محمد علي عناش -
< حقيقةً أنا لم أكن أحبذ ان يترشح المشير عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية ليس لأسباب مخلة في شخصه او تشكيك في قدراته وامكاناته لملء موقع الرجل الأول في مصر، فهو البطل الحقيقي لثورة 30 يونيو والذي حافظ على الدولة المصرية من الانهيار والشعب المصري من الفرقة في أتون الصراعات متعددة الجذور والدوافع والتي كانت قد بدأت مؤشراتها تظهر وتبرز في واقع الحياة المصرية، بسبب سياسة حكم الاخوان المسلمين القائمة على الاقصاء والسيطرة واثارة العنف الاجتماعي والديني في مصر.
وإنما هناك أسباب عدة أهمها ان يظل في موقعه كوزير للدفاع وكشخصية مصرية كارزمية لحماية الدولة والديمقراطية وتحقيق اهداف وغايات ثورة يونيو الطموحة ومواكبة التحولات المصرية على جميع المستويات، بالاضافة الى تكريس الطابع المدني لموقع رئاسة الجمهورية، بالاضافة الى كل الذرائع وافشال الاسقاطات التي تهدف في الاساس الى تشويه ثورة يونيو واعاقة التحولات المصرية من خلال استهداف شخص المشير عبدالفتاح السيسي باعتباره رجلاً عسكرياً ومشروع ديكتاتور قادم، وان النظام السابق قد عاد من خلاله، الى آخر الاسقاطات التي تم الترويج لها من قبل الاخوان، وايضاً مع الاسف الشديد من قبل بعض الاحزاب والنخب المصرية التي كانت في ضمن ثورة 30 يونيو وأشادت بدور المشير السيسي في حماية الثورة وحماية الدولة المصرية من السقوط.
هذه التبدلات السريعة في المواقف دون المرور بتجارب ومتغيرات تستدعي ذلك مشكلة خطيرة تعكس تهاون وسرابية العقلية العربية وحجم الاعاقات التي تعترض طريق تحولات المجتمع العربي، بالاضافة الى تفشي حالة من غياب البرامجية في بناء مواقفنا وغياب الثوابت والأولويات التي يجب ان نقف عليها ولا نفرط بها..
بالتأكيد ان الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في دول العالم الثالث تمر بتعثرات وعوائق عدة منها ما هو متعلق بطبيعة التركيبة الاجتماعية والثقافية للشعب، ومنها ماهو متعلق بطبيعة أنظمة الحكم، ومنها ما هو متعلق بطبيعة قوى المجتمع الحية من احزاب ونقابات ونخب سياسية وثقافية ومدى فاعليتها في قيادة الجماهير نحو المستقبل وتحقيق الطموحات والغايات المشتركة، ومصر دولة من دول العالم الثالث وتعيش تعثرات التحول الديمقراطي فيها، رغم ان الديمقراطية في مصر عمرها مائة سنة او يزيد.
لذا يجب ان نستوعب هذه العوائق ليس في مصر فقط وانما في جميع البلدان العربية، وان نعي في أي مستوى من التطور والتعثر تقف عنده الديمقراطية، من هنا نبدأ نفكر بشكل سليم وبحيثيات ومعطيات في الواقع وفي الوعي لا ان نظل غارقين في الشعارات والأوهام وثقافة الاحكام الجاهزة والمواقف الثأرية.
فالربيع العربي الذي اتكأ على شعار الحرية والديمقراطية لم يجلب للشعوب العربية لا حرية ولا ديمقراطية وانما دمر مقدرات ومقومات الدول العربية، ولم يعمم إلا الفوضى ولم ينعش إلا الهويات القاتلة ذات المرجعيات الطائفية والمذهبية والعشائرية، الربيع هو هذا الذي يحصل في ليبيا وسوريا واليمن، عادت هذه الدول إلى نقطة الصفر ليس في المنجزات الديمقراطية وانما في التنمية ومستوى المعيشة وكل القيم الأولية التي تحتاجها شعوب هذه الدول، وفي مقدمة ذلك الامن والاستقرار والدولة التي تآكلت ودمرت لتنهض على أنقاضها مشاريع العنف والتطرف والازمات.
فلماذا نستكثر على مصر النجاحات الجزئية في بناء المجتمع المصري الديمقراطي؟ ولماذا ننجر باللاوعي وراء مخططات القوى التي تهدف الى جر مصر الى نفس المستنقع الليبي والسوري؟
الاخوان هم سبب مايحدث في ليبيا وسوريا ومصر وتونس وهم ينطلقون من مركز مقدس، حتى فسادهم وارهابهم وكذب اعلامهم مقدس لانه حسبما يعتقدون من أجل غاية سامية وهدف عظيم، لذا يرون انهم أحق بالحكم ويسيطر عليهم وهم الشرعية، الشرعية في ذاتهم لا الشرعية التي يستمدونها من الشعب، انها فكرة الحاكمية المتخذة من ثقافتهم التي لاتعترف بشرعية الشعب ولا بانتخابات ولا ديمقراطية، من هنا سعوا وبمختلف الوسائل الى تشويه الانتخابات المصرية واعاقتها واستهداف المشير السيسي الذي تمكنوا من جلب سخط بعض المثقفين والسياسيين المثاليين والمأزومين وبعض الحركات الليبرالية التي ترعرعت في كنف اكاديمية التغيير القطرية كحركة 6 ابريل المصرية.
فهل ترشح السيسي يستوجب كل هذا السخط من الانتخابات المصرية ووصفها بالفضيحة والمسرحية الهزيلة من قبل الكثير من الناشطين القوميين واليساريين؟ ولماذا نغمة النظام السابق هي النغمة الوحيدة التي يجيدون عزفها في مسرح عهدهم وسرابهم وهي العذر الجاهز أو الشماعة التي يعلقون عليها أخطاءهم وفشلهم وخمولهم السياسي والاجتماعي والتنظيمي والنقابي، في كلتا الحالتين سواء فاز السيسي او فاز صباحي كنا سنقول مبروك يامصر الكنانة مبروك يا أم الدنيا هذا العرس الديمقراطي، مادامت الانتخابات جرت في مناخ نزيه ومبشر بتحولات ديمقراطية متسارعة، ليس فيها تزوير ولا مال عام ولاضغوطات على الناخب، فلماذا عندما بدأت مؤشرات فوز المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية تحول البعض الى اطلاق صرخات العويل والبكاء على الديمقراطية والثورة واستدعاء مفردة النظام السابق وعودة الديكتاتورية؟ هل كان لزاماً ان يفوز صباحي؟ كي يعترفوا ويشهدوا ان هناك حدثاً ديمقراطياً نزيهاً وممارسة ديمقراطية مبشرة بتحولات حقيقية، أم انه كان لزاماً على السيسي ان لايترشح، وأنا كنت أميل الى عدم ترشحه لأسباب موضوعية أهمها ترسيخ الطابع المدني لمنصب الرئاسة؟ لكن هل ترشحه يجعلنا غير موضوعيين ونشوه حدثاً يستحق منا الاشادة ونحكم على الرجل مسبقاً انه مشروع ديكتاتور قادم؟
السيسي بريئ بكل المقاييس من خسارة صباحي وبشهادة الرجل المناضل حمدين صباحي نفسه، إذاً يجب على هؤلاء ان يحاكموا الشعب المصري الذي راح الانتخابات وصوت، والذي قاطع ابحثوا عن اسباب الفشل في الجذور ان اردتم ان تكونوا موضوعيين وعقلانيين ولكي تعيشوا المرحلة وتستوعبوها بكل تفاصيلها الواقعية.