عبدالرحمن مراد -
< لا أدري ما الدافع الوجداني وراء ذلك الإعصار السياسي الذي حدث خلال ما سلف من أيام؟ وقاده «الإخوان» تدبيراً وإعلاماً وزيفاً وتضليلاً وكان هدفه المؤتمر الشعبي العام من حيث إحداث الانقسام في بناءاته وإحداث التنافر في نسيجه العام.
لقد تحدثنا إلى حدِّ الملل والكلل أن الإسلام منظومة أخلاقية.. متكاملة ورسالته قائمة على تكامل البنية الأخلاقية وهدم تلك البنية استهداف واضح للإسلام، والأشد مضاضة على المرء أن يكون ذلك الهدم من جماعات تدَّعي الحفاظ على بيضة الدين والذود عن حياضه، وقد شاع في سلوكها العام ما ينفي اعتزازها بالمنظومة الأخلاقية الإسلامية، فالكذب صفة أخلاقية مذمومة، وقد وقف أمامها الفكر الأخلاقي الإسلامي موقفاً حاسماً ولكن الإخوان يستغرقون أنفسهم فيه إلى درجة الفضيحة والنفور منهم ولم يعتبروا خلال العامين الماضيين من عواقب الكذب المدمرة، ويبدو أنَّ غباءهم يمدهم في طغيانهم يعمهون، فلا يدركون عواقب ما يقدمون عليه وأثره على حاضرهم ومستقبلهم.. فالقول إن السياسة فن الممكن قول قديم وهو في مضمونه لا يعني الزيف والتضليل والكذب ولكنه يعني الصناعة، صناعة الحدث السياسي واستثماره بما يعود بالنفع والمصلحة السياسية على الكتلة التاريخية أو الحزب ومثل ذلك يتطلب قدراً وافراً من الذكاء، وما لا يدركه «الإخوان» أن هناك نظرية سياسية جديدة اسمها «كيف نحكم العالم بالأخلاق؟»..
ومثل تلك النظرية أو ذلك السؤال يفترض أن يكون هماً فكرياً وعربياً وإسلامياً، واشتغال جماعات الإسلام السياسي عليه قبل غيرها من الجماعات ضرورة عقائدية وأخلاقية، لأن ما يحدث في واقع المسلمين من تلك الجماعات التي تشتغل على لغة الموت والفناء والأحزمة الناسفة والذبح والإبادة الجماعية قد ترك أثراً نفسياً سيئاً وانطباعاً قاتلاً ومشوهاً، وتصوراً غابياً صحراوياً هو ضد الحياة والحضارة والعمران، وقد اصبح من صميم مهام جماعات الإسلام السياسي الوقوف أمام تلك الحالة والظاهرة بقدرٍ وافر من التأمل وتصحيح المسار والأخطاء، فكل الذي يحدث في واقع الأمة الآن سببه «الإخوان» شاءوا ذلك أم أبوا وسواءً حدث ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر بقصد منهم أو بغير قصد فالحالات الانفعالية المصاحبة للتفاعل السياسي في النموذج الثوري الشمولي القامع الحريات في القرن الماضي قد أحدثت تحولاً من ليبرالية محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني إلى الأصولية النصية التي كان منطلقها كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب وبه ومن خلاله تناسلت كل الجماعات من القطبية إلى الهجرة والتكفير إلى الجهاد والقاعدة وكل أولئك يدعون في ظاهر أمرهم إلى مرجعية عليا تتمثل في حاكمية الله كنقيض لحاكمية الحاكم وقد وقعوا تحت ظلال وعي زائف وتضليل لم يكن أثره سوى ما يلقاه الإسلام الآن من تدمير لبنيته الأخلاقية والعقائدية والثقافية والحضارية.
لقد أصبح الإخوان- كجماعة سياسية أحدثت كل ذلك التدمير في البناءات الإسلامية العامة- مطالبين أكثر من غيرهم بالوقوف أمام ظاهرة عدم التمكين لهم أو فشلهم في الوصول إلى التمكين أو الاستقرار فيه وأن يقفوا أمام موضوع الخيرية ومقصديتها في الإسلام موقف المتأمل والمتدبر والمعتبر والخاطئ الذليل لا موقف المعاند والمكابر، فالتاريخ لم يشهد في كل حقبه وأعوامه التي مرت من غابر الدهر إلى اليوم بزوغ جماعة كجماعة الإخوان ما تكاد أن تصل إلى التمكين حتى يأبى الله لها التمكين من خلال مشاعر الرفض لجموع عباد الله المخلصين، في حين كتب الله التمكين لغيرهم هم على خلاف معهم كالشيعة في إيران مثلاً الذين لم يستمر نضالهم كثيراً حتى كانوا هم حكام إيران.
ولعل «الإخوان» في اليمن يدركون أن كل حروبهم وأنشطتهم لا تجد إلاّ نفوراً من كل الجماهير اليمنية، وحين يظهرون مكنونات أنفسهم الحاقدة يزداد الناس منهم نفوراً.. وما يحدث في عمران وفي بني مطر لا يمكن تفسيره إلاّ بنفور الناس والجماهير وعدم الرضى عنهم، ولا أظن أن هروبهم من خلال القول إن حرب عمران وبني مطر بين الجيش وبين أنصار الله سيكون مجدياً في الاعتراف بحقيقة الاشكالية النظرية والأخلاقية والعقائدية للإخوان.
ولعل أغرب ما حدث خلال ما سلف من أيام هو تكثيف القول في كل المواقع الاخبارية للإخوان بوجود ترسانة عسكرية في جامع الصالح والقول بهروب الزعيم صالح إلى مكان مجهول بعد اكتشاف تلك الأسلحة، وفي الوقت ذاته كانت قناة «آزال» تبث لقاء الزعيم صالح مع قبائل بني صريم وهو في بيته هادئاً مطمئناً.. قاتلكم الله أيها «الإخوان» كيف تكذبون.. لقد كتبكم الله في قلوب الناس من الكاذبين، فالفجور في الخصومة صفة المارقين والفاسقين ولم تكن من صفات المؤمنين الصالحين.
توبوا وعودوا إلى رشدكم واعلموا أن الله لو علم فيكم خيراً لأسمعكم ولمكّن لكم في الأرض، وقد اطلع على خفايا أنفسكم ولم يحببكم ولو أحببكم لبث في نفوسنا حالة من الاطمئنان لكم ولكنه لم يفعل ولم يزدنا منكم إلاّ نفوراً وريبةً وشكاً..
للمرة الألف نقول لكم الكذب والتضليل والزيف صفات مذمومة ولايزال إعلامكم يكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً.. وننصحكم بتحري الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة فإن في مضمونه النجاة، ولا يمنعنكم شنآن علي عبدالله صالح أن تعدلوا، إعدلوا هو أقرب للتقوى إن كنتم حقاً مسلمين!!