الإثنين, 20-أكتوبر-2014
الميثاق نت -   عبدالرحمن مراد -
< بعض القوى السياسية وصلت الى حالة التعطيل في القدرات الذهنية وحالة الاشباع في الفراغات الوجدانية الى درجة النكوص في الموقف والاستمرار في الانحدار الى الوديان السحيقة، ومثل ذلك أمر غير محمود في ظل واقع يتموج ويمتاز بالحركة الدؤوبة وهي حركة انتقالية حقيقية تجتاز الماضي وتصنع واقعاً متغايراً قادراً على التفاعل مع القيم الثقافية الحداثية والقيم الحضارية التي يتسم بها زمن ما بعد الحداثة.
لقد قلنا مراراً وتكراراً إن القضية الوطنية قضية ثقافية في المقام الأول، وإهمال الدائرة الثقافية في السياسات العامة للدولة والحكومات يعني تعطيل التطوير والتحديث في البناءات المختلفة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.. واستمرار حالات التعطيل لبعض مكونات المجتمع يعني التعثر والنكوص واستمرار خاصية الإعاقة الذهنية التي من خصائصها تغذية الصراعات وتوسيع دائرة الانقسامات وصولاً الى الشلل التام، ولعل بعض القوى السياسية الوطنية في واقعنا اليمني تشعر بما وصلت اليه لكنها تجتاز كل ذلك بالتعويض وخلق المبررات، والهروب من مواجهة المشكلة أو الحقيقة الجوهرية لا يعني أكثر من تجذرها وتراكمها وهو الأمر الذي يجعل متواليات الفشل واردة في كل مرحلة أو منعطف تاريخي مهم.. ولعل حركة «الاخوان المسلمين» هو الدليل المعاصر على صدق مذهبنا في القول إذ دل تاريخها على هروبها من مواجهة الحقائق الموضوعية فهي في كل مرحلة أو منعطف تخلق المبررات وتذهب الى التعويض النفسي المعادل ولم يدل تاريخها أو حركتها الفكرية أو الثقافية على وعي كامل بعوامل النكوص بل لم تشهد لها حركة نقدية تعترف بالخطأ وتعيد ترتيب النسق الذي يتوازى وحركة الحياة والواقع من حولها بدليل أن خطابها الإعلامي في مصر لايزال يقف عند نقطة الضوء التي وصلوا اليها ولم يتجاوزوها، وهم في اليمن مثلهم في مصر، فالجمود وتعطيل حركة الحياة خاصيتان أحدثتا تنافراً وتضاداً مع المجتمع وهو الأمر الذي عكس نفسه على حركة الواقع، فكانت الثورات المضادة تعبيراً عن حركة الحياة ورفضاً لجمود الاخوان.
لم يلمس الشارع العربي في الدول التي قامت فيها ثورات الاخوان (تونس، مصر، ليبيا، اليمن) أي تغيير أو حركة انتقالية بل ظلت تلك الدول بؤرة صراع دامٍ ومستمر الى أن تبدلت الاحوال وغادر الاخوان قصور وكراسي الحكم في بعض تلك الدول فهدأت كل التيارات والفعاليات السياسية والثقافية وتحركت العبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة وبشكل متقطع، وهي تعبير عن حالة انهزامية غاضبة تحاول الانتقام من الواقع الذي انتصر على جموديتها.
ومن ميزات الجمود الانحدار في المواقف والسقوط القيمي والأخلاقي وقد تبزغ من بين أشكاله الانتهازية في أوضح معانيها وصورها وهو أمر قرأناه في تموجات (ثورة 21 سبتمبر 2014م)، بل وفي موقفها من حركة الانفصال في الجنوب، إذ سارعت بصورة جنونية غير محسوبة الى تأييد حركة الانفصال ولم يكن ذلك الا تعبيراً عن حركة الطائر المذبوح الذي يحاول التشبث بالحياة من خلال حركات عشوائية رافضة للفناء.لقد كنا نأمل أن تفرز حركة المجتمع في السنوات الأخيرة قوى جديدة لكن ذلك لم يحدث بل ظل الواقع كما كان عليه، وحين غابت حركة التجديد والحداثة بسبب معيقات ثقافية -كان الاخوان سبباً مباشراً فيها- بزغت حركة «أنصار الله» كتعبير عن حركة تاريخية تتجدد وفق قانون التاريخ وتعبير عن قوى أكثر ميلاً الى الحداثة وجدت في حركة أنصار الله القوة التي تحمل مشروعاً قادراً على التفاعل مع زمن الحداثة وما بعد الحداثة وهو زمن يمتاز بالتعدد الثقافي وعدم استقرار قيمه الحضارية وبتضاد الجماعات والكيانات في التشارك فيها أو فيه، بل يتعذر ذلك.
إن طبيعة المرحلة التي نحن فيها طبيعة جديدة وكل جديد يتطلب بالضرورة جديداً قادراً على التفاعل معه، ومن هنا فالقول بالتشبيب في الهياكل التنظيمية والسياسية وفي مؤسسات الدولة وهيئاتها المختلفة أصبح ضرورة انتقالية ملحة، فرموز الماضي لا يمكن أن يكونوا تعبيراً صادقاً وحقيقياً وجودياً عن الزمن الحضاري الذي نحن فيه..
وما بقاء تلك الرموز الماضوية في المعادلة التفاعلية الوطنية ليس أكثر من مكابرة وهي تذر الرماد في عيون المجتمع كي تعمى عن حركة الحياة.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:17 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-40688.htm