عبدالفتاح البنوس -
< ها هي نسائم رمضان الروحانية تداعبنا من جديد محلقة بنا في آفاق من الاتصال والتواصل الإيماني مع الخالق عز وجل على مدى ثلاثين يوماً من عمر هذا الشهر الفضيل الذي حل علينا وهلّ هلاله والبلاد تعيش في ظروف لا يحسدنا عليها لا عدو ولا صديق، أزمة مشتقات نفطية خانقة، فوضى وإنفلات أمني غير مسبوق أوضاع معيشية صعبة، ظروف اقتصادية معقدة، لا ماء ولا كهرباء، طرقات مقطوعة واقتصاد منهار وحكومة عاجزة فاشلة، و«مبهررة»، قتال مستعر وحروب مشتعلة وصراعات قائمة وفتن حاضرة وخلافات طاغية وفساد ينمو ويكبر من يوم لآخر، ضياع للقيم ومتاجرة بالمبادئ وصفقات تعقد على حساب الوطن مقابل العمالة والخيانة والارتهان والارتزاق من قبل قوى عديمة الضمير وجدت نفسها بين عشية وضحاها هي صاحبة الأمر والنهي والقول والفعل في البلاد.
بالله عليكم كيف يستقبل المواطن المسكين رمضان في ظل هذه الظروف؟! أي روحانية وأي نسائم رمضانية تلك التي قد يلمسها والمنغصات تحاصره من كل اتجاه؟!!
رمضان شهر الرحمة فأين هي الرحمة في أوساطنا ونحن نتسابق على قتل بعضنا بعضاً ومحاصرة بعضنا بعضاً ومهاجمة بعضنا بعضاً؟! أين الرحمة ونحن نتاجر بأرواح الأبرياء من أبناء الوطن بالزج بهم في حروب وصراعات عبثية ما أنزل الله بها من سلطان؟! أين الرحمة ونحن نتسابق على تجريع وتجويع وتركيع الشعب من خلال افتعال الأزمات ورفع الأسعار واحتكار السلع والتلاعب بالقوت الضروري من أجل الكسب الرخيص؟!! أين الرحمة ونحن نحيك المؤامرات ونرسم الخطط من أجل النيل من بعضنا بعضاً؟!!
أين الرحمة وحيتان الفساد تواصل تهريب المشتقات النفطية الى خارج البلاد في الوقت الذي يمكث آلاف المزارعين والتجار وأصحاب المصالح الخاصة والعامة أمام محطات بيع المشتقات النفطية لعدة أسابيع وفي طوابير طويلة دخلنا بها موسعة.. الأرقام القياسية بحثاً عن الديزل والبترول لإنقاذ ما تبقى من مزروعات لم يطلها التلف نتيجة انعدام الديزل؟!! أين الرحمة وكم هائل من الأسر تأكل من براميل القمامة الخاصة بمنازل كبراء القوم وأصحاب الكروش المنتفخة والأرصدة المكدسة والقصور الفارهة والمناصب الرفيعة ونحن في شهر الرحمة والإحسان، شهر الإنفاق والبذل والعطاء والجود؟!!
أين الرحمة والمليارات تهدر في شراء السيارات وبناء الفلل والسفريات وآلاف المرضى يعانون من قلة الحيلة ويفتقدون للعلاج دون أن تمتد اليهم يد المساعدة والعون لإنقاذ حياتهم ورسم الفرحة على محياهم وإسعاد أهلهم وذويهم في هذا الشهر الفضيل؟!! أين الرحمة والقتل تحوّل لدى البعض أشبه بنزهة وخصوصاً عندما يكن الهدف أحد ضباط أو أفراد القوات المسلحة والأمن أو أحد رموز وقادة البلاد في مختلف المجالات والتخصصات؟!!! أين الرحمة وقلوب الكثير منا تنضح بالحقد والكره والبغض والعداوة؟!! أين الرحمة ونحن نتسابق على تخريب وتدمير مصالحنا والوقوف ضدها انتصاراً لمصالح أحزابنا وطوائفنا ومذاهبنا وجماعاتنا؟!! أين الرحمة ونحن نؤلب بعضنا على بعض ونحرّض بعضنا على بعض، إرضاء للشيطان وأعداء يمن الإيمان والحكمة؟!! أين الرحمة في تعاملاتنا ومواقفنا؟!!
واقع مؤلم نعيشه اليوم ونحن في رحاب شهر الصيام، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، رمضان شهر التغيير في نفوسنا وحياتنا وواقعنا ولكننا للأسف اتجهنا نحو التغيير السلبي وهو ما أفقد الكثير، منا روحانية رمضان وتلكم الاجواء الايمانية التي لطالما عُرف بها، لأننا حدنا عن الطريق وخالفنا المنهج القويم وتخلينا عن الثوابت وتاجرنا بها من أجل الكسب الرخيص والمصلحة القذرة، ما عسانا ننتظر ونحن على هذه الحالة؟!!! رمضان اليوم لم يعد ضيفاً خفيف الظل على الكثير منا كما كان في السابق فقد أصبح ضيفاً ثقيلاً متأثراً بالظروف والأوضاع التي عليها البلاد والعباد، والمعالجة لكل ما سبق تبدأ أولاً بإصلاح أنفسنا والعودة الى الله وتغليب المصلحة الوطنية على ما دونها من المصالح والانتصار للحق والعدل والنظام والقانون ومحاربة الفساد وتجفيف منابعه والشروع في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وقطع الطريق أمام تجار الحروب وصنّاع الأزمات ورموز الفساد والإفساد الذين يسومون الوطن والمواطنين سوء العذاب.
البلاد تغرق وهؤلاء المرتزقة هم من يرتكبون الخروقات ويعبثون بسفينة الوطن وهم أول من سيغادر البلاد في حال غرقت السفينة لأن مصالحهم هناك في الخارج من ثروات الداخل ولذلك لا ضير عندهم إن غرقت السفينة بمن عليها، هؤلاء لا خير فيهم وإن صلوا وإن صاموا وإن حجوا وإن اعتمروا وإن تصدقوا، الشعب خبرهم وجربّهم وعرفهم على حقيقتهم، هؤلاء لا يُغير فيهم رمضان ولا تؤثر فيهم روحانيته، هؤلاء أعداء لأنفسهم ولمجتمعاتهم ولوطنهم وفوق كل ذلك أعداء لله ولرسوله، ونسأل الله جل علاه أن يفضحهم بين الخلائق وأن يري الشعب الصابر فيهم عجائب قدرته وجبروته وأن يُخلّي البلاد والعباد منهم وأن يجعل منهم عبرة للمعتبرين، ونسأله جل في علاه بأن يجعل رمضان شاهداً لنا بالحسنات لا شاهداً علينا بالسيئات وأن يجعله محطة لإنفراج الأزمات وتجاوز كل المشاكل والمنغصات وفاتحة خير على اليمن واليمنيين.