مدين مقباس -
كان للفكر الناصري القومي دور فعال في رفع مستوى وعي الجماهير في جنوب الوطن نحو التحرر من الاستعمار، وفي نفس الوقت كان للنهوض الاقتصادي والتطور الاجتماعي الذي خلفته ظروف وعوامل مرحلة الوجود البريطاني دور فعال في رفع مستوى وتنظيم الجماهير، وخلق أو تأسيس منظماتها الاجتماعية والسياسية الجماهيرية .
وفي تلك المرحلة من وجود المستعمر البريطاني نشأت المنظمات الاجتماعية والنقابية والسياسية مثل مؤتمر عدن للنقابات- رابطة ابناء الجنوب العربي - الاتحاد الشعبي الديمقراطي - حزب الاتحاد الوطني- حزب المؤتمر الدستوري- حركة القوميين العرب- حزب الشعب الاشتراكي.. في هذه الظروف جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م واستقبلت الجماهير هذا الحدث بكل فرحة وابتهاج حيث رفع من مستوى معنوياتها وتفاعلت مع هذا الحدث الذي اسهم في رفع سقف مطالبهم للمطالبة بالاستقلال الوطني من الاستعمار، وفي نفس الوقت وقفت الجماهير ومنظماتها الجماهيرية النقابية والسياسية بتنظيم وارسال الجماهير لدعم الثورة الوليدة ثورة 26 سبتمبر 1962م.
لقد غيرت ثورة 26 سبتمبر 62م اتجاه الاحداث في جنوب الوطن، وبتأسيس أول جمهورية في الجزيرة العربية ارتفع المد الثوري الى مستوى عالٍ فلقد انتفض المواطنون في جنوب الوطن لدعم الجمهورية الفتية ، فالطبقة العمالية في عدن كونت فصائل عدة من المتطوعين الذين أُرسلوا إلى الجمهورية بعشرات الآلاف من العمال والفلاحين والمثقفين والطلاب.
وحرصت النشرات والكتيبات والمنشورات التي أصدرتها النقابات على نشر أخبار الثورة.. كما وزع في عدن بيان باسم المؤتمر العمالي يؤيد النظام الجمهوري ويطالب العمال وجماهير الشعب بالتطوع للدفاع عنه وحماية جمهوريتهم.
ولقد جمد الاستعمار الانجليزي -مؤقتاً- كل القوانين، بما في ذلك قانون جمع التبرعات ، وذلك بعد ان وصلت الجماهير في عدن الى مرحلة كبيرة من التأييد للثورة يصعب عليه ايقافها بهذه القوانين، وكانت الجمهورية بمثابة إعادة الأمل في النضال الجاد من اجل التخلص من الاستعمار، وقد رأى العمال في الجمهورية انها ستشكل لهم القاعدة الثورية للنضال من أجل تحرير الجنوب واتجهوا لترجمة ذلك ليعقبها في العام التالي تفجير ثورة 14 أكتوبر في 1963م.
ويلاحظ ان الصحف في عدن كتبت عن الجمهورية العربية اليمنية بطريقة ايجابية، خوفاً من غضب الجماهير والاندفاع الثوري العارم ، حيث انتقل معظم قادة مؤتمر عدن للنقابات وزعماء المنظمات الاجتماعية والنقابيين إلى شمال الوطن للتعبير عن تأييدهم ومساندتهم للنظام الجمهوري الجديد، وأكثر من ذلك تحول بعضهم إلى قادة عسكريين للدفاع عن الجمهورية في المناطق المعرضة للغزو الانجليزي، وعلى سبيل المثال انتقل عبدالله علي مرشد احد قادة نقابة البترول إلى صنعاء واضطلع بدور وطني في الحرس الوطني في منطقة حريب وكذلك المرحوم عبدالله الاصنج.
وفي تلك الاثناء كانت المطبوعات التي تصدر باسم النقابات تخوض نضالاً واسعاً من أجل حماية الجمهورية، وعملت على تشجيع العمال إلى التطوع وحمل السلاح..
لقد عملت جماهير الشعب على إنجاح ثورة 26 سبتمبر سواءً من خلال التطوع في الحرس الوطني والدفاع عن الثورة والجمهورية أو من خلال التبرعات التي كانت تقدمها بسخاء للجمهورية.. وبحكم التطور الثقافي والاجتماعي في الجنوب ، فقد كانت جماهير الشعب فيه سنداً قوياً وفعالاً لنصرة ثورة سبتمبر المجيدة.