فيصل الصوفي - من البداية وإلى وقت قريب كان معظم حكام المسلمين من ذلك الصنف الذي يعتبر نفسه إنه "ظل الله في الأرض"، وإن ما يحصل عليه الناس من خير أو فتات كلاهما "بالفضل مني".. وفيهم من قال للناس الذين يحكمهم:" لآخذن البريء منكم بذنب المسيء، ولآخذن الصحيح بالسقيم، والقاعد بالقائم".. أو كما قال معاوية بن أبي سفيان، مؤسس مملكة بني أمية، الذي يعتبره السلفيون خال المسلمين قاطبة، قال:" الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذت فلي، وما تركته فبالفضل مني".. أو كما خطب أبو جعفر المنصور مؤسس مملكة بني العباس:" أيها الناس، لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا، وسلطانه الذي أعطانا، وإنما أنا سلطان الله في أرضه، وحارسه على ماله، جعلني قفلا، إن شاء أن يفتحني لإعطائكم، وإن شاء يقفلني"! وكانوا يسبون مسلمة الحنفي، ويدعون أن الله يوحى إليه.. ومن بعد هؤلاء سار التالون سيرتهم، وأبرزوا نفس منطقهم، مع زيادة أن الحكام العثمانيين، وبعض الذين أتوا بعدهم بعد استقلال الأوطان عن الاستعمار، أضافوا إلى مزاياهم أن الله لا يوحي إليهم مباشرة، بل عن طريق الأحلام، حتى أن بعض الحكام كان لهم رجال دين يقيمون في القصور مهمتهم الرئيسية، يحلمون في المنام، وفي الصباح يبكرون يخبرون الحاكم ماذا رأوا من خير أو شر، أثناء نومهم، وعلى أساس ذلك يبني الحاكم خططه، ويتخذ قراراته. يقال عن أولئك الحكام أنهم حكماء، دهاة، أدباء، حفظة، والحق أن ما ينطقون به كانت تمليه عليهم بطانة، أخطر ما فيها المثقفون.. في عصر الصحوة الإسلامية أصبحت هذه البطانة "الإخوان المسلمون" الذين قاموا بدور أحذية الحكام منذ أول يوم ظهروا على الأرض، ولا يزالون.. هم الذين ألهوا الحكام، وسموا قصورهم الحجرية " القصر الملكي الإسلامي"، وهم الذين زينوا للمتطلعين للخلافة الإسلامية البائدة أنهم ظل الله في الأرض، وهم الذين دافعوا عن الأنظمة الكهنوتية المتخلفة الكهنوتية، كما دافع رجال كهنوت المسيحية عن محاكم التفتيش في العصور الوسطى.. هم الذين قالوا- باسم الله وكتابه وسنته، وباسم الجمهور والإجماع- إن الحرية تفسخ، وحرية الفكر حرية كفر، والانتخابات العامة ضد إرادة الله الذي قرر أن يحكم الحاكم إلى أن يموت، وقالوا إن التعددية فرقة، والحزبية بدعة، والديمقراطية غربية كفرية.. هؤلاء هم الذين زينوا للحكام أن يبدأوا تطبيق الشريعة الإسلامية، بتعطيل العقل، وبتقييد العلوم، وبقطع الأيدي والأرجل من خلاف.
|