بقلم/ عبده محمد الجندي - < في الظروف الصعبة التي تمر بها الشعوب والأمم لا تقبل بالتدخلات الخارجية التي تؤدي الى ردود افعال شعبية غاضبة وصاخبة رافضة لما ينتج عنها من أزمات سياسية مركبة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية تفقد الشعوب ثقتها بقيادتها الانتقالية التي تهتم بنفسها أكثر من اهتمامها بشعوبها ولا تجد بين ما لديها من الاحزاب والتنظيمات السياسية الفاسدة حاكمة كانت أو معارضة من يراجع هذه القيادات المشغولة بنفسها ويعيدها الى صوابها والتي تعبث بالديمقراطية وتحولها من وجهة نظر الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الى لعبة سياسية قذرة تفتح المجال لفترات انتقالية لها بداية وليس لها نهاية بشرعية تقاسمية أسوأ من الشرعية الانتخابية التي يعبث فيها الاغنياء بشراء أصوات الفقراء مقابل منح ثقتها لذلك النوع من الحكام الفاسدين والعاجزين عن حماية السيادة والكرامة، بل والعاجزين عن الدخول في منافسات انتخابية صورية وشكلية يخدعون بها الناخبين بما يطلقونه من الوعود الكاذبة مقابل ما يدفعونه لهم من ثمن بخس قد يكون بصورة مخرجات نظرية وحوارية المستحيل فيها أكثر من الممكن، وقد يكون بشكل رشوات مالية ومناصب وحفنة من النقود، وقد يكون وجبة من الطعام، وقد يكون بضعة منافع بسيطة تنتهي بشكل تسويات ودرجات ووظائف لا يستحقونها من الناحية الدستورية والقانونية، وقد تتجاوز ذلك الى الوعود الكاذبة التي تولد ميتة.
أعود فأقول إن الديمقراطية في غياب الوعي السياسي والنضوج الوطني تدفع الى الأمام بفترات انتقالية بأسوأ من القيادات السياسية الفاسدة التي تتحول الى أعباء على الشعب أو على الأمة تتسبب في تدمير كل ما لديهم من المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المؤهلة والمجربة، وقد تتجاوز ذلك الى تدمير كل ما لديهم من الآمال والتطلعات وما ينتج عنها من الإحباط واليأس تضيف فقراً الى فقر وخوفاً الى خوف وظلماً الى ظلم وفساداً الى فساد ومعاناة الى معاناة.
في مثل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة والعارضة تحتاج الشعوب والأمم الى قيادات استثنائية من النوع الذي يمتلكون المواهب والملكات الخارقة للعادة ومن الذين يحققون في حياتهم وأعمالهم نجاحات تمكنهم من الحصول على الأوسمة والنياشين التي تضيف لملكاتهم ومواهبهم النظرية ونبوغاتهم العلمية والعملية شرف البطولة المادية والمعنوية التي تضاعف من مكانتهم في أوساط شعوبهم وأممهم الى درجة الإعجاب وقد تصل الى الحدود المعقولة والمقبولة الموجبة للاحترام والولاء السياسي الى درجة الخلط بين السياسي والديني فتعتبرهم المنقذين والمخلصين الذين يستحقون العبادة وتعتبرهم بمثابة فلتات تاريخية لا فرق بينهم وبين حملة الرسالات السماوية الى حين..
أعود فأقول إن ما وصلت اليه الاحوال الاقتصادية والاجتماعية في التاريخ القديم عند الرومان من البؤس الناتج عن الفقر والهوان في أوساط الفقراء والمحتاجين من الذين يعتمدون على ما كانت تقدمه طبقة (السناتو) من الخبز المجان اضطر هؤلاء الغوغاء من العامة الى أن يبحثوا عن هذا النوع من القيادات العسكرية والسياسية الاستثنائية التي حققت سلسلة من الانتصارات والفتوحات العسكرية التي وسعت الحدود الجغرافية للامبراطورية الرومانية وأضافت لروما موارد الى موارد وثروات الى ثروات لم تعد فوائدها محصورة في نطاق طبقة (السناتو) الارستقراطية الغنية بقدر ما امتدت الى الفقراء وحولتهم من طبقة دنيا الى طبقة وسطى يعملون ضمن الحاجة الرومانية الى المحاربين الذين ينحدرون من مواطني الدرجة الأولى، لأن هناك مواطنات متعددة الدرجات الثانية والثالثة الى درجة العبيد..
هؤلاء هم سكان ايطاليا وسكان المستعمرات الشرقية بمن فيهم أبناء الأمة العربية الذين عليهم واجبات ولكن لهم حقوقاً أفضل من العبيد وأدنى من مواطني الدرجة الأولى لأنهم من مواطني المستعمرات الامبراطورية الرومانية، أما العبيد فقد كان عليهم واجبات ولكن بلا حقوق لأنهم لا يدرجون في نطاق المواطنة بدرجاتها الثلاث.
أعود فأقول إن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري والثقافي للأحزاب الحاكمة والمعارضة التي تحتكر عضوية مجلس النواب والشيوخ في مجلس (السناتو) المنتخب من الرومان أو مواطني الدرجة الأولى، قد دفع العامة من أبناء الرومان الى منح تأييدهم المطلق لقائدهم العظيم يوليوس قيصر بعد ما حققه من الفتوحات العسكرية في الشرق فأصبح دكتاتوراً مفروضاً بقوة التأييد الشعبي على أعضاء السناتو الذين تآمروا عليه وقتلوه لكن الشعب الروماني الذي هتف «الموت لقتلة يوليوس قيصر» قد اختار ابنه بالتبني «اكتافيوس اغسطس» وأنزله منزلة الآلهة حين أطلق عليه لقب (اغسطس).
وفي التاريخ الحديث تكررت القصة مرات عدة في فرنسا وفي المانيا وفي الوطن العربي وفي ايران، حيث كانت الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية قد أنتجت قيادات حزبية فاسدة دفعت الشعوب والأمم الى المراجعة والتراجع من الديمقراطية الى الدكتاتورية ومن الجمهورية الى الملكية كما حدث في فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية الكبرى التي تورطت في سلسلة من الصراعات والحروب والأزمات السياسية المركبة التي دفعت الفرنسيين الى التعلق بـ(نابليون بونابرت) الذي قاد سلسلة من الحروب وسعت الجغرافية الفرنسية وحولت فرنسا من النظام الجمهوري الى النظام الامبراطوري وتم مبايعة بونابرت امبراطوراً مطلق الصلاحيات.. وإذا كانت ألمانيا قد حققت وحدتها القومية التي جعلت منها قوة اقتصادية وعسكرية مهابة فإن شعورها بالقوة العسكرية قد ولد لديها أطماعاً استعمارية دفعتها الى إعلان الحرب العالمية الأولى التي انتهت بهزيمة فرضت على الألمان القبول بالشروط الاستسلامية التي كبلتها بعدد من المعاهدات الدولية المهينة التي جرحت الكرامة الالمانية ودفعت الأمة الالمانية الى البحث عن منقذ ومخلص فوقع الاختيار على رئيس الحزب النازي أدولف هتلر الذي خاطب الروح الالمانية من منظور متعصب الى حد العنصرية للجنس الالماني الذي ولد ليحكم العالم بأسره في كتابه «كفاحي» الذي حدد فيه قناعاته الايديولوجية التي جعلت الألمان يمنحون ثقتهم لحزبه النازي باعتباره المخلص المنقذ للإرادة الالمانية المكبلة بأغلال المعاهدات التي فرضت في أعقاب الهزيمة العسكرية التي انتصر فيها الحلف بقيادة بريطانيا وفرنسا على دول المحور بقيادة المانيا.
أقول ذلك وأقصد به أن هتلر تحول الى زعيم دكتاتوري وإنْ كان قد أعاد للألمان ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على صنع الانتصارات العسكرية ليس على أعدائهم فحسب بل وفكر ايضاً في قيادة العالم الى الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من كارثة أزهقت ملايين الأرواح وملايين الجرحى والمشوهين.
وما حدث في ألمانيا حدث في إيطاليا حيث أسفرت الهزيمة العسكرية والفساد الحزبي والسياسي عن معاناة اقتصادية دفعت الايطاليين الى إعطاء ثقتهم للحزب الفاشي وزعيمه (موسيليني ليني) الذي وجد في (الفهرر) وحزبه النازي حليفاً مكنهم من تحقيق ما وعدوا به شعوبهم من انتصارات عسكرية واقتصادية تعيد الكرامة لشعوبهم ودولهم الفاقدة السيادة والمكبلة بسلسلة من الأغلال التي فرضها المنتصر على المهزوم.
أقول ذلك وأقصد به أن تحديات الهزيمة العسكرية لدول المحور قد أسفرت عن تحديات ولدت لدى الشعوب استجابات مشوبة بالتطرف بحثاً عن انتصارات تحولت الى هزائم في غياب السياسات البناءة لأن الهرولة وراء الثارات الانتقامية قد اسهمت في قيادة تلك الشعوب المهزومة الى البحث عن انتصارات بتضحيات فاقت كل ما هو معقول ومقبول، لأن اطلاق يد الدول الخارجية والاحتكام الى الأجانب قد دفع تلك الشعوب الى مساندة ما دعا اليه هؤلاء القادة وأحزابهم الدكتاتورية باعتبارها البديل للديمقراطيات الضعيفة والهزيلة التي قبلت التعامل مع التدخلات الخارجية استجابةً لسياسة الأمر الواقع غير القابلة للتغيير.
ولم تقف ردود الأفعال عند التحول من الجمهورية الى الامبراطورية بل تجاوزت ذلك الى التراجع من الامبراطورية الى الملكية.. وفي الوطن العربي كانت الامة العربية قد شهدت نوعاً من الانظمة الديمقراطية الليبرالية في بعض المستعمرات البريطانية والفرنسية كما حدث في عهد الملك فاروق وفي سوريا وفي عهد الملك فيصل.. في مصر كان النظام ملكياً ديمقراطياً قد شهد سلسلة من الأزمات بين القصر وبين الأحزاب، كانت بريطانيا هي المرجعية الاستعمارية حسب ما لديها من معاهدة مع النظام الملكي الحاكم وكانت الأحزاب السياسية مرتبطة بالاستعمار البريطاني في حالة صراع مع الملك فاروق، قامت ثورة 23 يوليو الناصرية وأطاحت بنظام الحكم الملكي وانتزعت الاستقلال من بريطانيا وهب الشعب المصري لتأييد الثورة وقائدها البطل جمال عبدالناصر الذي استهل ثورته بقانون الاصلاح الزراعي وسط تأييد شعبي منقطع النظير وحكم جمهورية مصر العربية بشرعية ثورية استبدلت النظام الديمقراطي الملكي الرأسمالي بالنظام الجمهوري القومي الاشتراكي.. داعياً الى تحقيق الأهداف الاستراتيجية للثورة العربية المتمثلة بالحرية والاشتراكية والوحدة.. تعاظمت مكانته في مصر فعظمت مكانته كزعيم للأمة العربية من المحيط الى الخليج، الا أن الثورة العربية تعرضت لسلسلة من المؤامرات الأجنبية وجدت المجال بعد وفاة جمال عبدالناصر الذي تعلقت به الآمال والتطلعات القومية.
ونفس ما حدث في الوطن العربي حدث في إيران حيث كان نظام الشاه قد عُرف بعمالته للولايات المتحدة الامريكية الذي حاول خداع شعبه بالتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة الا أن الفساد السياسي والحزبي أغرق الأمة الإيرانية في سلسلة من الأزمات والصراعات الناتجة عن التدخلات الأجنبية صاحبة المصلحة الحقيقية في ثرواته النفطية.
الشعب الايراني الذي أنهكته الأزمات والصراعات والتدخلات الاستعمارية تطلع الى الفرج فوجده بعد إعدام مصدق وفشل ثورته في دعوة الإمام آية الله الخميني للثورة الاسلامية الايرانية التي أطاحت بنظام الشاه وقادت ايران نحو الاستقلال من الهيمنة الغربية.
أقول ذلك وأقصد به أن ما قام به التنظيم العالمي للاخوان المسلمين من سرقة لثورات الربيع العربي في مصر وفي ليبيا وسوريا وفي اليمن قد حاول محاكاة ما قامت به التجارب الشوفينية القومية النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا في إقامة الامبراطورية الاسلامية وفرض القبضة الحديدية لقيادة التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بالتعاون مع الدكتاتور التركي رجب طيب اردوغان الحالم بالأمجاد العثمانية ولكن باسم الخلافة الاسلامية لتكرار ما حدث في المانيا وايطاليا والاتحاد السوفيتي من فرض لدكتاتورية الحزب الواحد والشخص الواحد، الا أن فشل الاخوان في إعادة الأمجاد العثمانية للامبراطورية السنية وفشلهم في إخضاع الدولة لملكيتهم الخاصة وعدم اهتمامهم بالتنمية الاقتصادية بدت تجربته فاشلة دمرت كل ما صنعته الانظمة الجمهورية من خلال الشرعية الثورية من منجزات اقتصادية واجتماعية وعسكرية وأمنية وثقافية لا يتذكر منها سوى الاخونة وتدمير مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية سرعان ما قوبلت بردود أفعال صاخبة وغاضبة مندفعة من الداخل بضرورات معيشية وأمنية ناتجة عن تفشي الاستبداد وسوء الاستغلال للسلطة والثروة والقوة.
أعود فأقول إن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية المعقدة قد كشفت في عصر يقال عنه عصر الشفافية والمعلومات والاتصالات والصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة والالكترونية قد كشفت أنهم قوى ظلامية وشمولية تعيش خارج العصر وغير قادرة على الاعتراف بالآخر والاستعداد للتعامل مع الجديد واحترام حقوق الانسان لأن تجربتهم القصيرة وجشعهم في التعامل مع السلطة والثروة قد أنتجت من الأزمات التي أعادت الأوضاع الى شرعية العصور الوسطى المظلمة أضافت فساداً الى فساد وظلماً الى ظلم وجهل الى جهل واستبداد الى استبداد وفقراً الى فقر وخوفاً الى خوف.. استبدلت الجيوش بما لديها من المليشيات المسلحة وإشاعة الأعمال الارهابية على نطاق واسع ودمرت الاقتصاد وعرضت الشعوب الى شبح المجاعات الناتجة عن غلاء الأسعار ورفع الدعم الحكومي بصورة دفعت جيوشاً من المظلومين والمقهورين الذين فقدوا أعمالهم ووظائفهم بالإضافة الى جيوش من العاطلين والبؤساء الذين تسحقهم البطالة ويمزقهم الفقر الى ثورات تطالب صراحةً برحيل الاخوان من السلطة تماماً كما حدث ويحدث في مصر وفي ليبيا في سوريا وفي اليمن وفي العراق بعد أن أكدت التجربة والممارسة ان الاخوان المسلمين قوى ارهابية لا علاقة لها بالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المحققة للعدالة والمواطنة المتساوية.
ولعل ما أقدمت عليه حكومة الاخوان في اليمن من الاقصاء والإلغاء والإفلاس للموازنة العامة التي حاولت سد العجز الخيالي بما أقدمت عليه من الجرعة، هو ما دفع الشعب اليمني الى البحث عن مخلص ينقذهم من حكومة الاخوان وما أقدمت عليه من الجرع القاتلة للحياة وللدولة وللتنمية..
ولم يجدوا من ينقذهم من الحكومة الفاسدة والجرعة القاتلة وشبح العقوبات الدولية والتدخلات الأجنبية سوى الاستجابة لما دعاهم اليه زعيم أنصار الله من موقعه في جبال مران بمحافظة صعدة.
|