحدهم الحق والعدل، ولا يتركون لغيرهم سوى الكفر والشر المجرد من الحق ومن العدل، فيوقعون بقصد وبدون قصد وبوعي وبدون وعي أتباعهم وأنصارهم في خطأ الخلط بين الجهاديين الارهابيين الى درجة تفقدهم القدرة على التمييز بين العدوان والاعتداء على الشرعية وبين حق الدفاع عن النفس وعن الشرع، الذي كفلته جميع القوانين الوضعية والشرائع السماوية.
إننا نربأ بالقضاء اليمني وبالقضاة الذين يمثلون قدسية العدالة إذا وجدوا أنفسهم مضطرين تحت الضغط الى إخضاع القضاء لما لديهم من الانتماءات السياسية والحزبية ولما قد يهددون من المخاوف ولما قد يحصلون عليه من المصالح الوظيفية، لأن الجمع بين القضاء وبين السياسة يفقد العدل جوهره، ويضع القضاة في مكانة حاضرة ومستقبلية دنيوية وأخروية لا يُحسدون عليها إذا علمنا أن قاضياً في الجنة وقاضيين في النار - كما نصت الأحاديث النبوية المقدسة.
وفي هذا الاطار فإن جريمة مسجد دار الرئاسة من جرائم الاغتيالات السياسية، وليس من مصلحة أي حزب من الأحزاب والتنظيمات السياسية المؤمنة بالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة أن تلصق به أية شبهة من شبهات هذا النوع من الاغتيالات والجرائم السياسية نظراً لما قد يترتب عليها من تأثير سلبي على ثقة الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة.. ومعنى ذلك أن الاساليب والوسائل العنيفة عملية محرمة في الاستيلاء على السلطة لأن الديمقراطية تعتمد على الوسائل والأساليب السلمية المتمثلة بالعودة الى إرادة الهيئة الناخبة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة.
أعود فأقول إن ما حدث في مسجد جامع دار الرئاسة في جمعة رجب لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال السياسية المستمدة من الديمقراطية التي تنتهجها جميع الديمقراطيات الناشئة والناضجة الباحثة عن مقومات الاستمرار والديمومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، الداعمة والمساندة للوحدة الوطنية.
وأن المصلحة السياسية والانتخابية للتجمع اليمني للإصلاح تحتم عليه أن لا يبرر لمن قاموا بهذا العمل الارهابي الجبان بأنهم ثوار وبأنهم يمتلكون من الحصانات ما يحميهم من أي محاكمات قضائية تعرضهم للعقوبات الدستورية والقانونية، لأن مثل هذه المواقف والشبهات تباعد بين الاخوان وبين الحصول على ما يحلمون به من استيلاء على السلطة منفردين ما برحوا يعدون ويستعدون لها بما عُرف عنهم من حركة اخونة نشطة تتجاوز المواقع السياسية الى ابتلاع الوظيفة العامة للدولة مدنية كانت أم عسكرية وما تمارسه من إقصاء وإلغاء للتعددية السياسية والحزبية وللتداول السلمي للسلطة لأن البديل هو اللون الواحد والنوع الواحد الذي يكشف بمجرد وصوله الى السلطة عما لديه من نوايا خفية غير معلنة يعرفها المحايد بأنها تستخدم الديمقراطية وسيلة للقضاء على الديمقراطية نظراً لما تنطوي عليه من رؤية شمولية تقوم على تكريس الشمولية وإلغاء الآخر واستبعاده من أية منافسة سياسية محتملة، لأن طغيان الحزب الواحد على كل شيء يعيد البلد الى العصور النازية والفاشية المظلمة التي لم تخلف للعالم سوى الذكريات المأساوية للدماء والدمار التي تجاوزت في ملايينها ما قُتل في جميع العصور التاريخية في مراحل التاريخ القديمة والوسيطة والحديثة والمعاصرة من الأرقام والأعداد.
إن جريمة مسجد دار الرئاسة من الجرائم الارهابية غير القابلة للتكرار التي تحتم على القضاء اليمني ان يكون عند مستوى المسؤوليات المناطة على كاهله في حماية الحقوق والحريات الديمقراطية لأن العدل في الأمة مقياس لحضارتها وتقدمها يعكس القوة المهابة لمدنية الدولة وقدرتها على الترسيخ الدائم لقيم الحرية والحق والديمقراطية والعدل وجلب الاستثمارات الخارجية في موكب التنمية الاقتصادية لأن القضاء الذي ينطق بالأحكام العادلة ذات القوة والقدسية لا يقوم بما يجب أن يقوم به من ترسيخ للسلطة القضائية التي تمثل حجر الزاوية في مثلث الموازين الراسخة لسلطات الدولة الثلاث السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية المنتخبة من الإرادة الحرة للهيئة الناخبة صاحبة المصلحة الحقيقية في الديمقراطية نظراً لما تمثله من دور حيوي في تطبيق المعاني العظيمة لقدسية الدستور والقانون، لأن الحديث عن العدل لا يكفي دون أحكام قضائية تصدر عن قضاة يغلبون الحق على الولاءات والمصالح الزائلة المكرسة للظلم والفساد.
إن الاحكام القضائية في حادث مسجد دار الرئاسة ستكون من الأحكام التاريخية القابلة للتداول والتفاخر من قبل الأجيال تواصلاً مع تلك القيادات القضائية الاسلامية وبالذات إذا صدرت عن قضاة متهمين بالانتماء للتجمع اليمني للاصلاح المتهم في هذه الجريمة، أما إذا تحولت الى أحكام سياسية تسقط رغبة المتآمرين والمخططين والمنفذين لهذه الجريمة فستكون أحكاماً ذميمة وقبيحة تسيئ الى القضاة والقضاء اليمني بشكل عام لأن ما حدث في مسجد دار الرئاسة عمل من الاعمال الارهابية التي صدمت من هم في الحكم ومن هم في المعارضة وتحولت الى قضية رأي عام تبثه جميع القنوات القضائية والاذاعات والصحف ومواقع الاعلام الالكترونية لا يمكن التقليل من حقيقتها وتبرير الالتفاف السياسي عليها.
مطلوب من مجلس القضاء ومن وزارة العدل إعطاؤها ما تستحق من التقييم والاشراف والمتابعة بوحي من مسؤولياتها تجاه القضاء اليمني في موكب الدولة المدنية والحكم الرشيد، لأن الارهاب أحد أهم العوائق التي تعمل للحيلولة دون تمكين الدولة من تنفيذ ما فعلته من السياسات والخطط والبرامج الاقتصادية المرتبطة بالتقدم والتطور في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة التي تخضع فيها اليمن للاشراف الدولي من قبل الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ومن قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مباشرة حسب القرارات الدولية.
يتوجب على القيادة السياسية إعطاء أهمية خاصة لبناء السلطة القضائية جنباً الى جنب مع بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية لكي تمسك بزمام القوة القادرة على حماية الحق والعدل، كمدخل وحيد لتحقيق ما نحن بحاجة اليه من الأمن والاستقرار لأن التفرغ لبناء التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يتأتى إلا في ظل الاستقرار السياسي، وما يترتب عليه من حشد لما هو متاح وممكن من الموارد والثروات الطبيعية التي تحتاج الى بيئات استثمارية آمنة ومستقرة لا مجال فيها للمتنفذين والارهابيين ومن على شاكلتهم من اللصوص والقتلة وقطاع الطرق الذين لا يستطيعون العربدة الا في غياب السلطة القضائية القادرة على حماية ألحق والعدل، لأن بناء اليمن الحضاري الجديد لا يتحقق إلا في ظل الحق والعدل على قاعدة ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب «القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له»، وما تنطوي عليه من المعاني العظيمة للحق القائم على العدل كمقياس من المعايير الحضارية الدالة على السمو والرفعة.
يعلم قضاتنا الأجلاء الذين يترددون عن محاكمة القتلة أن في القصاص حياة، وأن في عدم القصاص يموت الحق والعدل مفسحاً المجال لولادة الظلم وما يترتب عليه من الموت الدائم، لاسيما وقد أقرت الشريعة الاسلامية الغرَّاء «قتل الجماعة بالواحد، والمقصد هو حفظ حياة النفوس وقمع الجناة وزجر الناس كي لا يفكروا في القتل، وسد ذريعة الفرار من القصاص بشبهة الاشتراك في القتل».
إن الحكم بقتل الجماعة في الواحد الذي استهدف ردع المجرمين وإيقاف المعتدين يجعلنا نقف وجهاً لوجه أمام من خطط ونفذ جريمة مسجد دار الرئاسة التي ضربت عرض الحائط بالقداسات الأربع واستهدفت قتل المئات وربما الآلاف من المدنيين والعسكريين الذين يتواجدون في جامع دار الرئاسة أو الذين يقيمون ويتواجدون في معسكر دار الرئاسة أو الذين يسكنون في المساكن الرئاسية الموجودة في حوش رئاسة الجمهورية بمن فيهم الاطفال والنساء والشيوخ والعجزة.
أخلص من ذلك الى القول إن جريمة مسجد دار الرئاسة من الجرائم الارهابية والانقلابية الهادفة الى الاستيلاء على السلطة بالقوة غير المشروعة، لا يكفي أن نقول بأنها اعتداء على الشرعية الدستورية بل هي من الاعتداءات الموجهة للشعب اليمني صاحب القول الفصل في انتخاب القيادة السياسية.
مطلوب من جميع السلطات الدستورية للدولة التعاون لاعتقال المتهمين وتقديمهم للمحاكمة العادلة لأن الجريمة ذات أبعاد سياسية قابلة للتكرار مرات عدة وما قد ينتج عنها من زج البلاد في سلسلة من الأزمات السياسية وما تحتمله من الصراعات والحروب الاهلية الطاحنة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:38 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-38290.htm