بقلم/ عبده محمد الجندي -
في البدء كان المستشارون قد التزموا باتفاق السلم والشراكة الوطنية وقاموا بتوزيع الحقائب الوزارية، بواقع 9 للمؤتمر وحلفائه و9 للمشترك وشركائه و6 لأنصار الله و6 للحراك السلمي و4 حقائب سيادية لرئيس الجمهورية، وتم تقسيم الـ30 الوزارة الى مجموعات، أجريت القرعة وأخذت كل مجموعة حصتها، الا أن المشترك رغم توقيعه على هذا التقسيم أظهر تذمراً يعتقد البعض أنه باتفاق مع رئيس الجمهورية ومع رئيس الحكومة، مطالباً بزيادة حصته في لعبة الهدف منها الالتفاف على المؤتمر وأنصار الله وتشكيل الحكومة من المحسوبين على ما يسمونه ثورة 21 مارس 2011م الذين أسسوا ما أطلقوا عليه الاصطفاف الوطني الداعم لرئيس الجمهورية في مواجهة أنصار الله مضافاً اليهم المؤتمر الشعبي العام الذي يتهمونه بالتحالف مع أنصار الله لهدف في نفس يعقوب، ولأن ممثل أنصار الله غلب حسن النية على سوء النية في الاستجابة لمطلبهم بتفويض رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة بالتشاور مع الأحزاب والمكونات السياسية، فقد اضطر المؤتمر الذي يدرك حقيقة اللعبة الى تفويض رئيس الجمهورية بعد أن وجد نفسه بين مطرقة إجماع المكونات السياسية وسندان الخوف من اتهامه بعرقلة التسوية السياسية رغم معرفته بما يخطط له جمال بن عمر من نوايا التهميش للمؤتمر الشعبي العام، وإقصائه من المشاركة السياسية حتى لا يبقى صوتاً قوياً للمشترك فيما فرض عليه وعلى أنصار الله من عقوبات دولية ومن ملحقات أمنية، منفرداً دون الإصلاح الذي يمتلك أسلحة ثقيلة ومتوسطة ومعسكرات حزبية بالإضافة الى المليشيات الحزبية المتمثلة باللجان الشعبية المدعومة من الدولة والمدعومة من الخارج لمواجهة الحوثيين.
أعود فأقول: إن أنصار الله وقعوا أو أوقعوا بحسن نية في لعبة التفويض لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة وقد حرصوا على تطمين جميع شركاء الحياة السياسية أنهم يقفون على مسافة متساوية من المشترك ومن المؤتمر الشعبي العام، وأنه لا وجود لما يروجون له من تحالف ثنائي سوى في خيالاتهم وصحافتهم المرئية والمسموعة والمقروءة والمسخرة لاستثارة غضب الدول الخليجية على المؤتمر ورئيسه، وعندما أدرك أن الجميع لا يحرصون على توقيع المؤتمر امتنع عن التوقيع في وقت كان فيه المؤتمر قد اضطر للتوقيع خوفاً من اتهامه بعرقلة التسوية السياسية مهما ترتب عليه من عواقب وخيمة.
الا أن من تم تفويضه قد أساء استخدام الثقة فأصاب أربعة عصافير بحجر واحد لتحقيق ما له من الحسابات الخاصة.
- العصفور الأول: إقرار العقوبات الدولية على ثلاثة مواطنين يمنيين.. من المؤتمر وأنصار الله.
- العصفور الثاني: تشكيل حكومة من عناصر معظمها معادية للمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله.
- العصفور الثالث: إقصاء المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله من حكومة الكفاءات المتعددة الجنسيات.
- العصفور الرابع: إرضاء الدول الراعية للمبادرة الخليجية المتفقة على إخراج أنصار الله وتجريدهم من سلاحهم دون ربط بينه وبين تسليم سلاح الاخوان المسلمين، وتحويل ثورة مارس 2011م الى ثورة حاكمة لا تقيم وزناً لثورة 21 سبتمبر 2014م في معادلة معكوسة تحول فيها المهزوم الى منتصر وتحول المنتصر الى مهزوم يستدل منها بما لدى الإصلاح من دهاء سياسي.
أعود فأقول إن المؤتمر الشعبي العام الذي أخرج من الحكم الى المعارضة بتهمة التحالف مع أنصار الله لم يكن مصابه بهذه الضربات المعبرة عن سوء النية أمام حسن النية أكثر إيلاماً من مصاب أنصار الله المنتصرين في مواجهتهم مع الاخوان المسلمين الى طرف مهزوم بعد أن أصبح الطرف المهزوم هو المنتصر، غير آبهين بما سوف تحدثه هذه الحكومة المخيبة للآمال من الفشل وما قد يترتب عليه من ردود أفعال صاخبة وغاضبة لأنها حكومة لم تكن عند مستوى التطلعات الشعبية، تم اختيارها لإجهاض ثورة 21 سبتمبر لكي يتم إلحاقها بثورة 2011م، وأياً كانت التناقضات وما أسفرت عنه من ضربات مؤلمة يستدل منها على غياب المصداقية والموضوعية والثقة، فإن الواقع يؤكد أن هذا الاصطفاف الذي ولد ميتاً أمام التظاهرات والاعتصامات والانتصارات العسكرية الساحقة لجماعة أنصار الله، يحتم على هؤلاء وعلى المؤتمر الشعبي العام اتخاذ سلسلة من التدابير العملية لتحويل الدعاية التحالفية الى حقيقة عملية دون خوف من العواقب الكارثية الوخيمة، لأن التحالف عملية سياسية مشروعة ومستمدة من شرعية حق الدفاع الشرعي عن النفس طالما وقد نجح هذا الاصطفاف الرسمي في إقناع الدول الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ان التحالف بين المؤتمر وبين أنصار الله حقيقة لا يرتقي اليها الشك.
لأن الواضح من التزامن بين إعلان الحكومة المخيبة للآمال وصدور العقوبات الدولية أن المشير عبدربه منصور هادي لم يعد رئيساً توافقياً انتقالياً بقدر ما أصبح رئيساً منحازاً يبحث عن مبررات تؤدي به الى التأبيد من خلال تفصيل الدستور الجديد وتقسيم اليمن الى أقاليم على مقاسه وفق ما لديه من الحسابات، كيف لا ونحن نلاحظ معظم الوزاراء في هذه الحكومة المخيبة للآمال قد تم اختيارهم بطريقة مستفزة لأنصار الله وللمؤتمر الشعبي العام ولجماهير الشعب، تبقيهم بين متهمين بالفساد من الحكومة السابقة وبعض الحاملين للجنسيات المزدوجة من الذين يدينون بالولاء لبعض الدول الراعية للمبادرة الخليجية وفي المقدمة الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة البريطانية والجمهورية الفرنسية، الى غير ذلك من الدول العربية التي سارعت للمباركة.
وقبل ذلك وبعد ذلك فهي حكومة سفارات أجنبية وليست حكومة كفاءات تفتقد للحيادية والاستقلالية والكفاءة والخبرة، ومعنى ذلك أن عدم مراعاة رئيس الجمهورية لحق استخدام ما أعطي له من الثقة، قد ولد لدى المؤتمر وأنصار الله الكثير من الشكوك والمخاوف التي جعلت اللجنة الدائمة تعبر بالإجماع عن قرارها في تكليف نائب أول وأمين عام وتصعيد أمناء عموم مساعدين ونائب جديد يضاف الى من سبق من النواب لرئيس المؤتمر الشعبي العام كفكرة قديمة جديدة، وإذا أضفنا الى ذلك ما أعلنه المؤتمر من دعوة وزيره الوحيد الاستاذ أحمد الكحلاني عضو اللجنة العامة للخروج من الحكومة واعتبار نفسه مقصياً منها على نحو لم يسبق له من الشراكة سوى الاقتناع بحقه في المعارضة، في وقت عبر فيه أنصار الله صراحةً عن خيبة أملهم في الحكومة وطالبوا بتعديل يشمل الوزراء الفاسدين والمشكوك في ولائهم..
الأمر الذي تسبب في أزمة سياسية وجدت من العدم، وكان المتهمون فيها المشترك ومعهم رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة الجديدة الذين يحددون مواقفهم من خلال ما يعتقدون أنه يرضي رئيس الجمهورية.
أزمة سياسية قد تبدأ بسيطة لكنها قابلة للتحول من البساطة الى التعقيد، في وقت عبرت فيه جميع المؤسسات الدستورية للدولة عن رفضها للتدخلات الخارجية والعقوبات الدولية، واعتبرت أنها تنطوي على مساس في السيادة والكرامة الوطنية وتفقد رئيس الجمهورية ما هو بحاجة اليه من مصالحة وطنية تقود الجميع الى اصطفاف وطني قادر على مجابهة التحديات الاقتصادية والأمنية الآخذة في التفاقم والاستفحال الذي يضاعف من كلفة المواجهة الناجحة، إلا أن ما يبعث على الاطمئنان أن موقف المؤتمر ومعارضته للحكومة سوف تكون عقلانية وبدافع الحرص على البناء.
لقد وقع فخامة الاخ رئيس الجمهورية أو لعله أُوقع من بطانته في أخطاء مع حزبه يعتقد البعض أن نتائجها سوف تكون فادحة لم يكن مستعداً لمواجهتها، إذا علمنا أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية التي تمر بها البلاد تدفع باتجاه الاستفحال والخروج عن نطاق القدرة على السيطرة، في وقت تعتبر فيه اللجان الشعبية المسلحة واللجان الثورية هي القوة العسكرية والأمنية المسيطرة على الواقع والمتصدرة للحرب على الارهاب، في وقت تعرضت فيه المؤسسات العسكرية والأمنية لحالة من الإحباط والشلل الذي يجعلها عاجزة عن الاضطلاع بمسؤولياتها في حماية السيادة وفي تحقيق ما تحتاجه البلد من الأمن والاستقرار والحفاظ على الكرامة المتمثلة بالديمقراطية والعدالة والوحدة وتغليب إرادة الداخل على غيرها من الرغبات الخارجية.
أقول ذلك وأقصد به أن ما أعطيت له القضية الجنوبية من الحلول بداية من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونصف الحكومة المخيبة للآمال لم تحقق الاقتناع لدى الحراك الذي تتعدد فيه الجماعات المؤثرة بتعدد المكونات والقيادات ولا تلتقي الا على شيء واحد هو المطالبة بحق تقرير المصير وإعادة الدولة المستقلة التي تتوعد بإعلانها في 30 نوفمبر الذكرى التاريخية للاستقلال، وسط معلومات أن هذا النوع من الحراك الانفصالي أصبح مدعوماً من الدول الخليجية المتضررة من الحركة الحوثية لأنصار الله المحسوبة على حزب الله وعلى الجمهورية الاسلامية الايرانية.
نعم لقد وقع فخامة الأخ رئيس الجمهورية أو لعله أُوقع من مستشاريه في سلسلة من الأخطاء اللاإرادية سواء في صراعه مع حزبه أو في إقصائه من الحكومة أو في تكتيكه مع أنصار الله في تمكينهم من السيطرة على العاصمة ومعظم المحافظات الشمالية أو في دعمه للحراك والضغط به على القوى الوحدوية أو في مطالبته لمجلس الأمن والولايات المتحدة الامريكية بمعاقبة مواطنيه، وأصبحت صورته أمام حزبه وشعبه مشوشة وداكنة تحتاج الى الكثير من الجهود والمواقف العملية المضنية التي تساعد على إعادة ما هو بحاجة الىه من المصداقية والثقة وسواء أكانت أخطاء إرادية مقصودة ناتجة عن حسابات خاطئة أو كانت أخطاء لا إرادية غير مقصودة.
وفي هذا الاطار نستطيع القول بأن فرص النجاح أمام الحكومة لم تعد عند مستوى الآمال والتطلعات الشعبية التي تحتاج الى الخبز والأمن بصورة ملحة وعاجلة وغير قابلة للترحيل والتسويف الذي لا يتحقق منه سوى الخداع والدجل والمناورة بعد تضحيات استهلكت كلما لديه من قدرة على النصيحة بعد أن أصبح 60% من الشعب يعانون من سوء التغذية حسب التقارير الدولية، أما وقد وصلت التدخلات الخارجية حد التهديدات الأمريكية الصريحة التي يعتقد الرئيس هادي أنه أمام خيار الاعتماد عليها ولا يحتاج الى استرضاء شعبه، بقدر ركونه الى ما يحيط به من رعاية خارجية تلوح بما لديها من الأساطيل والطائرات والمدمرات العملاقة التي فشلت في العراق وسوريا في تحقيق الانتصارات السريعة على تنظيم داعش، وفي افغانستان في حربها على طالبان، مستندةً الى حسابات ما سوف توفره أحزاب المشترك بقيادة التجمع اليمني للإصلاح من قوة برية سوف تؤكد التجربة أنها هلامية تعكس السفسطة الاعلامية للاخوان المسلمين وشركائهم في أحزاب اللقاء المشترك الذين لا يمتلكون سوى الأوراق والتكتيكات السياسية والدعائية التي لا تصل الى ما يمتلكه المؤتمر الشعبي العام من عقلانية وتجربة سياسية وقاعدة شعبية قادرة على تعريتهم وفضح عمالتهم أمام الشعب الرافض للتدخلات الخارجية، لذلك نجدهم يلقون عليه باللائمة ويحملونه ما لا يحتمل من المسؤوليات عما يحدث للبلد من المصائب والتحديات، لأنهم لن يجدوا الفرص المتاحة لهم في إحكام سيطرتهم وقبضتهم الحديدية على السلطة منفردين الا بعد الخلاص من قيادته ورئيسه وإلقائه في السجن أو في المنفى أو في القبر.. وبدون ذلك سيظل عائقاً يستخدمونه شماعة لتعليق فشلهم واخفاقاتهم في التعامل التدميري مع السلطة والثروة لمصالحهم الشخصية، أما أنصار الله الذين توافرت لديهم الخبرات القتالية العالية بحكم ما قاموا به في حروب الدولة الست معهم، فهم يفتقدون الى ما يجب أن يتوافر لهم من الخبرات والمهارات السياسية القادرة على ممارسة ما هم بحاجة اليه من التكتيك والخداع والكذب والمناورة في حربهم مع الاخوان المسلمين وشركائهم الذين توافرت لديهم خبرات ارهابية عالية يحاولون الاستعانة بها في حربهم التي يسمونها طائفية مع أنصار الله، التي تحولت الى سلسلة من الهزائم العسكرية ليس لأنهم لا يمتلكون ما هم بحاجة اليه من السلاح والدعم الدولي، ولكن لأنهم أغنياء يحبون الحياة أكثر مما يحبون الموت، رغم ما لديهم من الدعم الحكومي والدعم الخارجي متعدد المصادر العربية والأجنبية، لذلك لم يكن التدخل الامريكي مخيفاً لأنصار الله بقدر خوفهم من المناورات والتكتيكات السياسية المعبرة عن الخيانة لذلك نجدهم يستخدمون كل ما لديهم من التحالفات والامكانات للحيلولة دون قيام التحالف الحقيقي بين المؤتمر الشعبي العام برئاسة الرئيس السابق، وبين أنصار الله بقيادة السيد عبدالملك الحوثي، هذا التحالف الذي أخذ يتحول من العدم الى الوجود يعتقد البعض أن التدخلات الخارجية هي التي تدفعه بخطوات سريعة، ولعلهم نجحوا في إقناع رئيس الجمهورية بأن علي عبدالله صالح هو المصدر الوحيد للخطر الذي يحوم حوله ويهدد موقعه الرئاسي وسلطته المدنية والعسكرية، فأصبح من خلال تلك القناعة الأقدر والأصدق على إقناع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الدوليين بحكم ثقتهم به وخوفهم عليه الذي لا يثق بهم أكثر من ثقته بالولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وبالمقابل أيضاً استخدموه في إقناع الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، باتت بداية التحجيم للتوسعات الحوثية الشيعية الايرانية تستوجب الضغط على الرئيس السابق وإرغامه على تناسي الماضي والاصطفاف مع الاخوان المسلمين لمواجهة أنصار الله، ولما لم يتمكنوا من إقناع صالح بقبول الوساطة السعودية ومد يده الى اللواء علي محسن الاحمر عادوا الى استخدام الغضب السعودي الخليجي على صالح واتهامه بأنه الداعم الرئيسي للحوثيين وذلك بدفعه لأنصاره وأتباعه في تأييد ثورتهم وتجاوزوا ذلك الى اتهامه بتسليحهم وبالإنفاق عليهم، وبدعم القاعدة وبالاستعانة بها لقطع الكهرباء والنفط، الى غير ذلك من الاتهامات الكيدية التي أقنعت الدول الخليجية الى درجة جعلته الهدف الأول، لما لديهم من وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة التي ما برحت تزين لهم بساطة التدخلات العسكرية لإلحاق الهزيمة بأنصار الله الذين يحكمون سيطرتهم على معظم المدن اليمنية.
أخلص من ذلك الى القول إن الأخطار والتحديات التي تواجه الرئيس صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام باتت داخلية وخارجية لا يمكن التصدي لها بقدر من الصمود الا من خلال تحالفات عاجلة مع أنصار الله الذين أصبحوا قوة سياسية معترفاً بها من قبل الدولة لأن مراعاة العلاقات الخارجية السابقة مع الدول الخليجية والدول الرأسمالية الدائمة العضوية باتت بحكم المستحيل مهما كان عدم التحالف حقيقة بعد أن تحول الحق الى باطل وتحول الباطل إلى حق.