الإثنين, 21-أغسطس-2006
د‮.‬احمد‮ ‬الأصبحي -
د‮.‬احمد‮ ‬الأصبحي

- في مثل هذا اليوم من العام عام 1969م أقدمت يد الإجرام الإسرائيلية الآثمة على إحراق المسجد الأقصى.. وخلال هذه الفترة المتطاولة ما زال الأقصى المبارك منذ وقوع المدينة المقدسة في أيدي سلطات الاحتلال يتعرض لمحاولات مستمرة للمس بقدسيته ، واقتحامه ومحاصرته، ومنع المصلين من الوصول إليه.. ويوشك المخطط الإسرائيلي التدميري أن يأتي عليه من القواعد.. وليس في ساحة المواجهة العملية غير صمود شعب الجبارين ينافحون عن الأقصى والمقدسات والأرض المباركة بإمكانات محدودة، وصدور عارية إلا من إيمان بالحق الأزلي لا حدود له، يؤجج روح المقاومة الفلسطينية الباسلة، ويجددها في أطفال الحجارة، وأبطال الانتفاضة، ومن اختطوا درب التضحية والفداء لتقوى بنضالاتهم جبهة العمل السياسي الفلسطيني، وعسى أن يثيروا في أمتهم النخوة العربية، والحمية الإسلامية، لعمل قومي مشترك، وإرادة سياسية عربية موحدة، تنتظم فيها جهود وأعمال كل قطر في مشروع عربي يواجه المشروع الصهيوني.. أما وحال الأمة الذي يزداد سوءاً في ظل الأوضاع الراهنة للنظام العربي، فإن كل ما يُقدم من دعم ومساندة لنصرة القضية الفلسطينية يظل دون مستوى التأثير المطلوب لحسم الصراع العربي- الإسرائيلي، بل‮ ‬لم‮ ‬يحُل‮ ‬دون‮ ‬تفاقم‮ ‬الخطر‮ ‬الصهيوني‮ ‬وانتهاكاته‮ ‬الصارخة‮ ‬لحرمة‮ ‬الأقصى‮ ‬والمقدسات‮ ‬الإسلامية‮ ‬والمسيحية،‮ ‬وحرمة‮ ‬وحقوق‮ ‬الإنسان‮ ‬والأرض‮ ‬الفلسطينية‮ ‬المحتلة‮.‬


فلقد‮ ‬تعرض‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى‮ ‬لأكثر‮ ‬من‮ ‬عدوان‮ ‬صهيوني‮ ‬عليه،‮ ‬وعلى‮ ‬المصلين‮ ‬فيه‮ ‬وعلى‮ ‬حرمه‮ ‬العام،‮ ‬وحائط‮ ‬البراق‮ ‬بهجمات‮ ‬اليهود‮ ‬شبه‮ ‬اليومية‮ ‬عليه‮ ‬وعلى‮ ‬من‮ ‬يدافع‮ ‬عنه‮ ‬أو‮ ‬يتعلق‮ ‬به‮ ‬أو‮ ‬يصلي‮ ‬فيه‮.‬
فمنذ فترة سبقت قيام دولة الكيان الصهيوني في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، والاعتداءات الصهيونية تمارس الإرهاب والمذابح الجماعية والتشريد، والاستحواذ على الأراضي، واتباع أبشع صور الهمجية والإجرام ضد شعبنا الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية... ففي صيف عام 1929م، ركز اليهود، في عهد الانتداب البريطاني، مجهودهم للاستيلاء على الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وهو مكان البراق الشريف، ودعوا إلى التسليح والاعتماد على العنف والقوة لتحقيق أهدافهم بالاستيلاء على جدار البراق تمهيداً للاستيلاء على المسجد الأقصى ... وفي‮ ‬يوليو‮ ‬1948م‮ ‬وجهت‮ ‬المدفعية‮ ‬اليهودية‮ ‬قذائفها‮ ‬صوب‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى‮ ‬المبارك،‮ ‬فأصابت‮ ‬إحدى‮ ‬هذه‮ ‬القذائف‮ ‬مسجد‮ ‬الصخرة،‮ ‬وقتل‮ ‬بعض‮ ‬المصلين‮.‬
وفي حرب حزيران 1967م، اعتدى اليهود على المسجد الأقصى، واستباحوا قُدسيَّته، وقتلوا العديد من الأبرياء وأقاموا صلواتهم داخل الحرم، وأقام شبابهم وشباتهم حفلات رقص ماجنة!.. ثم تتابعت اعتداءاتهم بحجة الكشف عن التاريخ اليهودي وهيكل سليمان. فأخذت السلطات الإسرائيلية تقوم بالحفر في أماكن متعددة في الأحياء العربية المصادرة داخل السور والمناطق الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي للحرم الشريف، وتغلغلت إلى مسافة 230متراً أسفل الحرم وعقارات الوقف الإسلامي التابعة له وبعمق عشرة أمتار وعرض ستة أمتار، وترتب على هذه الحفريات تصدع‮ ‬الزاوية‮ ‬الغربية‮ ‬الفخرية‮ ( ‬مقر‮ ‬مفتي‮ ‬الشافعية‮ )‬،‮ ‬ناهيكم‮ ‬عم‮ ‬تهديد‮ ‬سور‮ ‬الحرم‮ ..‬
أرضية‮ ‬الهدم‮ ‬والتشريد
وبسقوط‮ ‬القسم‮ ‬العربي‮ ‬من‮ ‬مدينة‮ ‬القدس‮ ‬في‮ ‬السابع‮ ‬حزيران‮ ‬1967م‮ ‬تحت‮ ‬الاحتلال‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬أضحت‮ ‬القدس‮ ‬كلها‮ ‬بمتناول‮ ‬المشروع‮ ‬والحلم‮ ‬الصهيوني‮.‬
ومنذ ذلك التاريخ بدأت مرحلة جديدة في تاريخ القدس، حيث تم إعلان القدس العاصمة الأبدية الموحدة لدولة الكيان الإسرائيلي، وبدأ التهويد الشامل على أرضية القدس الكبرى من خلال التملك القسري المستمر لأرض القدس، والتشييد على أرضية الهدم والتشريد، وإقامة الأحياء الجديدة‮ ‬لليهود‮ ‬المجلوبين‮ ‬عليها‮.‬
وظل المسجد الأقصى نصب أعين الصهاينة يترقبون كل فرصة سانحة لتدميره، ولا يتوانون لحطة في حملة العبث والتحدي أن يقتحم الشبان الإسرائيليون ساحة المسجد، والرقص والغناء وإقامة الحفلات الخلاعية فيها، والاعتداء على المصلين.
ولعل‮ ‬من‮ ‬أخطر‮ ‬الاعتداءات‮ ‬على‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى‮ ‬تلك‮ ‬السلسلة‮ ‬من‮ ‬الحفريات‮ ‬التي‮ ‬قام‮ ‬بها‮ ‬الإسرائيليون‮ ‬حوله‮ ‬وتحته‮.‬
فمنذ‮ ‬عام‮ ‬1968م‮ ‬وعلى‮ ‬الرغم‮ ‬من‮ ‬قرارات‮ ‬الهيئات‮ ‬الدولية‮ ‬المتلاحقة‮ ‬تواصل‮ ‬السلطات‮ ‬الإسرائيلية‮ ‬حفرياتها‮ ‬بحجة‮ ‬البحث‮ ‬عن‮ ‬آثار‮ ‬هيكل‮ ‬سليمان‮.‬
وتحت‮ ‬الحرم‮ ‬الشريف‮ ‬أدخلت‮ ‬إلى‮ ‬النفق‮ ‬الذي‮ ‬حفرته‮ ‬سفر‮ ‬التوراة‮ ‬وأنشأت‮ ‬بداخله‮ ‬كنيساً‮ ‬يهودياً‮.‬
وفي افتتاح هذا الكنيس قال كبير الحاخامين اليهود: (( إننا نحتفل اليوم بافتتاح هذا الكنيس، وقد أقمناه هنا تحت الحرم مؤقتاً، وغداً سنحتفل بهدم هذا الحرم وقيام كنيسنا الكبير، وإعادة بناء هيكلنا على أرضه، وهي أرضنا، ولن يبقى أحد من هؤلاء العرب الغرباء في بلادنا‮)) .‬
جريمة‮ ‬إشعال‮ ‬الحريق‮ ‬في
‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى
وفي 21/8/1969 وعند الساعة السادسة، وعشرين دقيقة صباحاً، أشعل شاب يهودي يدعى مايكل دنس وليم روهان النار في المسجد الأقصى، واستمر اشتعال النيران في المسجد حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، مما أدى إلى حرق وتدمير المقصورة الملكية بالمسجد، وحرق وإتلاف معظم خشب السقف‮ ‬الجنوبي‮ ‬منه،‮ ‬وحرق‮ ‬منبر‮ ‬نور‮ ‬الدين‮ ‬زنكي‮ ‬الذي‮ ‬وضعه‮ ‬صلاح‮ ‬الدين‮ ‬الأيوبي‮ ‬في‮ ‬موضعه‮.. ‬وأوشكت‮ ‬أن‮ ‬تصل‮ ‬النار‮ ‬إلى‮ ‬قبته‮.‬
لقد تم إحراق المسجد بطريقة لا يمكن للسلطات الإسرائيلية أن تكون بعيدة عنها، فقد قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من القيام بإطفائه، وكاد الحريق يأتي على قبة‮ ‬المسجد‮ ‬المبارك‮ ‬لولا‮ ‬استماتة‮ ‬المواطنين‮ ‬العرب‮ ( ‬مسلموهم‮ ‬ومسيحيوهم‮ ) ‬فقد‮ ‬اندفعوا‮ ‬عبر‮ ‬النطاق‮ ‬الذي‮ ‬ضربته‮ ‬قوات‮ ‬الشرطة‮ ‬الإسرائيلية،‮ ‬وتمكنوا‮ ‬من‮ ‬إطفاء‮ ‬الحريق‮.‬
وادعت إسرائيل في البداية أنَّ تماساً كهربائياً كان السبب في الحريق. ولكن تقارير المهندسين العرب أوضحت بجلاء أن الحريق كان بفعل أيدٍ مجرمة مع سبق الإصرار والتصميم، الأمر الذي اضطر الحكومة الإسرائيلية إلى الإدعاء بأنها قبضت على الفاعل وهو شاب يهودي استرالي (دنيس‮) ‬كان‮ ‬دخل‮ ‬فلسطين‮ ‬المحتلة‮ ‬قبل‮ ‬أربعة‮ ‬أشهر‮ ‬من‮ ‬وقوع‮ ‬الحريق،‮ ‬وأنها‮ ‬ستقدمه‮ ‬للمحاكمة‮. ‬ولكن‮ ‬لم‮ ‬يمض‮ ‬وقت‮ ‬طويل‮ ‬حتى‮ ‬أعلنت‮ ‬أنَّ‮ ‬دنيس‮ ‬هذا‮ ‬شخص‮ ‬معتوه،‮ ‬وأطلقت‮ ‬سراحه‮.‬
لقد‮ ‬كان‮ ‬يوم‮ ‬حريق‮ ‬الأقصى‮ ‬هو‮ ‬نفس‮ ‬يوم‮ ‬احتفال‮ ‬اليهود‮ ‬بذكرى‮ ‬تحطيم‮ ‬هيكلهم‮.‬
ردود‮ ‬الأفعال‮ ‬
لقد ثار العالم العربي والإسلامي وقامت المظاهرات في كل مكان، استنكاراً لهذه الجريمة البشعة المتعمدة بحق واحد من أهم مقدسات المسلمين في العالم، وأحد أبرز المعالم الحضارية الإنسانية ... واحتضنت مدينة الرباط المغربية الاجتماع الأول لقادة العالم الإسلامي إثر حادث إحراق المسجد، وحول الحسن الثاني رئيس المؤتمر اللقاء إلى اجتماع تأسيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي ليكون من أهم أهدافها المحافظة على الأماكن المقدسة، ودعم الكفاح الفلسطيني، وقد أعلن عن إنشاء المنظمة في عام 1970م.
ودُعي مجلس الأمن الدولي للالتئام لبحث هذه الجريمة، واستمع إلى البيانات التي ألقيت أمامه، وكانت تمثل غضب العالم من هذا العمل البشع. وبتاريخ 15/9/1969م أصدر مجلس الأمن في جلسته رقم 1512 قراراً رقمه 271 (1969) يقضي بإدانة إسرائيل لتدنيسها المسجد الأقصى، ويدعوها‮ ‬إلى‮ ‬إلغاء‮ ‬جميع‮ ‬التدابير‮ ‬التي‮ ‬من‮ ‬شأنها‮ ‬تغيير‮ ‬وضع‮ ‬القدس‮.‬
وجاء في مقدمة القرار أن مجلس الأمن يعبر عن ((حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى يوم 21/8/1969. تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي " ويدرك " الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة هذا الضرر.
وبعد أن استذكر المجلس قراراته وقرارات الجمعية العامة الخاصة ببطلان إجراءات إسرائيل التي تؤثر في وضع مدينة القدس، وبتوكيد مبدأ عدم قبول الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري، مضى يقرر أنَّ أي تدمير أو تدنيس للأماكن المقدسة أو المباني أو المواقع الدينية في القدس، أو أي تشجيع أو تواطؤ للقيام بعمل كهذا يمكن أن يهدد بشدة الأمن والسلام الدوليين. وقال المجلس إنَّ العمل المقيت لتدنيس المسجد الأقصى يؤكد الحاجة الملحة إلى أن تمتنع (إسرائيل) عن خرق القرارات التي كان المجلس والجمعية العامة قد أصدرها بخصوص القدس، وإلى أن‮ ‬تبطل‮ ‬جميع‮ ‬الإجراءات‮ ‬والأعمال‮ ‬التي‮ ‬اتخذتها‮ ‬لتغيير‮ ‬وضع‮ ‬المدينة‮ ‬المقدسة‮.‬
ودعا القرار 271(إسرائيل) إلى التقيد بدقة بنصوص اتفاقية جنيف، وبالقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري. كما دعاها إلى الامتناع عن إعاقة المجلس الإسلامي الأعلى في القدس عن القيام بمهامه، بما في ذلك أي تعاون يطلبه المجلس الإسلامي من دون أكثرية شعوبها من المسلمين،‮ ‬أو‮ ‬من‮ ‬مجتمعات‮ ‬إسلامية‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق‮ ‬بخططها‮ ‬لصيانة‮ ‬وإصلاح‮ ‬الأماكن‮ ‬الإسلامية‮ ‬المقدسة‮ ‬في‮ ‬القدس‮.‬
ودان‮ ‬المجلس‮ ‬فشل‮ ‬إسرائيل‮ ‬في‮ ‬الالتزام‮ ‬بالقرارات‮ ‬السابقة‮ ‬الصادرة‮ ‬عن‮ ‬الجمعية‮ ‬العامة،‮ ‬وحثها‮ ‬على‮ ‬إنفاذ‮ ‬نصوص‮ ‬هذه‮ ‬القرارات‮.‬
وأخيراً‮ ‬أكد‮ ‬المجلس‮ ‬من‮ ‬جديد‮ ‬أنه‮ ‬سيعود‮ ‬إلى‮ ‬الاجتماع‮ ‬لينظر‮ ‬في‮ ‬الخطوات‮ ‬التي‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يتخذها‮ ‬ضد‮ ‬إسرائيل‮ ‬إن‮ ‬هي‮ ‬أجابت‮ ‬سلباً‮ ‬أو‮ ‬لم‮ ‬تجب‮ ‬إطلاقاً‮ ‬على‮ ‬نداءاته‮.‬
ودعا المجلس الأمين العام إلى أن يتابع عن كثب تنفيذ هذا القرار، وأن يقدم إليه تقريراً في أقرب وقت ممكن.. وقد قدم الأمين العام إلى مجلس الأمن عدة تقارير أكد فيها صراحة أنَّ إسرائيل تمعن في تحديها لقرارات الأمم المتحدة، ومشاعر العالم المتحضر بتغيير معالم القدس‮ ‬ووضعها‮ ‬القانوني‮ ‬الحضاري‮.‬
فهل‮ ‬احترمت‮ ( ‬إسرائيل‮ ) ‬قرارات‮ ‬مجلس‮ ‬الأمن‮ ‬؟
لقد‮ ‬مضت‮ ‬بصلفٍ‮ ‬وعنجهية‮ ‬في‮ ‬تنفيذ‮ ‬مخططاتها‮ ‬لهدم‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى‮ ‬عبر‮ ‬الحفريات‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تتوقف‮ ‬في‮ ‬عشر‮ ‬مراحل‮ ‬على‮ ‬النحو‮ ‬التالي‮ :‬
المرحلة‮ ‬الأولى‮: ‬بعد‮ ‬حرب‮ ‬يونيو‮ ‬1967م‮ ‬مباشرة‮ ‬هدم‮ ‬المحتلون‮ ‬حي‮ ‬المغاربة‮ ‬نهائياً،‮ ‬وبدأوا‮ ‬بالحفر‮ ‬لسنة‮ ‬كاملة،‮ ‬وصل‮ ‬عمقها‮ ‬إلى‮ ‬14‮ ‬متراً‮.‬
المرحلة الثانية: استمرت عمليات الهدم في الأحياء الإسلامية مع إجلاء سكانها العرب، وأقيمت المعاهد والمدارس والاستراحات والفنادق وغيرها فوق أنقاض الأبنية العربية، وقد جرت الحفريات على امتداد 80 متراً حول السور، ومروراٍ حول الأبنية الإسلامية.
المرحلة‮ ‬الثالثة‮: ‬بين‮ ‬عامي‮ ‬70‮ ‬و‮ ‬1972م‮ ‬بدأ‮ ‬شق‮ ‬الأنفاق‮ ‬تحت‮ ‬أسوار‮ ‬المسجد‮ ‬الأقصى‮ ‬من‮ ‬جانبها‮ ‬الجنوبي‮ ‬والغربي،‮ ‬حيث‮ ‬نفذت‮ ‬إلى‮ ‬الأرضية‮ ‬الداخلية‮ ‬تحت‮ ‬ساحة‮ ‬المسجد‮.‬
المرحلة‮ ‬الرابعة‮: ‬عام‮ ‬1973م‮ ‬اقتربت‮ ‬الحفريات‮ ‬من‮ ‬الجدار‮ ‬الغربي‮ ‬للمسجد‮ ‬الأقصى،‮ ‬وتغلغلت‮ ‬مسافة‮ ‬طويلة‮ ‬تحته‮ ‬ووصلت‮ ‬أعماق‮ ‬الحفريات‮ ‬إلى‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬13‮ ‬متراً‮.‬
المرحلة‮ ‬الخامسة‮: ‬عام‮ ‬1974م‮ ‬توسعت‮ ‬الحفريات‮ ‬تحت‮ ‬الجدار‮ ‬الغربي‮.‬
المرحلة‮ ‬السادسة‮: ‬بين‮ ‬75‮- ‬1976م‮ ‬توسعت‮ ‬الحفريات‮ ‬تحت‮ ‬الجدار‮ ‬الغربي،‮ ‬وأزال‮ ‬المحتلون‮ ‬مقبرة‮ ‬للمسلمين‮ ‬تضم‮ ‬رفات‮ ‬الصحابيين‮ ‬عبادة‮ ‬بن‮ ‬الصامت،‮ ‬وشداد‮ ‬بن‮ ‬أوس‮.‬
المرحلة السابعة: عام 1977م وصلت الحفريات إلى أسفل مسجد النساء داخل المسجد الأقصى، وتمت فيها موافقة لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع يضم أقسام أخرى من الأراضي المجاورة للساحة، وهدم ما عليها بعمق 9 أمتار.
المرحلة الثامنة: عام 1979م بدأت حفريات جديدة تحت الجدار الغربي، قرب حائط البراق، وشُقَّ نفق واسع طويل تقرر الاستمرار فيه حتى يخترق المسجد الشريف من شرقه إلى غربه، وقد تم تحصين هذا النفق بالاسمنت المسلح، وأقيم فيه كنيس صغير يهودي، افتتحه رسمياً رئيس الدولة اليهودية‮ ‬ورئيس‮ ‬الوزراء،‮ ‬واتخذ‮ ‬معبداً‮ ‬مؤقتاً‮..‬
المرحلة التاسعة: خلال عام 1986م استمرت الحفريات من كل جانب، وتم جلاء أعداد كبيرة من سكان القدس القديمة، وأغلقت السلطات الإسرائيلية مشفى فلسطين داخل البلدة القديمة واغتصبت بيوتاً عربية كثيرة، وسكن أريل شارون في واحدة منها لتأكيد تهويد القدس.
المرحلة العاشرة: وفيها ازداد التوغل تحت أرضية ساحة المسجد وحوله، وتركزت الحفريات على الطبقات التحتية لتفريغها من التربة على اكتشاف الهيكل المزعوم ظاهراً من الأمر، وأماً في حقيقته فإنهم يعرضون بعملهم التخريبي هذا المسجد الأقصى للانهيار والدمار، وهم ماضون في‮ ‬مخططهم‮ ‬لا‮ ‬يحول‮ ‬بينهم‮ ‬وبين‮ ‬بلوغ‮ ‬منتهاه‮ ‬رادع‮ ‬ولا‮ ‬قرار‮ ‬دولي‮.‬
وكان المؤتمر العام الثامن عشر لليونسكو قد أصدر قراراً تاريخياً (31427) يدين (إسرائيل) لاستمرارها في إجراء الحفريات، ويدعو المدير العام إلى عدم تقديم أي عونٍ لها في ميادين التربية والتعليم والثقافة إلى أن تحترم بدقة القرارات التي سبق صدورها في هذا الشأن عن المؤتمر العام والمجلس التنفيذي (القرارات 15/م/324 ، 3-422،3).وعلى الرغم من ذلك استمرت في حفرياتها وعبثها بالطابع الحضاري للقدس عموماً والمسجد الأقصى على وجه الخصوص تمهيداً لضم المدينة إليها وتهويدها، فقد قفز الاستيطان اليهودي في مدينة القدس قفزات مذهلة، فبعد أن كان عدد العرب في القدس عام 1967م (66000) وعدد اليهود (200000) أصبح عدد العرب عام 1992م (15000) وعدد اليهود (409000)، وازدادت حملة التهويد والاستيطان إثر انعقاد مؤتمر مدريد، وبدء مفاوضات السلام حيث حصلت ( إسرائيل ) على ضمانات قروض بقيمة عشرة مليارات دولار‮ ‬من‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة‮ .. ‬وتعرض‮ ‬العرب‮ ‬للاعتداءات‮ ‬المباشرة‮ ‬على‮ ‬بيوتهم،‮ ‬وإخراجهم‮ ‬منها‮ ‬بالقوة‮ ‬لتقيم‮ ‬في‮ ‬بيوتهم‮ ‬عائلات‮ ‬يهودية‮.‬
تهويد
وإذاً لم يكن الاعتداء على المسجد الأقصى وإحراقه في الحادي والعشرين من أغسطس 1969م. إلا واحداً من اعتداءات الكيان الصهيوني وأعمالهم الإجرامية المتكررة منذ وقت مبكر، والتي تعكس أطماعهم في السيطرة على الأماكن المقدسة في فلسطين والاستيلاء عليها بشتى الوسائل، بهدف إزالة معالمها والعمل على تهويد مدينة القدس على خلفية نصوص تلمودية لليهود وتوراة محرفة أحلت يهوه محل الله ثم جعلته إلهاً لبني إسرائيل وحدهم من دون الشعوب الأخرى، ثم جعلتهم شعب الله المختار، وأما غيرهم من البشر حسب توراتهم المحرفة فيطلقون عليها اسم " جوييم " أو الأغيار، ويجيزون قتلهم وسفك دمائهم، واستباحة أعراضهم وأموالهم وديارهم، وهذا الاعتقاد المنحرف المسيطر على العقلية اليهودية عبر العصور، هو الذي يدفعهم إلى انتهاك كل حقوق الإنسان، والضرب بكل الشرائع الدولية بعرض الحائط، ويعتقدون أن كل ذلك هو من دينٍ واجب‮ ‬الاتِّباع‮.. ‬وهذا‮ ‬ما‮ ‬يفسر‮ ‬لنا‮ ‬تعطشهم‮ ‬لسفك‮ ‬الدماء‮ ‬وارتكاب‮ ‬المجازر،‮ ‬وارتكاب‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬جرائم‮ ‬الحرب،‮ ‬وجرائم‮ ‬متنوعة‮ ‬ضد‮ ‬الإنسانية‮ ‬بعامة‮. ‬
ولقد‮ ‬جاء‮ ‬في‮ ‬البروتوكول‮ ‬الأول‮ : ‬
الحق يكون في القوة، هذا هو قانون الطبيعة، إنّ السياسة لا تتفق مع الأخلاق في شيء، والحاكم المقيد بالأخلاق ليس بسياسيٍ بارع، وهو لذلك غير راسخ على عرشه، لابد لطالب الحكم من الالتجاء إلى المكر والرياء، فإن شمائل الإنسانية العظيمة من الإخلاص والأمانة تصير رذائل في السياسة، وأنها لتبلغ في زعزعة العرش أعظم مما يبلغه ألد الخصوم . هذه الصفات لابد أن تكون هي خصال البلاد الأممية ( غير اليهودية )، فالغاية تبرر الوسيلة، وعلينا- ونحن نضع خططنا- ألاّ نلتفت إلى ما هو خير وأخلاقيٌ، بقدر ما نلتفت إلى ما هو ضروري ومفيد...
لقد أمكن للفكر السياسي الصهيوني أن يحوّل فكرة الشعب اليهودي بالمعنى السياسي وفكرة الدولة اليهودية ككيان سياسي، وأن ينتقل بمنهجية من مرحلة التصورات النظرية الرامية إلى خلق دولة كما يبدو ذلك في مؤلف ثيودور هرتزل (الدولة اليهودية) إلى مرحلة ما بعد قيام الدولة، والمضي في تنفيذ المشروع الصهيوني بشقيه السياسي الاستيطاني، والعولمة الإسرائيلية على نطاق إقليمي، كما يبدو ذلك في مؤلف شمعون بيريز ( الشرق الأوسط الجديد ) وفي مؤلف بنيامين نتنياهو ( مكان تحت الشمس )، وما هو متحقق ويجري على أرض الواقع، حتى في ظل التسوية السلمية‮ ... ‬
ففي‮ ‬29‮ ‬أغسطس‮ ‬1997م‮ ‬احتفل‮ ‬بذكرى‮ ‬مرور‮ ‬مائة‮ ‬عام‮ ‬على‮ ‬بداية‮ ‬المشروع‮ ‬الصهيوني‮ ‬الذي‮ ‬تحول‮ ‬فيه‮ ‬حلم‮ ‬هرتزل‮ ‬إلى‮ ‬قوة‮ ‬إقليمية‮ ‬عظمى‮ ‬تحتل‮ ‬أراضي‮ ‬ثلاث‮ ‬بلدان‮ ‬عربية‮!..‬
وفي شهر مايو 1998م، احتفل الإسرائيليون بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء دولتهم فوق أرض فلسطين... ولكن أيُ دولة؟ إنها تختلف عن غيرها من الدول، فهي دولة عنصرية استيطانية توسعية وهي لذلك دولة جيش، وقد عبر عن هذا البروفسور إسرائيل شاحاك بقوله: " إنّ من الممكن تعريف‮ ‬المجتمع‮ ‬اليهودي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬على‮ ‬أنه‮ ‬جيش‮ ‬له‮ ‬دولة،‮ ‬وليس‮ ‬دولة‮ ‬لها‮ ‬جيش‮ ".‬
فمتى‮ ‬وكيف‮ ‬يواجه‮ ‬النظام‮ ‬العربي‮ ‬بمشروعه‮ ‬النهضوي‮ ‬الحضاري‮ ‬المشروع‮ ‬الصهيوني‮ ‬العنصري‮ ‬الاستيطاني‮ ‬التوسعي؟‮... ‬وقد‮ ‬أعلن‮ ‬الأخ‮ ‬عمرو‮ ‬موسى‮ ‬أمين‮ ‬عام‮ ‬جامعة‮ ‬الدول‮ ‬العربية‮ ‬مؤخراً‮ ‬فشل‮ ‬السلام‮.‬
إن‮ ‬صيانة‮ ‬مقدساتنا‮ ‬وحمايتها‮ ‬من‮ ‬الاعتداءات‮ ‬الإسرائيلية‮ ‬،‮ ‬والانتصار‮ ‬لحقوق‮ ‬شعبنا‮ ‬الفلسطيني‮ ‬وكرامة‮ ‬أمتنا‮ ‬رهنٌ‮ ‬بإصلاح‮ ‬النظام‮ ‬العربي‮ ‬والعمل‮ ‬بجدية‮ ‬لإنفاذ‮ ‬مشروعه‮ ‬القومي‮ ‬بإرادة‮ ‬سياسية‮ ‬عربية‮ ‬موحدة‮.‬

‮❊ ‬عضو‮ ‬مجلس‮ ‬الشورى‮..‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 09:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-387.htm