الإثنين, 01-ديسمبر-2014
إعداد/ عبدالفتاح الأزهري -
< لم يكن التباين في المفهوم الثوري بين «جبهة التحرير» أو بين «الجبهة القومية»، أو حتى وهم في اطار الكيان الذي جمعهم وهو (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل)، ذا مغزى في فكر الثوار، لأن الهدف كان واحداً وهو الثورة التي تقود شعبنا إلى فجر الاستقلال التام لكامل الأرض، والذي بدوره يفتح الآفاق واسعة إلى ثورة كبرى على الواقع المجزأ على الأرض اليمنية بين شمال وجنوب..






بعد أيام قليلة من قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م في الشمال، تصاعد النضال الوطني في الجنوب ضد الاستعمار وأعوانه ووصل في عدن إلى أوجه، حين تضامنت القوى الوطنية للتصدي للمشروع البريطاني الذي سعى إلى ضم عدن إلى بقية الكيانات تمهيداً لقيام ما سمي بالاتحاد العربي، فقد دعا المؤتمر العمالي ومختلف القوى الوطنية إلى الزحف إلى المجلس التشريعي الذي كان قد عقد اجتماعات له لضم عدن إلى الاتحاد المزيف، وتعرض الكثير من قادة المؤتمر العمالي إلى الاعتقال من قبل قوات المستعمر البريطاني بهدف افشال الزحف الشعبي، وهو ما فشل فيه المستعمر أمام الثوار الذين قرروا السير في طريق النضال من أجل الاستقلال الذي كان صعباً وشاقاً وطويلاً..
وبدأت أعمال الفعل الثوري النضالي للقوى الوطنية في التبلور في العديد من المحطات المهمة منها أن عدداً من أعضاء قيادة (حركة القوميين) بدأ بالتفكير بالكفاح المسلح ضد الانجليز في مناطق الجنوب وذلك في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وفي عام 1961م، كانت «قيادة الحركة المركزية» قد بلورت شعار (الجبهة القومية) كأداة عامة للنضال في أي منظمة أو اقليم في الوطن العربي، وكان الشعار السائد آنذاك في البلاد العربية هو شعار (الجبهة الوطنية أو الجبهة الشعبية أو الجبهة الوطنية المتحدة)، في وقت كان مضمون النضال لدى (حركة القوميين العرب) مرتبطاً بالانحياز القومي العربي، ومن هنا كان جوهر الخلاف الفكري والسياسي والذي كان يزخر به النضال الوطني على امتداد الساحة العربية، ومظهراً من مظاهر الخلاف بين الفكر القومي عموماً من جهة والفكر اليساري من جهة اخرى، وكان من الطبيعي ان ينتقل ذلك الخلاف إلى الساحة اليمنية، فتلتزم حركة القوميين العرب بمفهوم (الجبهة القومية).
ومع امتداد تنظيم الحركة السري الى الشمال تبلور مفهوم أهمية اسقاط النظام الإمامي وإحلال النظام الجمهوري بدلاً عنه، ليصبح الشمال جزءاً متحرراً من النظام الإمامي الرجعي، ويشكل قاعدة نضال لتحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني وعملائه، وبحكم الوجود الملموس للحركة القومية في الإطار المدني والعسكري في ثورة 26سبتمبر 1962م بقيادة الضباط الأحرار، ورغم تخلي مجموعة الضباط من أعضائها عن انتمائهم الحزبي بعد انتصار الثورة وتحقيق الاستقلال، إلاّ أن الحركة لم تتخل عن تنظيمها كما فعل تنظيم الضباط الأحرار.. لقد استمرت في التوسع وتصعيد تأثيرها بين أوساط الجماهير بما في ذلك الوسط العسكري من خلال أعضائها الذين انضموا الى الحرس الوطني وأصبحوا يحملون الرتب العسكرية المختلفة، إضافة لمن التحقوا بالمؤسسات العسكرية أثناء تأسيس الجيش النظامي الحديث.
ميثاق التحرر
لقد كان مكتب شؤون الجنوب في صنعاء مركز تجمع واتصال ولقاءات ونقاشات بين الفئات الوطنية حول أهمية توحيد القوى الوطنية وتفجير الثورة لتحرير جنوب اليمن، وتوصلت تلك الجهود الى عقد اجتماع عام في 24 نوفمبر 1962م في دار السعادة بصنعاء حضره المئات من أبناء جنوب الوطن بينهم عناصر بارزة في قيادة الحركة الوطنية في الجنوب ومن مختلف القوى السياسية بمن فيهم ممثلو (حزب الشعب الاشتراكي) الذي كان قد فتح له مكتبين في صنعاء وتعز، وكان قد وصل الى مكانة مؤثرة، في عدن بحكم سيطرة قيادته على المؤتمر العمالي.
وخرج ذلك الاجتماع بتشكيل لجنة تحضيرية برئاسة قحطان الشعبي وعضوية كل من الشيخ ناصر السقاف والشيخ عبدالله المجعلي، ومحمد علي الصماتي، وثابت علي منصور والرائد محمد أحمد الدقم وغيرهم.
أعدت اللجنة ميثاقاً وطنياً لتشكيل (جبهة تحرير الجنوب) اليمني المحتل.. وفي 5 مارس 1963م عقد اجتماع أقر فيه ميثاق وطني تضمن شعاره «من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية» وأدان ورفض الميثاق الاتحاد الفيدرالي المزيف في الجنوب، وحذر من مخططات الاستعمار التي تسير نحو منح الاستقلال الشكلي، وقيام دولة الجنوب العربي الانفصالية المتآمرة على وحدة اليمن واستقلاله ونمائه وازدهاره».
وأكد الميثاق على إقامة (جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل) وشن حرباً ضد الانجليز حتى النصر والاستقلال، وبضرورة تحقيق الوحدة اليمنية بعد تحرير الجنوب، وعدم الاعتراف بالأشكال الدستورية التي تفرضها بريطانيا، وتصفية القواعد العسكرية وإنهاء الوجود البريطاني، وعدم الاعتراف بأي معاهدة فرضتها بريطانيا على المنطقة، وأية امتيازات حصلت عليها لاستغلال ثروات المنطقة، وحدد نهج النضال المسلح لتحرير الجنوب المحتل.
ورغم الصعوبات وبعض الاعتراضات من بعض القوى الوطنية مثل حزب الشعب الاشتراكي، الا أن حركة القوميين العرب نجحت في وضع ثقلها في تشكيل وإعلان الجبهة، ونجحت في عقد اجتماع آخر في 19 اغسطس 1963م، حضره ممثلون عن سبع فصائل وتنظيمات سياسية وقبلية.. هي:
1- حركة القوميين العرب.
2- الجبهة الناصرية.
3- المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل.
4- الجبهة الوطنية.
5- التشكيل السري للضباط الأحرار.
6- جمعية الاصلاح اليافعي.
7- تشكيل القبائل.
ثم انضمت بعد التأسيس ثلاث منظمات هي: «منظمة الطلائع الثورية في عدن) و(منظمة شباب المهرة) و(المنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل).
وفي اغسطس 1963م عقد اجتماع موسع في تعز حضره ممثلو الاحزاب والتنظيمات وتشكيل القبائل، وأقر الاجتماع تغيير اسم (جبهة التحرير) الى (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل)، وأعلنت الجبهة أن حركة النضال التي تؤمن بها هي الكفاح المسلح حتى الاستقلال الوطني الكامل لجنوب اليمن، وتم اختيار مجلس تنفيذي لقيادة الجبهة.
وفي تلك الأثناء انتقل ثلاثة من ممثلي حركة القوميين العرب الى القاهرة، وهم أعضاء الأمانة العامة جورج حبش ومحسن ابراهيم وهاني الهندي، حيث التقوا بالرئيس جمال عبدالناصر، وطرحوا عليه موضوع الكفاح المسلح وتشكيل (الجبهة القومية)، واستجاب الزعيم جمال عبدالناصر لدعم الكفاح المسلح بقيادة (الجبهة القومية)، وعملت القيادة المصرية في صنعاء على فتح مكتب لها تشكل من الضباط والخبراء الذين يتولون مهام تدريب وتسليح الثوار.
ما ان نقلت (الجبهة القومية) نشاطها الى تعز، فقد تحول أعضاء كل الفصائل المؤسسة للجبهة القومية أعضاء لها وعلى وجه الخصوص (حركة القوميين العرب) التي كانت عناصرها منتشرة في عدن وأغلب مناطق الجنوب المؤيدين للكفاح المسلح تحت قيادة (الجبهة القومية) بمن فيهم المقاتلون العائدون من جبهات الدفاع عن ثورة سبتمبر والجمهورية بعد أن سمح لهم بالانضمام الى الجبهة بأسلحتهم الشخصية.. ولقد عاد المقاتل البطل غالب راجح لبوزة الى ردفان على رأس مجموعة من رفاقه المقاتلين من أبناء ردفان الأبية.
واستمر الكفاح المسلح حتى تم تحرير عدن واعلان يوم الاستقلال الوطني المجيد في الـ30 من نوفمبر 1967م، وبسقوط النظام الاستعماري صار كل الجنوب تحت سلطة (الجبهة القومية).. وما إن تلاشى الاستعمار وسلطته حتى بحثت (الجبهة القومية) وبسرعة عن سد الفراغ وذلك بحلولها محل السلطة الاتحادية في عدن وفي كل ربوع الوطن في جنوب البلاد.
الهوامش:
٭ اليمن الجنوبي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً- الدكتور محمد عمر الحبشي
٭ المسار النضالي وأحداث الثورة اليمنية - سعيد أحمد الجناحي
٭ الحركة الوطنية في الجنوب اليمني 1945 - 1967م - الدكتور ابراهيم خلف العبيدي.
٭ ورقة حول الثورة اليمنية - مركز الدراسات والبحوث - علي أحمد السلامي
٭ دراسة قدمت في الندوة الوطنية لتوثيق الثورة اليمنية - عبدالحافظ قائد.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:51 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41249.htm