عبدالرحمن مراد -
دلّت الأزمة الأخيرة التي مرّ بها المؤتمر وكانت تستهدف بنيته التنظيمية ووحدته على تكيُّفه المؤتمر مع الأزمات وعلى قدرته في التفاعل معها والخروج منها منتصراً، وهي ميزة كاد المؤتمر أن ينفرد بها وأظنها تعود الى ظروف النشأة، إذ استطاع المؤتمر في مرحلة تكونه ونشأته أن يكون هو الجامع للشتات وهم الناظم الوطني لكل ذلك التشظي وهو مظلة التوافق والاستقرار، ولذلك فالأزمات التي كانت قائمة في زمن نشأته تماهت في المشروع الوطني المتنامي، فكانت سبباً في التطور والانتقال الذي حدث في تأريخ اليمن المعاصر.. ولا أظنها- أي الأزمات- إلا تكون سبباً في الانتقال الثاني بعد الذي شهدته اليمن من مزاج ثوري لايزال مستمراً منذ زمن تفجره في عام 2011م.
الذين أرادوا استهداف المؤتمر من خلال تقسيمه وتشظيه خدموه من حيث ظنوا إضعافه، فالقشة التي أسقطوها على ظهر البعير لم تقصمه بل زادته قوة ومتانة، وكذلك هو المؤتمر صنعته الأزمات في ظروف نشأته وهي ذاتها من تعمل على تقوية مكانته، وتساعده على استعادة دوره الريادي في المشهد السياسي الوطني.
لقد خرج المؤتمر من أزمة 2011م قوياً متماسكاً ولم يحدث له كما حدث للحزب الوطني في مصر أو كما حدث للأحزاب الحاكمة في الدول التي حدثت فيها الاضطرابات في عام 2011م لأن المؤتمر من صناعة الأزمات، ولذلك فهي لا تفت عضده ولكنها تعمل على تقويته، وقد غاب مثل ذلك على صناع الأزمات الذين استهدفوا المؤتمر في الزمن المضطرب الذي مضى وفي الزمن الذي نعيش.. ولا أرى كل أولئك إلا أنهم أحسنوا صنعاً، فمخمل السلطة الذي ظلّ فيه المؤتمر زمناً طويلاً جعله يغفل أشياء كثيرة كان يجد في أجهزة الدولة المختلفة وفي السلطة تعويضاً لها، وحين صدمته أحداث الواقع أيقظت في نسيجه التنظيمي المارد الذي يصر على الانتصار في الظروف المماثلة للنشأة فيكون التحدي هو الخيار الذي يحسن الذهاب اليه ويحسن التعامل معه حتى يحقق الانتصار لنفسه ولوطنه.
لقد كنت أذهب الى القول إن بقاء المؤتمر يرتبط بزعيمه وقد تردد معي مثل ذلك على صدر هذه الصحيفة ولكني اليوم أقول مطمئناً إن المؤتمر كائنٌ بقوة تنظيمه وقوة إرادته وتماسكه في ظل وجود الزعيم علي عبدالله صالح أو في ظل غيره لأنه بدأ يخطو الخطوات التنظيمية الصحيحة والقادرة على صناعة حاضره ومستقبله التنظيمي ولم يبقَ أمامه إلا الاهتمام بالمجتمع المدني والاهتمام بالكادر النوعي لأن في ذلك قوته وبقاءه، ولا أظنه سيغفل عن ذلك طالما وقد تفرغت قيادته للمهام التنظيمية والسياسية وتجاوزت حالة الازدواج الوظيفي الذي كان قائماً وتحدثنا عن خطره كثيراً ولم يصغِ إلينا أحد.
على المؤتمر في لحظته الجديدة أن يدرك حجم المسؤولية الوطنية التي يتحملها بعد أن استعاد وجوده وفاعليته وريادته في المشهد السياسي الوطني، ذلك أن (احداث 21سبتمبر 2014م) - وهي ثورة لما أحدثته من متغير - قد وضعت اليمن بين ثنائيات متضادة، ثنائية الاستحقاق الثوري والرغبة المضادة لذلك الاستحقاق سواء الاقليمية أو الدولية، وتلك الثنائية كانت بسبب عدم اكتمال الثورة مما أحدث فجوة بين حقيقة الواقع وفرضيات الآخر أو خوفه أو تربصه، فكل جديد يبعث خوف القديم وتلك هي طبيعته، وعدم الاكتمال كان خطأً ترك بوناً شاسعاً للاعب الاقليمي أو الدولي كي يتحرك فيه، ولا أظن المؤتمر بحكم طول المراس وعمق التجربة الا قادراً على ملء فراغ ذلك البون الشاسع حتى تتضافر الجهود بين شركاء العملية السياسية لبناء اليمن الآمن والمستقر وبرؤى حضارية جديدة تتجاوز ماضيها لتبدع لحظتها وتصنع مستقبلها.
لقد ثبت في الواقع أن المؤتمر هو الحزب الوطني الوحيد الذي كان تعبيراً عن الأبعاد الحضارية والثقافية، وإن شابت مسيرته بعض العثرات والكثير من القصور.. كما ثبت أن الزعيم علي عبدالله صالح كان مظلوماً في ظل ذلك الواقع الذي تكشفت لنا سوأته خلال الاعوام (2011-2012-2013-2014م) وبالتحديد بعد أن تمكن أنصار الله من تفكيك البناءات المعيقة لعملية التطور.. وأمام كل تلك الحقائق لا يسعني إلا الاعتذار للزعيم علي عبدالله صالح عن كل ما بدر مني وكتبته في صحف المعارضة إبان فترة حكمه ولا أراه إلا يستحق منا الاعتذار والتكريم فهو أهل لذلك، فقد كشف عن حقيقة ما كان وما هو كائن وأصبحت القضايا كلها واضحة بيّنة للعيان.. وسبحان الله العدل الصمد.