عبدالحميد اللساني - انتابني شعور بالارتياح والإعجاب وأنا أقرأ تلك الكتابات الرائعة التي نشرها مؤخراً الكاتب زيد الذاري وعلى مدى عددين متتاليين في صحيفة »الوسط« تحت عنوان (الحوثية هل هي نتاج هاشمي زيدي) والتي ناقش فيها وبتحليل عميق وجريئ وذكي أحد أهم القضايا في مجتمعنا اليمني المطروحة والأكثر حساسية وجدلاً لدى العديد من النخب السياسية والمثقفة وبعض الأوساط الاجتماعية في مجتمعنا اليمني والمتصلة بتداعيات التطورات والأحداث المؤسفة الجارية في بعض مناطق صعدة ومدى صلة المذهب الزيدي أو الهاشميين بتلك التطورات والأحداث المتفاعلة منذ مايزيد على أربع سنوات وتحديداً منذ أن أعلن الصريع حسين بدرالدين الحوثي ومن بعده والده وأخوه عبدالملك الحوثي وبعض أتباعهم تمردهم على الدولة وحملهم السلاح لمواجهة المؤسسات الدستورية في محاولة لفرض أفكارهم المتعصبة تحت دعوى الدفاع عن المذهب الزيدي أو حقهم في نشر ما يؤمنون به من أفكار وأنشطة محاولين -وفي ظل المواجهة الدامية التي جرت معهم لإخضاعهم لسلطة الدستور والنظام والقانون- جرجرة فئة من الهاشميين إلى صفوفهم وكسب تعاطفهم وتأييدهم بزعم أنهم من رافعي لواء الانتصار (للهاشمية) وعبر أفكار ورؤى غريبة ومتعصبة وعنصرية تستند إلى ما تدعيه باطلاً ووهماً حول (الحق الإلهي) في الحكم وحصر الولاية العامة أو الإمامة في من هم من »البطنين« وهي الأفكار التي تتصادم مع حقائق الواقع وتطورات العصر ومع مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة والحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور والقوانين النافذة في البلاد لكل اليمنيين رجالاً ونساءً وكفلتها المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية لكل بني البشر دون تمييز.
وكما قلت في بداية هذا المقال ان شعوراً بالارتياح والإعجاب قد خالجني وأنا أقرأ تلك المقالات مبعثه أن كاتبها واحد من المثقفين الشباب المتحررين من عقدة انتمائهم »الهاشمي« صاحب رؤية وإطلاع واسع على مجريات التطورات في صعدة وخلفياتها وحقيقة الأهداف الكامنة وراءها ولمن يقفون وراءها وبالتالي فإنه بدا موضوعياً ومنصفاً وهو يناقش أبعاد التمرد الحوثي والتداعيات والأفكار المتصلة به، واهمها الوصول إلى قناعة راسخة بأن فكر الحوثي وحركته تتناقض تماماً مع الزيدية والهاشمية، و»ان الزيدية انما هي مذهب إسلامي عريق وفكر إنساني خلاق تميز بقدرته على التجدد ومواكبة كل جديد انطلاقاً من ترسيخ أصل الاجتهاد وتحرير العقل بإعماله في فهم النصوص ومراعاة الواقع بمستجداته واستعرض في هذا الإطار دور علماء الزيدية والهاشميين على وجه الخصوص في مسيرة النضال الوطني والتحرر من عهود الظلام والانغلاق والتخلف«، وكانوا في الطليعة المناضلة من أبناء شعبنا اليمني التواقين للحرية والانعتاق من عهود الاستبداد والطغيان وإقامة النظام الجمهوري وإعادة تحقيق الوحدة والولاء لهما والعمل من أجل ترسيخ دعائمها. كان الكاتب زيد موفقاً وهو يدحض فكرة حصر الإمامة في البطنين بالإضافة إلى معالجة إشكالية الخروج على الحاكم وباعتبار أن أمر الخروج اليوم في عصرنا الراهن موكول إلى الأشكال الديمقراطية الشوروية المعاصرة وعبر المؤسسات الدستورية التي ينتخبها الشعب عبر صناديق الاقتراع لتكون ممثلة له ومعبرة عنه في محاسبة الحاكم ومراقبة أدائه.
كما أنه لم يغفل دحض افتراءات أن الحوثي ومن سار في فلكه حول الهاشميين والزعم بإقصائهم أو تعرضهم للاضطهاد هو زعم باطل تخالفه حقيقة الواقع الذي يعيش فيه الهاشميون كجزء لايتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني لمجتمعنا اليمني ومن ضمن مكونات النظام، وحيث ان الهاشميين كانوا هم في طليعة المناضلين والثوار والأحرار الذين تقدموا الصفوف من أجل تفجير الثورة ضد الاستبداد الإمامي والمشاركة في قيادة التحول التاريخي الذي شهده الوطن في ظل راية الثورة منطلقين في ذلك من طموحات وآمال مشتركة مع بقية أبناء الشعب وفئاته وقواه المناضلة ومن استشعارهم بمسؤولياتهم تجاه وطنهم وشعبهم وكان لهم موقفهم الواضح وإنجاز الوطن ومصالحه العليا مثل بقية أبناء الشعب سواءً فيما تعرضت له الثورة والنظام الجمهوري والوحدة من مؤامرات أو في الفتنة التي أشعلها الحوثي في صعدة.. وعلى الرغم من أن بعض الأسماء المحسوبة على الهاشميين أمثال د. محمد عبدالملك المتوكل أو عبدالكريم الخيواني أو محمد الديلمي أو مفتاح أو صالح الوجمان وغيرهم من اصطفوا في جبهة معاداة الوطن حاولوا تمرير رسائل خاطئة لإلباس حركة الحوثي فكراً زيدياً وبُعداً فئوياً وسلالياً وكأنها المعبر عن الهاشميين وهي مغالطة مفضوحة تجافي الحقيقة ولغرض في نفس يعقوب.
لقد بات من الواضح أن هذه العناصر مثلت القيادة الخلفية في صنعاء للعناصر المتمردة وبدعم من حلفائهم في الحزب الاشتراكي اليمني والذين ظل محمد المقالح يمثلهم في التواصل مع »الحوثي« وعناصره المتمردة وتزويدهم بالنصائح والترويج لبياناتهم وما يريدون تمريره من مغالطات وافتراءات.بل ان تلك العناصر ظلت وماتزال تقوم بدور سلبي لعرقلة تنفيذ الاتفاق وإفشال المساعي المبذولة من دولة قطر الشقيقة وجهود اللجنة المشكلة من مجلس النواب والشورى لحقن الدماء وإنهاء الفتنة في صعدة وإحلال السلام فيها وطبقاً لقرارات مجلس الدفاع الوطني لأن قناعة هؤلاء بأن استمرار الحرب في صعدة يخدم توجهاتهم في استمرار الفتنة وإشعال النظام الوطني بها..
ولهذا لم يكن مستغرباً موقف تلك القيادة الخلفية للحوثي ومن ساندها من بعض قيادات الحزب الاشتراكي التي رأت من خلال فتنة صعدة أنها قد تحقق هدفها في الثأر لهزيمتها في صيف عام 94م وأيضاً من باب رد الجميل (للحوثي) ومن معه الذين ساندوا موقف تلك القيادات أبان الأزمة التي افتعلتها خلال عامي 93-94م من أجل تنفيذ مخططها لإعادة تمزيق الوطن ومحاولة فرض الانفصال بالقوة.
وفي إطار نفس النهج التآمري ها هي تلك القيادات »الاشتراكية« المنتقمة مسنودة ببعض العناصر الحاقدة في القيادة الخلفية للحوثيين تحاول أن تشعل حرائق جديدة في الوطن وتعكير صفو السلم الاجتماعي من خلال دعم التوجهات المناطقية والانفصالية لدى بعض الأشخاص الذين يتم تحريكهم والدفع بهم للواجهة أمثال »الكبدة«، »شحتور«، و»باعوم« و»مسدوس« وغيرهم من العناصر التي مازالت تجتر الماضي التشطيري البائس وتستقي ثقافتها وسلوكها من التربية الاستعمارية والمخططات المعادية للوطن ووحدته على الرغم من أن تلك العناصر قد منحها الوطن الكثير ووصلت إلى مناصب قيادية رفيعة في الدولة ونالت خير الثورة والوحدة وتنعمت وماتزال بنعمة الأمن والأمان التي يعيشها الوطن في ظل وحدته ونهجه الديمقراطي التعددي ولكنها استغلت كل ذلك للإساءة للوطن والسعي للإضرار بالوحدة الوطنية.. ولعل ماحدث يوم السابع من يوليو في ساحة العروض بكريتر -عدن وماتم ترديده من هتافات وشعارات مناطقية سخيفة ومسيئة وكريهة والتي يقف وراءها أمثال هؤلاء يعكس حقيقتهم ونفسياتهم المريضة الحاقدة والأهداف الشريرة التي يسعون إلى تحقيقها ولكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك وسيلحق بهم الشعب اليمني وقواه الخيرة والشريفة الهزيمة النكراء كما ألحق بهم وبأمثالهم من أعداء الوطن والثورة والوحدة الهزائم المتتالية في الماضي، وتفهُّم الدروس والعبر التي كان عليهم الاستفادة منها واستيعابها ولكنهم لايعقلون وفي غيهم مازالوا غارقين، غير مستوعبين حقائق الواقع ومعطيات التاريخ وشواهده.
وحيث كان الكاتب »زيد« فلقد استخلص حقيقة جوهرية مؤكدة بأن »الحوثي« ومن معه لايمثلون الزيدية ولايعبرون بأي حال عن الهاشمية وان من أشعلوا الفتنة في صعدة لايمثلون إلاَّ أنفسهم ويتحملون وزرهم وحدهم وان الزيدية والهاشميين براء من شرور أعمالهم وبحسب ما قال فإن الهاشميين ما كانوا ولن يكونوا في أي يوم من الأيام طائفة أو فئة ذات مشروع خاص تبحث عن عمق لها في الخارج أو يرتضون أن يكونوا امتداداً في الداخل وهم سيظلون وعلى الدوام جزءاً وثيقاً من نسيج المجتمع اليمني ومكونه التاريخي والثقافي والاجتماعي والوطني والإنساني ومن تفاعلات حركته في الماضي وتوجهاته الحاضرة والمستقبلية.. فهل يعي الواهمون، ومن يريدون الاصطياد في المياه العكرة للنيل من الوطن ووحدته الوطنية والسلم الاجتماعي العام- ذلك، أم أنهم سيظلون فيما هم عليه من ضلال يعمهون؟!.
|