الإثنين, 21-أغسطس-2006
د.نجيب غلاب: -
- استطاع المؤتمر ان يحدد بوضوح معنى ومغزى الهوية اليمنية، فالاسلام عقيدة وشريعة ومبادئ الثورة اليمنية والحقائق الخمس المستقاة من تجربة التاريخ اليمني والمبادئ الدستورية التي تشكل خلاصة الهوية اليمنية شكلت الاصول الفكرية التي بنى عليها الميثاق هوية أهل اليمن وهذه الاصول مدعومة بمبادئ أصيلة شكل الولاء الوطني جوهرها فأصبحت الهوية متجسدة فيه وهو محمّل بالهوية العربية والاسلامية ولا يتناقض معهما بل خلق الميثاق انسجاماً وتناغماً يعبر عن الواقع اليمني، فاليمني يشعر أنه يمني عربي مسلم،والوطن اليمني أصل في مركب الهوية وهذا لا يعني التقليل من عروبة اليمن وإسلاميته فاليمن دولة عربية مسلمة، كما أن البنية الفكرية للميثاق مفتوحة ومرنة ومؤسسة على الحرية وهذا يجعل من إعادة بناء الهوية مسألة ضرورية للتوافق مع متغيرات الواقع وحاجياته.
وشكل الولاء الوطني مع الحرية والديمقراطية والوحدة اليمنية والعدالة الاجتماعية مرتكزات فاعلة في خلق الانسجام والتوافق في بنية الهوية اليمنية، بمعنى آخر أن التركيب الذي اعتمده الميثاق للهوية يرسخ الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن ويجعلهم قادرين على الحفاظ على السيادة‮ ‬والاستقلال‮ ‬والانفتاح‮ ‬على‮ ‬العالم‮ ‬والخوض‮ ‬فيه‮ ‬والاستفادة‮ ‬من‮ ‬التجارب‮ ‬الانسانية‮ ‬دون‮ ‬خوف‮ ‬على‮ ‬ذوبان‮ ‬الذات‮ ‬في‮ ‬الآخر‮ ‬وهذه‮ ‬هي‮ ‬الطريق‮ ‬التي‮ ‬جعلت‮ ‬من‮ ‬اليمنيين‮ ‬شعباً‮ ‬قادراً‮ ‬على‮ ‬صناعة‮ ‬الحضارة‮.‬
وهذا البناء الواقعي للهوية مؤسس على حقائق من الواقع ولم يتم اختراعها أو استقاؤها من واقع مختلف فالتاريخ اليمني وواقعنا الراهن يؤكد أن الانتماء لليمن يعني انتماء للعروبة والاسلام وعليه فإن جعل الاسلام عقيدة وشرعية الأصل الفكري الأول في بنية الميثاق تجسيد لحقيقة لا يمكن تجاوزها مثلها مثل الثورة اليمنية التي عبرت مبادئها عن خلاصة أهداف أبناء اليمن، مع ملاحظة أن القيم التي عبر عنها الميثاق تنتهي بالولاء الوطني كمحدد جوهري للهوية ولا يعني هذا تجاوزاً لقيم العروبة أو الاسلام بل هي محتواه في عمقه ليصبح الولاء الوطني طريقاً الى الهوية ففيه تكون اهداف وطموح وغاية اليمنيين أكثر فاعلية وقدرة على الحفاظ على الذاتية اليمنية ويمثل المشروع الوطني الذي رسم معالمه الميثاق الوطني المحدد الفعلي للهوية، والولاء الوطني هو التعبير الصادق عن الانتماء للدولة الوطنية اليمنية التي تتماهى‮ ‬معها‮ ‬الهوية‮ ‬إلى‮ ‬درجة‮ ‬التطابق،‮ ‬فيصبح‮ ‬ولاء‮ ‬الفرد‮ ‬وانتماؤه‮ ‬للدولة‮ ‬التي‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬الجميع‮ ‬وتمنحهم‮ ‬التميز‮ ‬والفرادة‮ ‬عن‮ ‬غيرهم‮.‬
هذه الصياغة الواضحة لمعنى الهوية التي قدمها وأسس لها الميثاق بصورة واضحة لا لبس فيها ولا خداع ولا تزييف منحها قوة وعمق وأعطاها القدرة على تجاوز التفسيرات التي سعت لاخراج الهوية اليمنية من مساراتها الواقعية لصالح هويات لا علاقة لها بالناس وواقعهم.
وهذا الحسم شكل المدخل الفعلي لاستقلال اليمن وحريته في تحديد خياراته وجعل حركته تتجه بوضوح لخدمة مصالح أبنائه وبما لا يتناقض مع مصالح العرب والمسلمين، والهوية التي أعاد بناؤها الميثاق الوطي وجعلها منفتحة ومرنة وقادرة على خوض غمار التواصل الإنساني هي هوية سلمية لا تؤسس للصراع مع الآخر بل يظل السلم والأمن الدوليان هدفاً جوهرياً في بنيتها، ومقاومة الظلم والدفاع عن الشعوب المظلومة مبني على توافق بين الهوية وما أنتجه العقل الانساني من قيم انسانية والتي تجسدت في القانون الدولي وهذا ما جعل من اليمن دولة مسالمة داعية‮ ‬للسلام‮ ‬والتعاون‮ ‬الدولي‮ ‬ورافضة‮ ‬استخدام‮ ‬القوة‮ ‬في‮ ‬العلاقات‮ ‬الدولية‮ ‬وتطالب‮ ‬بشكل‮ ‬دائم‮ ‬بمعايير‮ ‬واضحة‮ ‬وعادلة‮ ‬لتحقيق‮ ‬العدالة‮ ‬السياسية‮ ‬والاقتصادية‮ ‬على‮ ‬المستوى‮ ‬الدولي‮.‬
عمل المؤتمر بجد واخلاص منذ تأسيسه على ترسيخ الشعور بالولاء الوطني كرابط قوي وأصيل وحقيقي لأبناء اليمن مدعوماً بالحرية وثقافة الحوار والنقاش والتعاون والتأسيس للآليات الديمقراطية ونشر ثقافتها بين الناس ومنح الناس حرية التعبير والفكر مما جعله قادراً على التعامل والسماح للولاءات الدنيا ان تعمل بدون تعصب لأن التعصب لا يثمر إلا الشر والدمار والخراب وهذا السماح محكوم بمبدأ الولاء اولاً واخيراً للوطن فالسمو والاصل هو الدولة، والولاء لها تعبير عن الولاء الوطني.
من الواضح أن الهوية التي يؤسس لها الميثاق ليست هوية منغلقة بل هوية تحكمها الثوابت المرنة القابلة لإعادة البناء والتفاعل مع التغيّر الحاصل في المجتمع بفعل الأحداث المتلاحقة محليا وأقليميا وعالميا، فالتحولات الدولية المتلاحقة في شتى جوانب الحياة والتواصل والتثاقف بين شعوب الأرض يولد تحديات لا حصر لها وهذا يتطلب الانفتاح على العالم واستيعاب كل جديد فيه ولا خيار غير ذلك لان التقوقع ومحاصرة الذات حول مقولات جامدة يعني الاستسلام لقوى الهيمنة في المنظومة الدولية والتحول إلى ضحية خائفة من الآخر فتصبح المقاومة بمفهومها‮ ‬السلبي‮ ‬الرافض‮ ‬للمدخلات‮ ‬الانسانية‮ ‬هي‮ ‬المهيمنة‮ ‬وتتحول‮ ‬إلى‮ ‬طريقة‮ ‬لمحاصرة‮ ‬الذات‮ ‬والبحث‮ ‬عن‮ ‬مشاريع‮ ‬في‮ ‬الازمنة‮ ‬الماضية‮. ‬
وخلاصة القول ان المشروع الوطني الذي تجسد في الميثاق هو المعبر عن الهوية اليمنية وهذه النقلة النوعية والفريدة التي أحدثها الفكر المؤتمري قلَّ أن نجد لها مثيلاً في الوطن العربي فالهوية تحولت إلى مشروع سياسي واقعي واضح المعالم يناضل ابناء اليمن من اجله، وهو يعبر‮ ‬عن‮ ‬حاضر‮ ‬اليمنيين‮ ‬ومستقبلهم‮ ‬وتم‮ ‬بناؤه‮ ‬على‮ ‬اساس‮ ‬الهوية‮ ‬كما‮ ‬شكلها‮ ‬التاريخ‮ ‬واحداثه‮ ‬وتحولاته،‮ ‬وهذا‮ ‬ربما‮ ‬يفسر‮ ‬قدرة‮ ‬المؤتمر‮ ‬على‮ ‬نيل‮ ‬الثقة‮ ‬الشعبية‮ ‬في‮ ‬دورات‮ ‬أنتخابية‮ ‬متلاحقة‮.‬
الهوية‮ ‬المؤدلجة‮ ‬والصراع‮ ‬على‮ ‬السلطة
وهذا الحسم كان نتاج اختيار حر من قبل المجتمع الذي امتلك الحرية الكاملة في تحديد القيم التي رسمت معالم هويته، ومحاولات النخب المؤدلجة التي تؤمم حرية الناس وتقوم بتحديد هويتهم اعتماداً على تفسيرات الايديولوجية للواقع، تحول الهوية إلى عقيدة ولكنها تصبح شعارات بلا معنى لدى الناس لأنها لا تعبر عن هويتهم كما هي بالواقع، بل هوية متخيلة ومتعالية وحالمة، تتجاوز التاريخ والثقافة التي صاغها المجتمع وميزته عن غيره، أو الإعلاء من شأن هوية ما قبل الدولة وتحويلها إلى عقيدة سياسية وجعلها أصلاً.
ورغم أن المؤتمر استطاع أن يحل إشكالية الهوية إلا أن هذه الإشكالية هي المهيمنة على كثير من التيارات السياسية في الساحة وهذا سبب مشاكل كثيرة لليمن وادخله في صراعات أفسدت عليه التركيز على البناء والتعمير وأدخلته معمعة صراع العقائد السياسية ولما يتجاوزها حتى الآن‮ ‬ويمكننا‮ ‬فهمها‮ ‬من‮ ‬خلال‮ ‬فحص‮ ‬الهويات‮ ‬التي‮ ‬تهيمن‮ ‬على‮ ‬فكر‮ ‬النخب‮ ‬السياسية‮.‬
فالاحزاب‮ ‬السياسية‮ ‬ذات‮ ‬النزوع‮ ‬الايديولوجي‮ ‬مازالت‮ ‬تتعامل‮ ‬مع‮ ‬الهوية‮ ‬كعقيدة‮ ‬وهذا‮ ‬يجعل‮ ‬الولاء‮ ‬لدى‮ ‬اعضاء‮ ‬الحزب‮ ‬للحزب‮ ‬وعقيدته‮ ‬أو‮ ‬للجماعة‮ ‬وفكرها‮ ‬اقوى‮ ‬واعمق‮ ‬من‮ ‬الولاء‮ ‬والانتماء‮ ‬الى‮ ‬الوطن‮ ‬ككل‮.‬
فالهوية لدى الاحزاب القومية منحازة لصالح الدولة الكبرى، والتيارات الاسلامية المنظمة كالاخوان والحوثية وغير منظمة كالسلفيين تمثل الدولة الوطنية دولة غير معبرة عن الاسلام ودولته المتمثلة في الخلافة أو الامامة وهذا ما يجعل الاخواني المصري متفقاً مع الاخواني اليمني في الكثير من المقولات الفكرية ومختلفاً مع السلفي اليمني والحوثي الأثنى عشري والعكس صحيح وكلاهما متفارق مع العلماني الوطني وهذه الولاءات في عمقها متناقضة مع البناء الوطني للهوية اليمنية التي تعبر عنها الدولة ودستورها الناظم لها، وهذا ربما يفسر المقالات‮ ‬والتصريحات‮ ‬التي‮ ‬ترفض‮ ‬شرعية‮ ‬النظام‮ ‬السياسي‮ ‬بما‮ ‬يعني‮ ‬رفض‮ ‬الدستور‮ ‬ونسفاً‮ ‬لفكرة‮ ‬الدولة‮ ‬اليمنية‮.‬
وانخراطها في اللعبة السياسية لا يعني أنها حسمت أمرها لصالح الدولة الوطنية فالتيارات الفكرية القومية والاسلامية لديها شقاء في وعيها فهي تتعامل مع الدولة الوطنية وفي اللاوعي لا تعترف بها وتتعامل مع الحاكم الوطني ولا تعترف بشرعيته لأنه مغتصب للسلطة.
ويعمق الشقاء لدى المؤدلج أن طاعة الحاكم إذا ما استثنينا السلفية التقليدية تهدد البناء العقدي له ومقاومة الحاكم مسألة صعبة بفعل قوة الدولة واحتكار الحاكم بشكل شرعي لكل وسائل العنف في المجتمع وشرعيته الشعبية والاقليمية والدولية فلا يجدون امامهم إلا بناء مقولات‮ ‬عقلية‮ ‬مخادعة‮ ‬وتبريرية‮ ‬ومؤسسة‮ ‬على‮ ‬المثالية‮ ‬الفكرية‮ ‬الرافضة‮ ‬للدولة‮ ‬ومؤسساتها‮.‬
هذه المقولات العقلية تقبل التعامل مع الدولة الوطنية ولكنها كقنطرة للدولة الكبرى القومية او دولة الخلافة أو دولة الامام أو ولي الفقيه وهذه التبريرات هدفها الفعلي أرضى الضمير المؤدلج حتى يمارس السياسة ويدافع عن مصالحه، ولكنه عند ممارس السياسة في ظل انفتاح سياسي يقوم على التعددية والانتخاب فأن بعض النخب المؤدلجة تجد أنها لا تمثل إلا نفسها فالاصوات التي تحصل عليها ضئيلة مقارنة بالاحزاب ذات الهوية الوطنية الخالصة، فتجد نفسها تغرق في تفسيرات كلها تسلب الحاكم والدولة شرعية الوجود، والخطير في الأمر أن البعض يمارس الفساد والتخريب دون ان يرف له جفن ويبرر الخبثاء هذا السلوك بضرورة إضعاف دولة الظلم ومغتصب السلطة، فالدولة الوطنية لا تعبر عن الحلم بل تمثل العائق للحلم فالعمل من اجلها إثم وفساد، وهذه التبريرات ليست إلا تعبيراً عن أنانية قذرة تمنح الفعل الفاسد شرعية دينية أو‮ ‬قومية‮.‬
أما البعض الآخر فيتعامل بشكل مختلف حتى يحمي مصالحه من خلال الاغراق في الولاء والانتماء للتكوينات الاولية.. انتماءات ما قبل الدولة في المجتمع فيعمل على تعبئة الناس وتصبح هي الاساس والجوهر في تحديد حركته. والدولة ليست إلا محلاً لتحقيق المصالح ويتم تأسيس شرعية‮ ‬الحضور‮ ‬والممارسة‮ ‬على‮ ‬أساس‮ ‬الانتماء‮ ‬والتعصب‮ ‬للكيان‮ ‬الطائفي‮ ‬أو‮ ‬القبلي‮ ‬أو‮ ‬المناطقي‮.‬
فالثقافة الوطنية والانتماء المدني لفكر الدولة الوطنية لا يحقق مصالحه فيعمل على اضعافه وقد لعب بعض أعضاء النخبة الحزبية دوراً كبيراً في ترسيخ هذا السلوك المتناقض مع فلسفة الهوية الوطنية التي تتجسد في الدولة والقانون الناظم لها، فمازال التعصب للقبيلة والمنطقة‮ ‬والطائفة‮ ‬من‮ ‬العوائق‮ ‬التي‮ ‬تحد‮ ‬من‮ ‬التأسيس‮ ‬للدولة‮ ‬الوطنية‮ ‬الحديثة‮ ‬بحيث‮ ‬يصبح‮ ‬الانتماء‮ ‬لها‮ ‬هو‮ ‬الاصل‮ ‬وما‮ ‬يتناقض‮ ‬معها‮ ‬يشكل‮ ‬سلوكاً‮ ‬غير‮ ‬شرعي‮.‬
وتأسيس الهوية على البعد الطائفي أو المناطقي أو القبلي وممارسة السياسي من خلالها يؤسس للصراع بوجهه القبيح ويصبح العنف افرازاً طبيعياً لذلك، لأن النخبة توظف الهوية لتعبئة أبناء الطائفية، والكاسب من هذا السلوك هي النخب أما الناس فهم المحرقة وتعمل النخبة من أجل‮ ‬تحقيق‮ ‬طموحها‮ ‬على‮ ‬تحويل‮ ‬هوية‮ ‬الطائفة‮ ‬إلى‮ ‬عقيدة‮ ‬سياسية‮ ‬فيصبح‮ ‬الاختلاف‮ ‬مع‮ ‬الآخر‮ ‬قائماً‮ ‬على‮ ‬الكراهية‮ ‬والحقد‮ ‬ويصبح‮ ‬الآخر‮ ‬الوطني‮ ‬منافس‮ ‬للذات‮ ‬كهوية‮ ‬وللمصالح،‮ ‬فيكون‮ ‬الالغاء‮ ‬والاقصى‮ ‬نتيجة‮.‬
وهذا يولد الصراع ويمثل العراق لبنان، كوسوفو، راوندا، السودان حالات واضحة لخطورة تحويل ولاءات ماقبل الدولة إلى عقيدة سياسية، وحالة السودان مثال بارز كيف يمكن للنخب أن تفجر حروباً أهلية باستخدام الهوية العرقية فالحرب قائمة على أساس اثني وتم تحويل العرق إلى هوية‮ ‬سياسية‮ ‬فأصبح‮ ‬أداة‮ ‬في‮ ‬الصراع‮ ‬على‮ ‬السلطة‮ ‬فجر‮ ‬حرباً‮ ‬في‮ ‬دارفور‮ ‬بين‮ ‬الأخوة‮ ‬المسلمين‮ ‬السودانيين‮.‬
النخب‮ ‬المؤدلجة‮ ‬وصناعة‮ ‬الوهم‮ ‬والمؤامرة
تعمل الايديولوجيا أبتدءاً على تكوين نخبة يتم إعادة صياغتها وفق الهوية المطلوبة لتعمل من أجل تعميمها وتصبح الهوية اداة لتعبئة الانصار أي أن الفكر المؤدلج يصارع الواقع من خلال الهوية التي كوَّنها ولأنها حقيقة مطلقة ونهائية وغير قابلة للنقاش فإن مقاومتها أو الاعتراض‮ ‬عليها‮ ‬يدخل‮ ‬المرء‮ ‬في‮ ‬دائرة‮ ‬الكفر‮ ‬والعصيان،‮ ‬وهذا‮ ‬يدخلها‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬من‮ ‬الصراع‮ ‬مع‮ ‬الآخر‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج‮.‬
فإذا كانت في المعارضة فإنها تمارس الخداع وتتبنى استراتيجية مهادنة لأن الصراع مع الآخر في الداخل أو الخارج يضعفها لأنها ضعيفة بسبب اعتمادها على المقولات الناجزة في التعامل مع الواقع فهي عاجزة عن الابداع والخلق وإعادة البناء والتعمير بسبب الفكر الحاكم لها لانها‮ ‬تتعامل‮ ‬معه‮ ‬كحقائق‮ ‬غير‮ ‬قابلة‮ ‬للنقد‮ ‬وبالتالي‮ ‬لا‮ ‬تقدم‮ ‬للواقع‮ ‬إلا‮ ‬الصراع‮ ‬والانغلاق‮.‬
والمهادنة تسمح لها بالعودة إلى الواقع وتوظيف أدواته لتنقلب عليه لاحقاً وهذا ما يجعل شهوتها للسلطة طاغية على سلوكها وفكرها فالسلطة هي الحل لتعميم الهوية من خلال استخدام أدواتها وهكذا تمارس النخبة سياسات قهرية لإحداث التغيير المطلوب لصالح الهوية التي تدافع عنها،‮ ‬وهذا‮ ‬السلوك‮ ‬يفرز‮ ‬أنظمة‮ ‬مستبدة‮ ‬وطاغية‮ ‬وأن‮ ‬ادعت‮ ‬أنها‮ ‬تمثل‮ ‬الشعب‮ ‬أو‮ ‬تمثل‮ ‬إرادة‮ ‬الله‮.‬
فالمشكلة الأكثر عمقاً لدى الحزب المؤدلج تحويل الهوية إلى عقيدة وهذا يجعل منها دعوة للانغلاق على الذات وحالة خوف وريبة وشك من الآخر، وهذا يقود إلى الصراع والتنازع مما يعمق التقوقع على الذات ومقاومة الجديد ومحاربة الابداع، وهكذا تصبح الهوية بفعل الجمود بوابة‮ ‬للضعف‮ ‬والهزيمة‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬الرضوخ‮ ‬والاستلاب‮ ‬والتبعية‮ ‬للآخر،‮ ‬فتتورط‮ ‬فيما‮ ‬تخاف‮ ‬منه‮.‬
فالهوية المنغلقة التي تُعلي من شأن نفسها وتنفي الآخر تنصب لنفسها الفخاخ التي تعيق حركتها وتورد نفسها في مهالك وتمارس الانتحار ببطء بلا وعي وتقع في ما كانت تخاف منه وكلما وقعت زاد انغلاقها وتدخل في مواجهة مع الآخر يحفظ لها بقايا عزتها لكنها مع الوقت تنتهي في‮ ‬مجموعة‮ ‬مغلقة،‮ ‬متناقضة‮ ‬مع‮ ‬واقعها‮ ‬فينتهي‮ ‬بها‮ ‬الأمر‮ ‬اما‮ ‬بالعزلة،‮ ‬أو‮ ‬ممارسة‮ ‬العنف‮ ‬ضد‮ ‬الكل‮.‬
فنظرية المؤامرة مثلا تتعمق لدى التيارات التي تعتقد أنها تمتلك الحقيقة فالهوية المطلقة والنهائية المعبرة عن الحق والصواب تغرق نفسها في الحذر والخوف من الآخر وتصبح كل المصائب وأي تعثر أو أخطاء مرده الآخر المتآمر وهي محاولة لتبرئة الذات وتجاوز الواقع وسلبياته‮ ‬ومشاكله‮ ‬وتناقضاته‮ ‬وعجز‮ ‬الفكر‮ ‬المؤدلج‮ ‬التعامل‮ ‬مع‮ ‬الواقع‮ ‬وفشله‮ ‬في‮ ‬حل‮ ‬مشاكله‮.‬
فيلجأ الى المخادعة باتهام الآخر وهنا الآخر قد يكون في الداخل ولكن يتم إلحاقه بالخارج المستعمر ويصبح هو العدو الخائن انها حالة واضحة لتزييف الواقع بقراءته بالمفاهيم والقيم الايديولوجية التي تجعل من الأنا مقدساً وهذا يجعلها تولد حالة استعلاء في التعامل مع الآخر‮ ‬وتجعل‮ ‬منه‮ ‬شراً‮ ‬مطلقاً‮ ‬ويصبح‮ ‬فشلها‮ ‬منوطاً‮ ‬به‮.‬
فالقومي المؤدلج ممتلىء بالشك والريبة من الآخر مما أفسد عليه الانفتاح على العالم والانخراط فيه وساعدت على تكوين عقلية تحكمها المؤامرات فتعمق خوفها من الداخل فإن كان القومي حاكما حاربته واقصته وحاصرته وقضت على كل حركة سياسية ووصمتها بالخيانة والعمالة وان كان في المعارضة فيغلب عليه هاجس أن كل حدث وراءه العدو المتربص دائما بالامة وأي تعاون مع الآخر يمثل مؤمرة ضد العروبة وأهلها ومازالت عقلية المؤامرة تحكم العقل القومي ومع عمق الهزيمة تتعمق المؤامرة ليصبح تاريخنا كله مؤسساً على المؤامرة، لاحظ تعامل الوحدوي الناصري‮ ‬مع‮ ‬قضايا‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج‮.‬
والاسلام السياسي عند تفسيره للتاريخ فإنه يتهم الآخر بما في ذلك المسلم فالشيعي يرى أن السنه تآمروا عليه عبر التاريخ والسني يرد هزائم المسلمين للخونة الشيعة وليست حالة العراق إلا آخر فصول الشك والكثير يعتقد أن الصراع بين المسلمين في مراحله الأولى سببه تآمر اليهود على الاسلام ويمتد تآمر اليهود ليشمل الاديان والحضارات الأخرى غير الاسلامية، فأمريكا يحكمها اليهود ويبالغ البعض ليصبح الغرب كله محكواًم من قبل اليهود وأي نظام عربي لا يعجب العقل المؤدلج يصبح تابعاً لليهود بل يرد أصول بعض الحكام إلى اليهود، وأي سياسي في‮ ‬الداخل‮ ‬لا‮ ‬يعجبه‮ ‬ويتمتع‮ ‬بذكاء‮ ‬وقدرات‮ ‬عالية‮ ‬يتم‮ ‬إلحاقه‮ ‬باليهود‮.‬
وأنا هنا لا أدافع عن الصهيونية وأعتبر اليهود الصهاينة أعداء للعرب والمسلمين ولكني أحترم الديانة اليهودية واحترم دينهم واؤمن بكل أنبيائهم. وهكذا أصبحت المؤامرات طريقاً لبناء الهوية فالحل الحاسم بناء تنظيمات قوية وبعث ثقافي وجهاد سياسي وتغيير شامل وجذري لاقامة دولة الاسلام، ولا يمكن تأسيسها إلا على الهوية والهوية ليست واحدة لدى تيارات الاسلام السياسي فكل تيار له تفسيره الخاص به ولكنها جميعا حولت الهوية إلى عقيدة منجزة ونهائية واي ادخال عليها يعني ذوباناً وهزيمة وهذا يفسر انغلاقهم على العالم.
الفكر‮ ‬المؤدلج‮ ‬وصناعة‮ ‬هوية‮ ‬
مناقضة‮ ‬للدولة
والنخب المؤدلجة متناقضة مع الواقع لسبب بسيط أن البناءات الفكرية لها لا تشتغل مع الواقع بطريقة صحيحة رغم سعيها لتنميط الناس كما أن بناء هوية مؤسسة على الفكر المؤدلج لا على الواقع بكافة تفاصيله يدخلها في مأزق فكري وعملي ويدفعها نحو الصراع مع الناس والآخر في الداخل‮ ‬والخارج‮.‬
لنضرب مثلاً بالمحاولات التي مارستها القوى اليسارية في فهم التاريخي اليمني والعربي وصراعها مع المجتمع من اجل تعميم المقولات والمفاهيم والتفسيرات التي أنتجها الفكر الاشتراكي، فالهوية التي حاول أن يؤسس لها اليسار هوية طبقية وهوية انسانية حالمة، لا علاقة لها باليمن وأهله، ومحاولة تجاوز الهوية الوطنية والعربية ونفي الهوية الاسلامية، أوقعت الناس والنخبة في الهويات الاثنية بشتى أنواعها الدينية أو القبلية أو المناطقية ومازال جزء من النخبة غارق حتى الثمالة في الهويات الدنيا، انظر مثلاً التمسك بالهوية الجنوبية وتحويلها‮ ‬إلى‮ ‬شعار‮ ‬لإدارة‮ ‬الصراع‮ ‬على‮ ‬السلطة‮ ‬والثروة‮. ‬
مثال آخر تمارسها التيارات الدينية المعاصرة التي قامت بإعادة تفسير الأسلام ليصبح التاريخ الذي أنتجه الناس لا علاقة له بالاسلام وأن الواقع الراهن ليس إلا جاهلية وفي أحسن الأحوال يحيط به الفساد من كل جانب على مستوى التصور والسلوك، وهنا يتم نفي كل شيء في حياة الناس‮ ‬لصالح‮ ‬القيم‮ ‬الاسلامية‮ ‬بالصورة‮ ‬التي‮ ‬تطرحها‮ ‬النخبة،‮ ‬ويصبح‮ ‬الولاء‮ ‬للجماعة‮ ‬وماتنتجه‮ ‬من‮ ‬فكر‮ ‬وسلوك‮ ‬هو‮ ‬الاصل‮ ‬وكل‮ ‬ما‮ ‬يتناقض‮ ‬معهما‮ ‬هو‮ ‬الآخر‮ ‬لذا‮ ‬لابد‮ ‬من‮ ‬البراءة‮ ‬منه‮.‬
الهوية الاسلامية لا خلاف عليها مطلقاً ولكن أدلجة الاسلام وتحويله إلى المحدد الوحيد للهوية وبتفسير وحيد يخلق مشاكل لا حصر لها، فالقراءات السلفية مختلفة عن الأخوانية والسنية عن الشيعية للاسلام، لكنها جميعا تبني هوية عقدية مؤسسة على المفاصلة مع الآخر والآخر قد يكون في الداخل أو الخارج، وهذا يؤسس للتناقض والمغايرة وتصبح ممارسة السياسة لا تقوم على الممكن والتسويات، وبالتالي فالديمقراطية تصبح مقبولة لإدارة الصراع بين القوى المتشابهة عقديا والمختلفة على المصالح، لذلك نجد أن الفقهاء في ايران أسسوا الدولة على المذهب‮ ‬ولا‮ ‬يحق‮ ‬لأحد‮ ‬حتى‮ ‬الشيعي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يؤمن‮ ‬بنظرية‮ ‬ولاية‮ ‬الفقيه‮ ‬أن‮ ‬يتولى‮ ‬أي‮ ‬منصب‮ ‬داخل‮ ‬الدولة‮ ‬حتى‮ ‬بشكل‮ ‬ديمقراطي،‮ ‬فالاقلية‮ ‬منفية‮ ‬سياسيا،‮ ‬ومحاصرة‮ ‬ثقافيا‮.‬
وتبرز اشكالية الولاءات الدنيا في المجتمع عندما تقوم بعض القوى المعارضة أو الأفراد الطامحين خارج الحكم أو داخله باستخدامها في الصراع السياسي، في هذه الحالة تنشأ وضعية معكوسة تتضخم فيها الولاءات الدنيا وتهدد الدولة ويصبح الالتزام بقيم القبيلة أو الطائفة هي الاصل‮ ‬إذ‮ ‬بدونها‮ ‬تضيع‮ ‬المصالح‮ ‬وتصبح‮ ‬الهوية‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحالة‮ ‬مشوشة‮ ‬وغير‮ ‬واضحة‮ ‬وهذا‮ ‬يسهم‮ ‬في‮ ‬إضعاف‮ ‬قيم‮ ‬الدولة‮ ‬بتحويلها‮ ‬إلى‮ ‬أداة‮ ‬خادمة‮ ‬لمصالح‮ ‬النخب‮ ‬المتصارعة‮ ‬على‮ ‬السلطة‮.‬
يتحرك بعض النشطاء في الحركات السياسية في المجتمع المحلي ونتيجة عجزهم عن ايصال افكارهم وتحريك الناس بالقيم والمفاهيم التي يدافعون عنها لأنها غير قادرة على التعامل مع قضاياهم فتتحول الايديولوجيا إلى أداة للتعبئة وتحريض المجتمع ضد أعدائها وفي حالة العجز عن تحقيق النتائج تمزج الايديولوجيا بالولاءات الدنيا من مناطقية إلى اثنية وقبلية وعائلية فينتج عن ذلك أفراد مشوهون فكريا تتأصل فيهم الأنا الفردية والطائفية التي يتماهى فيها فتصبح هي الهوية ويصبح الآخر هو أبناء الطائفة الأخرى وهذا يدمر فكرة الدولة وتتحول إلى أداة للمكاسب ولا قيمة لها في تعريف الذات وبالتالي لا يمكن منحها الولاء لأنها لا تعبر عن الطائفة وهذه الطريقة تولد القيم السلبية كالحقد والكراهية وتصبح السياسة صراعاً دائماً من أجل الهيمنة على السلطة وتحويل الدولة إلى قوة قهر للآخر المختلف.
وهذا ما يجعل الصراع يتجه نحو الإلغاء فتقوم القوى المعارضة حاملة الأيديولوجيا بنفي النظام السياسي ككل من خلال التأكيد على انعدام الشرعية وهذا يفسر مقاومتها لمؤسسات الدولة واتهامها أنها ادوات بيد النخبة وأنها تعمل ضد مصالح الشعب.
وفلسفة التغيير المؤسسة على الايديولوجيا تؤسس لهوية تعبر عن الايديولوجيا لا عن طبيعة وحقيقة الهوية وذلك ناتج عن المفاهيم المستخدمة لفهم الواقع التي تحجب الرؤية عن أصحابها ويتم صياغة هوية الناس بالقوة ولا يمكن ذلك إلا بالاستيلاء على وسائل القسر والقهر التي تمتلكها‮ ‬الدولة‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن‮ ‬كل‮ ‬أهداف‮ ‬النخب‮ ‬المؤدلجة‮ ‬مرتبط‮ ‬بالسيطرة‮ ‬على‮ ‬السلطة‮.‬
والهوية عندما تصبح عقيدة تفشل في تطوير الواقع وخدمة الناس وان حققت بعض النجاحات في البداية إلا أن مآلها الفشل فكل المحاولات التي مارستها الايديولوجيا في العالم كله في العصر الحديث لم تستطع تغيير هوية الشعوب التي حكمتها فعندما ينتهي القهر يتحرر المجتمع من أسر الايديولوجيا ويعود ليُعرف ذاته كما هي في الواقع، رغم أنها استغلت في البداية وهي في المعارضة مشاكل الواقع وسلبياته واتبعت سياسة التعبئة وتحويل الجماهير إلى اداة لخدمتها وعندما تصل إلى السلطة تقوم بإعادة بناء الهوية والهدف النهائي كما أثبت التاريخ أن النخبة‮ ‬تحول‮ ‬الهوية‮ ‬إلى‮ ‬اداة‮ ‬للسيطرة‮ ‬والهيمنة‮ ‬على‮ ‬المجتمع‮ ‬وتحويل‮ ‬السياسة‮ ‬إلى‮ ‬قوة‮ ‬لصالح‮ ‬النخب‮ ‬الجديدة‮. ‬
هل‮ ‬للمشترك‮ ‬هوية؟‮ ‬
كل مشروع سياسي يطالب بالتغيير الجذري الشامل لابد أن يعبر عن هوية واضحة المعالم وأن يكون معبراً عن الواقع الذي يريد تغييره حتى يحقق النجاح.. فيما يخص المشترك فهو بلا هوية ولا عنوان له ولا مغزى أو معنى لأن مشروعه السياسي بناء اجرائي وأداة لإدارة الصراع مع الحاكم‮ ‬أجمعت‮ ‬عليه‮ ‬نخبة‮ ‬سياسية‮ ‬مشاريعها‮ ‬الحقيقية‮ ‬مختلفة‮ ‬ومتناقضة‮.‬
فهوية حزب الاصلاح مؤسسة على القيم الاسلامية بنسختها الأخوانية وكل ولاء مناقض لتفسيراتهم لمسألة الهوية قد يدخل المرء دائرة الكفر، فالهوية السياسية للاصلاح تجعل من الدولة اداة لخدمة الدين، فالدين والدولة يرتبط كلاهما بعلاقة لا انفصام بينهما، والسياسة ليست إلا‮ ‬ممارسة‮ ‬دينية‮ ‬لا‮ ‬شأن‮ ‬دنيوي،‮ ‬فالهوية‮ ‬لديه‮ ‬عقيدة‮ ‬سياسية‮ ‬وهي‮ ‬ناجزة‮ ‬ونهائية‮ ‬وثابتة،‮ ‬وهذا‮ ‬لا‮ ‬يتوافق‮ ‬مع‮ ‬نظرة‮ ‬الحزب‮ ‬الاشتراكي‮ ‬سواء‮ ‬قلنا‮ ‬انه‮ ‬ذو‮ ‬هوية‮ ‬ليبرالية‮ ‬أو‮ ‬يسارية‮ ‬جديدة‮ ‬أو‮ ‬قديمة‮.‬
وتفسير رضوخ الحزب للاصلاح يوضح الحالة السيئة التي وصل إليها فالقوى اليسارية في الحزب مشتتة بين هويات متعددة وهذا جعل منها في حقيقة الأمر بلا هوية وهي لم تحسم أمرها بعد فالعقول محملة بالايديولوجيا القديمة والتجديدات التي طرأت عليها لم تصل إلى حدود تبني هوية‮ ‬وطنية‮ ‬واضحة‮ ‬المعالم‮ ‬فالملاحظ‮ ‬أنه‮ ‬كلما‮ ‬انتصرت‮ ‬الحركات‮ ‬اليسارية‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬مكان‮ ‬في‮ ‬العالم‮ ‬هللت‮ ‬النخبة‮ ‬وبدات‮ ‬أحلام‮ ‬الأمس‮ ‬بالانبعاث‮.‬
وهذا الوضع المهزوز للحزب في الوقت الراهن يجعلنا نؤكد ان ذوبانه في الهوية التي يحملها الاصلاح امر وارد فالفراغ الذي يعاني منه قد يجره بلا وعي الى خانة الاسلام السياسي، وبوادره الاولى قد ظهرت تصريحا وسلوكا، ورغم ان هذه المشكلة قد تفجر الحزب الى شظايا إلا ان الساحة‮ ‬اليمنية‮ ‬لن‮ ‬تفقد‮ ‬مبدعي‮ ‬الحزب‮.‬
أما الوحدوي الناصري فالهوية القومية أفقدته الاحساس بالهوية الوطنية وان اعترف بها ولكنها هوية ناقصة وزائفة لانها لا تعبر عن الطموح الكبير والغاية النهائية ويصبح الولاء للدولة القطرية ضرورة واقعية ولكن النظام الحاكم لا شرعية له، الملاحظ أن صراعهم المحلي مع النخب الحاكمة يدفع البعض منهم إلى إحياء الولاءات الدنيا بهدف التعبئة والتحريض، والملاحظ تركز أنصار الاحزاب القومية في مناطق معينة والوجود هنا مرتبط بالقيادات الاجتماعية التي تحظى باحترام المجتمع المحلي لأسباب لا علاقة لها بالايديولوجيا القومية التي يدافع عنها‮ ‬الوحدوي‮.‬
وهذا ما يجعلنا نرى أن مقاومة الدولة ونخبتها والمطالبة بالتغيير الشامل والجذري يخفي وراءه رغبة لدى أحزاب المشترك بالسلطة ليس إلا وهذا يفسر اتفاقهم على تغيير الحاكم ولا يهم النتائج فالمؤدلج مغامر خصوصا في حالة يأسه من تحقيق أحلامه ويعتقد أن التغيير لمجرد التغيير قد يخدم مصالحه حتى وان لم يخدم فكره.. ولكن يظل السؤال: ما طبيعة المشروع القادم في حالة فوز المشترك وعلى أية هوية سيرتكز؟ فالمشروع السياسي للمشترك لا يعبر عن هويات أحزابه فالمشترك كتحالف لا هوية له، وإذا اصر المشترك على غير ذلك فعلى اخواننا في الله والرفاق ان ينورونا عن الهوية التي اسس عليها مشروعهم السياسي وما هي الاهداف والغايات التي قام عليها؟ ففي احسن الاحول فإنه مؤسس على هوية الليبرالية السياسية بما يعني التعامل مع الديمقراطية كقيم وليس آليات وهذا لا يمثل أحزابه.
فالجميع يتعامل مع الليبرالية كأداة وليس كهوية كما أن الليبرالية متناقضة كلياً مع تياراته وفي حالة اتفاق المشترك على تأسيس الشرعية عليها وبناء الهوية الوطنية بالتأسيس عليها فهكذا قناعة تمثل نقلة نوعية وتطوراً سينال رضى العم سام لأن ذلك يعني أن الامريكان قد حققوا‮ ‬اول‮ ‬انتصاراتهم‮ ‬في‮ ‬اختراق‮ ‬الفكر‮ ‬القوموي‮ ‬والاسلاموي،‮ ‬وستكون‮ ‬اليمن‮ ‬اول‮ ‬الهزائم‮ ‬التي‮ ‬يتلقاها‮ ‬الاسلام‮ ‬السياسي‮ ‬في‮ ‬العالم‮ ‬العربي،‮ ‬بتحويل‮ ‬الليبرالية‮ ‬السياسية‮ ‬إلى‮ ‬هوية‮.‬
وهذا يجعلنا نقول في حالة القبول -وأن كان الامر في تصوري مستحيلاً- إن شهوة السلطة وغنائمها ربما تجعل من المشروع الاسلاموي في اليمن مشروعاً انتهازياً وهذا يشكل انتحارا للاصلاح ،ربما يؤدي إلى ظهور حركات متطرفة في الساحة اليمنية ستخرج من عباءة اخوان اليمن.
‮ ‬
‮❊ ‬قسم‮ ‬العلوم‮ ‬السياسية‮ - ‬جامعة‮ ‬صنعاء
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 25-نوفمبر-2024 الساعة: 02:21 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-388.htm