الإثنين, 16-يوليو-2007
الميثاق نت -  د. عادل الشجاع -
كنت قد كتبت في العدد السابق عن الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية وتلقيت اتصالات كثيرة مابين مؤيد يفصل الدين عن الدولة ومعارض له.. نحن لانبتدع شيئاً من رؤوسنا وإنما ننطلق من قراءتنا للدولة عبر التاريخ القديم والحديث.. فالتاريخ الحديث اثبت ان هناك مشكلة جوهرية تتعلق بفكر وأداء الحركات الاسلامية التي تولت السلطة في السودان وأفغانستان وفلسطين.. فنحن نعلم ان السياسة لها سمات ولها متطلبات، والذي يتصدى لها لابد وان يكون مستعداً للتعامل مع الواقع بما يحمله من أفكار، فالقضية في المحصلة النهائية تتجاوز مسألة الشعارات‮ ‬المرفوعة‮ ‬الى‮ ‬المسئولية‮ ‬عن‮ ‬حياة‮ ‬البشر‮ ‬وادارة‮ ‬واقع‮ ‬معقد‮ ‬يقتضي‮ ‬التعامل‮ ‬مع‮ ‬العالم‮ ‬الخارجي‮ ‬وفق‮ ‬أسس‮ ‬واقعية‮ ‬دون‮ ‬التخلي‮ ‬عن‮ ‬المبادئ‮ ‬والحقوق‮.‬
ولنا أمثلة كثيرة كما قلنا في افغانستان وفي السودان والصومال وفلسطين، وسنحاول التوقف أمام ماقامت به حركة حماس في قطاع غزة.. عدد سكان غزة حوالى مليون ونصف يعيشون اوضاعاً معيشية صعبة، يعانون من ندرة الموارد ويعتمدون بشكل رئيسي على اسرائيل للحصول على احتياجاتهم‮.‬
والقطاع‮ ‬من‮ ‬الناحية‮ ‬الجغرافية‮ ‬منفصل‮ ‬عن‮ ‬الضفة‮ ‬الغربية‮ ‬والتواصل‮ ‬بينهما‮ ‬يمر‮ ‬عبر‮ ‬الاراضي‮ ‬الاسرائيلية‮.‬
والسؤال‮ ‬الذي‮ ‬فرض‮ ‬نفسه‮ ‬على‮ ‬كل‮ ‬المحللين‮ ‬والمراقبين‮ ‬هو‮ : ‬لماذا‮ ‬أقدمت‮ ‬حركة‮ ‬حماس‮ ‬على‮ ‬اجتياح‮ ‬القطاع‮ ‬والسيطرة‮ ‬علىه،‮ ‬وتولّي‮ ‬ادارته‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬أوضاعه‮ ‬المعقدة،‮ ‬وقدرة‮ ‬اسرائيل‮ ‬على‮ ‬خنقه‮ ‬في‮ ‬أية‮ ‬لحظة؟‮!‬
علم السياسة يقول : ان حكومة حماس كانت تستطيع ان تتبع سياسة رشيدة تعلن استعدادها للتفاوض مع اسرائيل في ضوء اعترافها الواقعي بالدولة الاسرائيلية، والتي لايجدي إنكار وجودها شيئاً في عالم السياسة والعلاقات الدولية.
ونتيجةً لربط الدين بالدولة أقدمت حماس على تحرير غزة، كما زعمت تحت شعار أطلقه أحد المعتوهين دينياً حين شبّه هذا الفتح بفتح مكة، وكأن ماجرى هو عبارة عن معركة بين المسلمين وهم هنا حماس والكفار وهم أنصار فتح.
إن‮ ‬ماقامت‮ ‬به‮ ‬حماس‮ ‬دليل‮ ‬قاطع‮ ‬على‮ ‬خطورة‮ ‬خلط‮ ‬الدين‮ ‬بالسياسة‮..‬
الصراع الذي يجري بين الطرفين هو صراع سياسي له اسبابه الموضوعية، لكن خلط السياسة بالدين حوّله الى صراع ديني تحركه العصبية الايديولوجية والتطرف الفكري، فأصبح المتصارعون بين فسطاطين فسطاط الاسلام وفسطاط الكفر..
وما‮ ‬جرى‮ ‬في‮ ‬فلسطين‮ ‬حدث‮ ‬مايشبهه‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬او‮ ‬سبقه‮ ‬اليه،‮ ‬فقد‮ ‬أقدم‮ ‬حزب‮ ‬الله‮ ‬على‮ ‬جر‮ ‬البلاد‮ ‬الى‮ ‬حرب‮ ‬مدمرة‮.. ‬إنه‮ ‬انقلاب‮ ‬ديني‮ ‬يعيق‮ ‬التحول‮ ‬الديمقراطي‮..‬
نعود الآن الى مسألة أسلمة الدولة، فالاسلام لم يقل لا في القرآن ولا في السنة بقيام دولة دينية، ولم يحدد شكل الحكم او أدواته، بل ترك شكل الدولة واسلوب اختيارها للناس يحددون ذلك وفق ظروفهم الثابتة والمتغيرة زماناً ومكاناً، وحكمة الاسلام هنا واضحة لأننا نتعامل مع متغيرات الزمان والمكان، وبالتالي لايمكن ضبط هذه الدولة.. وعندما بدأت فكرة الدولة الاسلامية او بمعنى أصح الخلافة مع مجيئ حركة الاخوان المسلمين في العقد الثالث من القرن العشرين بدأ الارهاب وخاصة في الاربعينيات من القرن ذاته.
لقد‮ ‬ولد‮ ‬الارهاب‮ ‬من‮ ‬تسييس‮ ‬الدين‮ ‬من‮ ‬قِبَل‮ ‬فئات‮ ‬وجماعات‮ ‬تريد‮ ‬تحقيق‮ ‬اهداف‮ ‬سياسية‮ ‬عبر‮ ‬استخدام‮ ‬الدين‮ ‬كوسيلة‮ ‬لتحقيق‮ ‬هذه‮ ‬الاهداف‮.‬
إن أسلمة السياسة هي الكارثة، ليس فقط على الفعل السياسي الذي قاد الى ارهاب بشع تحت ستار الدين، بل امتد حتى الفعل الديني الذي انفتح على مساحة واسعة من ابتداع أحاديث نبوية، كل طرف يحاول ان يجد لنفسه منها حجة.
ولنا في التاريخ القديم دليل على ذلك، فهذا معاوية بن ابي سفيان يقول : »والله ما أردت الخلافة لنفسي لولا اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : »يامعاوية إن حكمت فاعدل« ويقولون توكيداً لخلافته : »نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : »يامحمد استوصي‮ ‬بمعاوية‮ ‬خيراً‮ ‬فهو‮ ‬أمين‮ ‬هذه‮ ‬الأمة‮ ‬ونعم‮ ‬الأمين‮«..‬
ويرد‮ ‬أنصار‮ ‬علي‮ ‬بن‮ ‬أبي‮ ‬طالب‮ ‬بمئات‮ ‬الاحاديث‮ ‬والروايات‮ ‬المصنوعة‮.. ‬التي‮ ‬تقول‮ : »‬كان‮ ‬لكل‮ ‬نبي‮ ‬وصي،‮ ‬وعلي‮ ‬وصي‮ ‬محمد،‮ ‬محمد‮ ‬خاتم‮ ‬الانبياء‮ ‬وعلي‮ ‬خاتم‮ ‬الأوصياء‮«..‬
واضح ان هذه الاطراف كانت تستند الى الدين من أجل اصطناع رداء الدين ليغطي مصالح شخصية او سياسية، ومن ثم اتخاذ ذلك سبيلاً لإرهاب الخصوم واغتيالهم،بحجة ان ذلك هو تنفيذ لشرع الله وإعمال لأحكامه..
وستستمر‮ ‬النتائج‮ ‬الكارثية‮ ‬لإقحام‮ ‬الدين‮ ‬في‮ ‬السياسة‮ ‬التي‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬مصالح‮ ‬ورؤى‮ ‬شخصية‮ ‬وكان‮ ‬آخرها‮ ‬ماجرى‮ ‬في‮ ‬صعدة‮ ‬واستهداف‮ ‬السياح‮ ‬في‮ ‬مأرب‮ ‬من‮ ‬منطلق‮ ‬شرع‮ ‬الله‮- ‬فأي‮ ‬شرع‮ ‬هذا؟‮!‬
هذه الجماعات تجعل الهم الديني في المؤخرة والهم السياسي في المقدمة، لكنها تستخدم الخطاب الاسلامي، كخطاب ذرائعي للوصول الى السلطة.. نحن بحاجة في هذه المرحلة الى كشف المنشأ التاريخي للعقائد الاسلامية مثلما انكشف المنشأ التاريخي للعقائد المسيحية.. صحيح ان المسيحية قد قاومت عملية التنوير لفترة طويلة في الغرب، لكنها اضطرت في النهاية للانصياع لها ونتج عن ذلك تقدم الغرب بالشكل الذي هو عليه اليوم.. وهو لم يتخلَ عن الدين وانما أبعده عن الشأن السياسي.. وبناءً على تحقيق الدولة المدنية ونجاح هذه العملية او فشلها بالنسبة‮ ‬للاسلام‮ ‬سوف‮ ‬يتوقف‮ ‬مصير‮ ‬الشعوب‮ ‬العربية‮ ‬والاسلامية‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:00 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-3857.htm