الإثنين, 22-سبتمبر-2014
الميثاق نت -   توفيق عثمان الشرعبي -
الطلقة الأولى كانت مبعث الخوف والقلق لدى كل سكان صنعاء في ظل تصاعد الأزمة وتطور الأحداث وتسارعها، فتداعيات الجرعة التي أقرتها حكومة الوفاق خلال أيام عيد الفطر الفائت..
ومع تصاعد الأزمة وتصعيد التظاهرات الشعبية التي تزعمها وحدد أهدافها وأماكنها أنصار الله في أمانة العاصمة ومداخلها ومع تجاهل الحكومة ومراوغتها ومع قمع المتظاهرين في شارع المطار وأمام رئاسة الوزراء وسقوط شهداء، مع كل ذلك وغيره كان الجميع يتخوف من الطلقة الأولى، فهي كافية لتفجير الوضع وتلوين المشهد بلون الدم..
وفي صباح الأربعاء الماضي أطلقت الرصاصة الأولى في قرية القابل مديرية بني الحارث، شمال صنعاء، لتشعل فتيل العنف وتعلن حوار البنادق لحصد الرؤوس وازهاق الأنفس.
ومن «القرية» تصاعد العنف وتسلق جبل وادي ظهر الى أعلاه متجهاً نحو منطقة شملان فثمة أهداف في حسبان الحوثيين ويجب التعامل معها كما هو مخطط له، وبعد ظهر الأربعاء كانت القذائف تتساقط على «دار التحفيظ» بالمحجر، وبعد العصر جاء التعزيز العسكري وانطلقت الأطقم المحملة بالجنود من العاصمة باتجاه القرية ولكن الحوثيين وضعوا لهم كميناً في جولة شملان واشتبكوا معهم بكل الأسلحة المتاحة، وتناثرت الجثث وازداد الوضع اشتعالاً في كل الأحياء المجاورة لجولة شملان، وانتشل الحوثي جثث قتلاه بينما بقيت جثث الجنود مرمية في العراء الى الساعة العاشرة من يوم الخميس..
الخميس الدامي
في يوم الخميس شهدت منطقة شملان يوماً دامياً وحرباً ضارية وأحداثاً مأساوية، فمع الساعات الأولى من صباحه كان الوضع متوتراً والقلق بادياً على وجوه الجنود المتمركزين في إحدى النقاط المجاورة لمصنع «شملان» للمياه.. سألت أحدهم عن المعنويات لديهم، فرد متبرماً: «أيش من معنويات يا عم وزملاؤنا مايزالون جثثاً مرمية في الشارع حتى الآن».. وفعلاً كان هذا كافياً لانسحابهم دون اشتباكات مع عناصر الحوثي الزاحفة باتجاههم.. واستمر الزحف بنسق مستقيم في كل الشوارع والأحياء المجاورة للمصنع، باتجاه شارع الثلاثين، ذلك الشارع الذي أجتازه باليوم عشرات المرات والذي شاهدت فيه أشرس أنواع حرب الشوارع، التي استمرت من قبل ظهر الخميس الى ساعات متأخرة من الليل وسقط فيها كثير من قتلى المليشيات المتصارعة ومن المواطنين.
بين حاسة الصحفي وعاطفة الأب
وأمام ما يحدث في شارع الثلاثين لم أكن صحفياً تتملكه حاسة الصحفي المتابع للأحداث فقط، وإنما كنت أباً لأطفال لا يسمع بعضهم بكاء بعض من شدة أصوات الرصاص والقذائف، التي لا يفصلهم عن مشاهدتها سوى جدار «بُلك» أوهنه طقس صنعاء.
حقيقة ما أتذكره هنا يعد مناورات مقارنة بالأحداث المؤلمة والمعارك الضارية التي دارت في شارع الثلاثين شمال صنعاء، وكانت طافحة بالمشاهد المأساوية، كان أبرزها تلك الأسر التي تعد بالمئات وهي تغادر منازلها هرباً من الموت دون أن تتأكد من إغلاق الأبواب وراءها كما هو سلوك الخائفين من السرقة..
لم تحتمل الحاجة صفية «جارتي» انتظار حفيدها الذي ذهب للبحث عن تاكسي وصاحت في وجه ابنها وأسرته «لعن أبوكم هيا مشينا رجل».
مشت صفية بخفة وخوف وكأن الـ70 عاماً لم تصل الى ساقيها!!
ومن المآسي ايضاً سماعنا عويلاً شديداً من أحد البيوت، وبعد استفسارنا وجدنا امرأة واطفالاً يبكون بشدة ابناً لهم لا يتجاوز العاشرة من عمره أظهر رأسه من النافذة فأصابته رصاصة طائشة جذعت أنفه ولم تجد الأم من يسعفه..
والكثير الكثير من المشاهد المبكية التي لم يكن سكان شارع الثلاثين وحارة السلام والأحياء المجاورة يتوقعون أن تحدث لهم يوماً ما.
للسيارات نصيب
السيارات المركونة على جنبات الشوارع نالت نصيبها من الحرب العبثية التي دارت في شملان، ولا أظن أن هناك سيارة واحدة خلت من طلق ناري..
أول الهاربين!!
كالعادة نجد الاصلاحيين -السبب الرئيسي لأي صراع أو فوضى أو حرب منذ 2011م- هم أول من ينزح عند اشتدادها، فلا أدري أين ذهب اصلاحيو شارع الثلاثين الذين كانوا كلما تحدثت لأحدهم وتناقشنا عن السيناريوهات المحتملة يرعد ويزبد ويتمنى سيناريو المواجهات، وعندما جد الجد اختفوا عند سماعهم «الطلقة الأولى» من رسائل الـ«اس ام اس»!!
أهداف محددة
الحوثيون لا يستهدفون كل منازل القيادات الاصلاحية أو المساجد -كما يشاع- وإنما لديهم شخصيات محددة وهذا ما لاحظته في حربهم في منطقة شملان..
تبة الكلاب
أحد عناصر الحوثيين تمترس بجانب منزلي فقلت له هذه الحارة آمنة فلا تجلب الشر إليها، فرد عليَّ: «لا تقلقوا خمس دقائق نؤمّن أصحابنا.. هدفنا تبة الكلاب وليست مساكنكم!!».
إشارات وشارات
لاحظت أن اشارات عناصر الحوثي عند الزحف هو اطلاق الرصاص في الجو ولكل مجموعة نغمتها في «القراح»!
كما لحظت على كل العناصر التي التقيت بها أنها تربط شارات حمراء على سيقان أرجلها وكأن بها مرض الحصبة!
شقاوة وجهاد
أحد الاشقياء ذهب الى متمترس حوثي وقال له: «تبسر ذياك المبنى» فقال له: «نعم»..
فقال صاحبنا الشقي: «ذياك المبنى هو المدرسة الأمريكية انبعوا له.. واصرخوا الموت لأمريكا».. فقال الحوثي: «امشي يا أخبل قبل ما أندع أبوك.. تتمسخر بالمجاهدين!!».
ثمن الجرعة
الرصاص والقذائف التي أطلقت في أحداث شملان هدراً وعبثاً أقسم بأن ثمنها كان كافياً لحل أزمة الجرعة وتداعياتها..
الفضائية الرسمية
الغريب أنه ورغم تدهور الأوضاع وتفجرها في شملان وسقوط المزيد من القتلى وامتداد الحرب الى شارع الستين، كانت الفضائية الرسمية تغني «بهبالة» ولم تفق لما يحدث إلاّ عندما وصلت القذائف عقر دارها، حينها صحت من سكرتها، وبدأت تولول وتستغيث!!
حقارة أشد من الحرب
الأحقر من الحرب أن يمنع المتحاربون الأسر «نساء، أطفالاً، شيوخاً» من النزوح وأن تغلق الطرقات في وجوههم ويأمرون بالرجوع أو الموت.. هذه «الحقارة كانت حاضرة بشكل ملفت في الحرب التي دارت بشملان وشارع الثلاثين والأحياء المجاورة له!».
قح.. بوم
هدأت الحرب في شملان وخفتت أصواتها ومايزال ابني ايمن «ذو العامين وأسبوع» يردد: «قح.. قح.. بوووم»..
وأخاف أن يستمر عليها فعُقدُ الحروب لا تنسى!!
الحياة توقفت
في شملان توقفت الحياة.. أغلقت الدكاكين والبقالات والمتاجر، ومحطات الوقود، والمطاعم ومضخات المياه..
في شملان أغلقت المدارس والمساجد والشوارع..
في شملان المواطنون تحاصرهم الحرب والجوع والخوف واليأس..
في شملان انتهى الأمان!!
بيان مريب
الأكثر إثارة للغرابة والريبة أن اللجنة الأمنية العليا أصدرت الخميس الماضي بياناً أكدت فيه دحر الجيش والأمن للعناصر الحوثية، واستعادة نقاطها في شارع الثلاثين، وكأن اللجنة استقت هذا البيان من الشريط العاجل على شاشة «سهيل»..
عندما سمعت هذا البيان تذكرت مقولة: «جيش من الأرانب يقوده أسد، أفضل بكثير من جيش أُسود يقوده أرنب!!».
مَنْ فرض خيار الحرب؟!!
ومع أن خيار الحرب كان متوقعاً يظل السؤال عند عامة الناس وساستهم.. من هو الذي فرض هذا الخيار؟!!
وبكل تأكيد أن الاجابة عن هذا السؤال لا تحتاج الى كثير من إعمال العقل، فالذي يتجاهل ما يحصل في البلاد منذ شهر، ويماطل، ويراوغ، ويهدد، ويتوعد، هو من فرض هذا الخيار المدمر.. الذي سمح لمليشيات الحوثي أن تتمدد وتتوسع في عمران وتتجه نحو صنعاء.. هو من فرض هذا الخيار..
الذي أراد أن يرسخ نفوذه أو يصفي الحسابات أو يتواطأ هو من فرض هذا الخيار..
الذي هيكل الجيش على طريقته والذي يمسك بـ«ريموت» الحروب هو من فرض هذا الخيار..
الذي رفض اشراك الحوثيين في الحياة السياسية بعد مؤتمر الحوار الوطني هو من فرض هذا الخيار الكارثي..

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:31 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-40401.htm