الميثاق نت -

الإثنين, 24-نوفمبر-2014
الدكتور‮/‬علي‮ ‬مطهر‮ ‬العثربي -
الادراك الواعي والمعرفي لمفهوم العلم هو البداية العملية لتقدم البلدان وأساسها المتميز في بناء الحضارة الانسانية وتخليد اسم اليمن في أنصع صفحات المجد الحضاري وكسب احترام العالم، لأن نحت مكانة اليمن في خارطة العلاقات الكونية لا يأتي إلاّ من خلال العلم وبناء الانسان وتهيئة الظروف اللازمة والمناسبة للابداع العلمي والتميز فيه، وهذه الحقيقة الموضوعية قد أدركها المؤتمر الشعبي العام منذ اللحظات الأولى لتاريخ نشوئه وتطوره في بداية الثمانينات، فقد كانت استراتيجية مؤتمره العام الأول في 24 أغسطس 1982م النهوض العلمي وبناء الانسان معرفياً ليتمكن من الاسهام في بناء الوطن من خلال العلم والمعرفة، الأمر الذي جعل الهم الاستراتيجي للمؤتمر هو بناء الانسان وتهيئة الظروف والمتطلبات اللازمة لذلك بما يحقق البعد الاستراتيجي لبناء الدولة اليمنية القوية والقادرة والواحدة الموحدة، فوجه حكوماته منذ ذلك الحين الى أهمية بناء الانسان وايجاد وسائل ذلك البناء والتأهيل من خلال إنشاء المدارس الابتدائية ودور الحضانة والمراحل التمهيدية وصولاً الى مرحلة التعليم الأساسي وأوجد أدوات التعليم من معلم وكتاب ومعمل، محققاً في هذا المجال نهوضاً حقيقياً مازالت‮ ‬بشائره‮ ‬تقدم‮ ‬النموذج‮ ‬الأمثل‮ ‬في‮ ‬بناء‮ ‬الانسان‮.‬
إن الاهتمام بالتعلم باعتباره طريقنا نحو المستقبل قد تجاوز حد المهم وأصبح في الفكر الاستراتيجي للمؤتمر الشعبي العام الأهم وانتقل من التعليم الأساسي الى التعليم الثانوي فأوجد المنشآت العملاقة من المعاهد والكليات والجامعات ووفر القدر الكافي من المتطلبات اللازمة لبناء الانسان في هذه المرحلة، ووصل التعليم الثانوي الى كل الريف اليمني وكانت حركة النهضة التعليمية في أوج عطاءاتها حتى عام 2011م عام النكبة على العلم والمعرفة، وعندما اكتملت متطلبات التعليم الثانوي والجامعي من خلال انشاء الجامعات في المحافظات ركز المؤتمر الشعبي العام على الدراسات المتخصصة التي تلبي متطلبات التطورات المتلاحقة في مختلف المجالات، فوجه حكوماته الى انشاء مراكز الدراسات والبحوث العلمية على مستوى الجامعات الحكومية والزام الحكومة بايجاد التشريعات اللازمة وتوفير المتطلبات الكافية لتتمكن تلك المراكز‮ ‬من‮ ‬تقديم‮ ‬المفيد‮ ‬النافع‮ ‬وحدثت‮ ‬نهضة‮ ‬علمية‮ ‬مشهود‮ ‬لها‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬الجامعات‮ ‬اليمنية،‮ ‬ناهيك‮ ‬عن‮ ‬رعايته‮ ‬للابتعاث‮ ‬لخارج‮ ‬البلاد‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬الخبرات‮ ‬العلمية‮ ‬والعملية‮.‬
إن المنصفين المتابعين للنهوض العلمي وبناء الانسان اليمني يستطيعون القول إن اليمن حتى عام 2011م كانت قد انطلقت الانطلاقة الجادة في مجال بناء الانسان وأن شعار اليمن منذ 24 أغسطس 1982م وحتى نهاية 2010م العلم طريقنا والانسان هدف التنمية ووسيلتها، وكانت المؤسسات التعليمية قد بلغت من الاعداد ما يفوق التصور ولا أريد أن أذكر أرقاماً رغم وجودها لديِّ ولكن أترك الباحثين والمنصفين يبحثون عنها، وأن يدركوا أن ما حدث في عهد المؤتمر الشعبي العام من 1982م وحتى نهاية 2010م قد فاق الخيال وهيأ الأجواء لبناء الانسان وأن النهضة العلمية قد أذهلت العالم وأغاضت العدو الذي دبر لليمن والوطن العربي المؤامرة لتدميره تحت مظلة ما سمي بالربيع العربي الذي أتى على الأخضر واليابس ودمر البنى التحتية للعملية التربوية وهجر الناس من بيوتهم والطلائع من مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم، الأمر الذي حول تلك المنشآت التعليمية العملاقة الى مأوى للمواشي وخصوصاً في الريف اليمني، فبدلاً من أن حكومات المؤتمر السابقة قد بلغت نجاحاً كبيراً في مجال تعليم الفتاة اليمنية في الريف وكانت ترتاد المدارس مع شقيقها الشاب جاء الطوفان في 2011م ليمنع حتى الذكور من التعليم ناهيك‮ ‬عن‮ ‬الإناث‮.‬
إنني لا أقول هذا من باب المبالغة ضد أحد وإنما من باب الواقع الذي نعيشه اليوم وسأذكر حقائق اتحدى أن أحداً سينكرها لأنها بيان عملي من واقع الحياة وسأبدأ من مسقط رأسي في عزلة بني الغربي التي تم بناء عشر مدارس فيها، أصبحت اليوم مغلقة وكانت الفتاة في هذه العزلة قد انخرطت في السلك التعليمي وكنا نفكر في توفير فصول لمحو الأمية للكبار فجاء الطوفان وقضى على التعليم، وقس على ذلك بقية الريف والمناطق اليمنية بل والمدن وفي المديريات وعواصم المحافظات ولمن يكابر عليه أن يقوم بزيارات ميدانية للريف ويشاهد المأساة والفاجعة الحقيقية، والأكثر من ذلك لم يصل الدمار الشامل مراحل التعليم الأساسي والثانوي، بل قد بلغ الى التعليم الجامعي ولكم أن تزوروا الجامعات والكليات لتشاهدوا المأساة والفاجعة عن قرب ولكم أيضاً أن تقارنوا بين ما كانت عليه تلك المنشآت من حيث الصيانة فقط قبل وبعد 2011م‮ ‬عام‮ ‬الدبور‮ ‬على‮ ‬العلم‮ ‬والمعرفة‮ ‬الذي‮ ‬خلف‮ ‬الخراب‮ ‬والقبح‮ ‬الذي‮ ‬أرجع‮ ‬أبناء‮ ‬اليمن‮ ‬الى‮ ‬القرون‮ ‬المتخلفة‮.‬
إن ما يحدث من تدمير للعلم باسلوب ممنهج قد بلغ ذروته ووصل حد استهداف العلماء والمفكرين والمبدعين ووصل حد القتل وحد الاستبعاد والتهجير ومن صمد منهم محارب حتى في لقمة عيشه وطريقه ومستقبل أولاده وسأضرب لكم مثالاً واحداً فقط في هذا الشأن وهو ما تتعرض له مراكز الدراسات والبحوث في جامعة صنعاء من الحرب المعلنة والشرسة التي تطال أكثر من مائة استاذ يحملون الشهادات العلمية من أعرق الجامعات في العالم ومع ذلك نطالبكم أيها المتنطعون بأن تزوروا جامعة صنعاء لتشاهدوا محاولة تحطيم أكثر من مائة عالم أفنى حياته في طلب العلم.
إننا إذ نقول ذلك إنما لندق ناقوس الخطر في أذهان العقلاء والحكماء من أجل انقاذ اليمن من هذا العبث وهذا الاستهداف لأنه لم يعد استهداف أفراد بعينهم في النظام السابق وإنما استهداف اليمن وشطب اسمه من خارطة العلاقات الكونية، نحذر كل الحذر من السكوت على كل ذلك والدعوة‮ ‬الى‮ ‬صحوة‮ ‬جديدة‮ ‬لانقاذ‮ ‬الوطن‮ ‬والاسهام‮ ‬في‮ ‬اعادة‮ ‬اعماره‮ ‬وبنائه‮ ‬مهما‮ ‬كلفنا‮ ‬ذلك‮ ‬من‮ ‬ثمن‮.. ‬بإذن‮ ‬الله‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:39 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41146.htm