الإثنين, 06-أغسطس-2007
ميلادها‮ ‬يعود‮ ‬إلى‮ ‬ماقبل‮ ‬الثورة
مؤسسة‮ ‬النقل‮ ‬البري‮.. ‬تعود‮ ‬الى‮ ‬نقطة‮ ‬البداية
أصولها‮ ‬وأراضيها‮ ‬تُقدَّر‮ ‬بعشرات‮ ‬المليارات‮.. ‬وهناك‮ ‬من‮ ‬أرادوها‮ ‬بربع‮ ‬قيمتها
‮❊ ‬الأصالة،‮ ‬العراقة،‮ ‬الخبرة‮.. ‬مفردات‮ ‬ومصطلحات‮ ‬تتفاخر‮ ‬بها‮ ‬الشركات‮ ‬والمؤسسات‮ ‬الاقتصادية‮ ‬في‮ ‬المنافسة‮ ‬أو‮ ‬التسويق‮ ‬لمنتجاتها،‮ ‬وكلما‮ ‬مرَّت‮ ‬سنوات‮ ‬وعقود‮ ‬من‮ ‬الزمن‮ ‬على‮ ‬نشأة‮ ‬أي‮ ‬مشروع،‮ ‬كان‮ ‬الاعتزاز‮ ‬به‮ ‬أكبر‮..‬
ولم يسبق وأن سمعنا أو قرأنا ان هناك مؤسسات استراتيجية وخصوصاً التي يرتبط نشاطها أو خدماتها بحياة الناس وحركتهم قد اصابتهم الشيخوخة إلاَّ عندنا هنا في اليمن، تكون سبباً رئىسياً لتدمير ووأد أي مشروع مهما كان حجمه أو تاريخه، وفي زمن قياسي.. باتباع كل الحلول المربحة،‮ ‬والطرق‮ ‬الممكنة‮ ‬لذلك،‮ ‬وأبسطها‮ ‬موضة‮ ‬العصر‮ ‬في‮ ‬المصطلحات‮ ‬الاقتصادية‮- ‬الخصخصة‮- ‬بمفهومهم‮..‬
‮❊ ‬تحقيق‮: ‬منصور‮ ‬الغدره
والحال هنا ينطبق على الوضع الذي وصلت إليه اليوم المؤسسة العامة للنقل البري، ولحظات الاحتضار التي بقيت من عمرها الطويل الذي يمتد لنصف قرن تقريباً، وهو الشريان النابض الوحيد في حركة وتنقُّل المواطن اليمني، بعد كل هذا العمر يجرى له حالياً تفصيل »كفن« التصفية والترتيب‮ ‬لمراسيم‮ (‬التشييع‮) ‬ودفنها‮ ‬إلى‮ ‬الأبد‮..!!‬
وحتى‮ ‬لاتذهب‮ ‬جريمة‮ ‬انهيار‮ ‬هذا‮ ‬المشروع‮ ‬دون‮ ‬معاقبة‮ ‬أو‮ ‬مساءلة،‮ ‬لابد‮ ‬من‮ ‬المرور‮ ‬على‮ ‬مراحله‮ ‬منذ‮ ‬نشأته‮- ‬من‮ ‬المهد‮ ‬إلى‮ ‬اللحد‮- ‬الذي‮ ‬يتم‮ ‬تسويته‮ ‬اليوم‮ ‬ليغيب‮ ‬إلى‮ ‬الأبد‮..‬
الحكاية‮ ‬من‮ ‬البداية
^ هنا في صنعاء كان موطن الميلاد قبل 48 سنة- أي مطلع عام 1961م حينما اتفق تسعة من التجار حينها على رأسهم الحاج علي محمد السنيدار- أول رئىس لمجلس الإدارة- على تأسيس شركة الخطوط البرية اليمانية- شركة مساهمة برأس مال (250) ألف ريال فرنسي- تريزا- وزعت في (50) ألف سهم، وقابلة للزيادة إلى مليوني ريال في (400) ألف سهم، وفقاً للنظام الأساسي وتضمنت أهداف الشركة الأولى في اليمن كشركة مساهمة للقطاع الخاص- توفير خدمات النقل للمواطنين والبضائع داخل المدن الرئىسية.
وحسب‮ ‬تقرير‮ ‬المحاسب‮ ‬القانوني‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬1973م‮- ‬حققت‮ ‬الشركة‮ ‬أرباحاً‮ ‬السنوات‮ ‬العشر‮ ‬الأولى‮ ‬من‮ ‬عمرها‮- ‬خلال‮ ‬الفترة‮ ‬61‮-‬1970م‮ ‬بنسبة‮ ‬نمو‮ ‬20٪‮ ‬ليرتفع‮ ‬رأسمالها‮ ‬إلى‮ ‬683‮ ‬ألف‮ ‬ريال‮ ‬جمهوري‮..‬
لكن يبدو ان الشركة قد أصابتها (عين)، فمنذ التاريخ وحالها غير مستقر، فتوالت عليها قرارات الوصايات ولجان التصفية إلى اليوم، ولا تكاد تخرج من تصفية إلاَّ ودخلت في أخرى، ولم يستقر بها المقام إلاَّ في منتصف عام 1982م عندما صدر القرار رقم (40) والقاضي بإنشاء المؤسسة العامة للنقل البري لتحل بديلة عن الشركة اليمنية للنقل البري التي هي الأخرى كانت قد حلت مكان شركة الخطوط البرية اليمانية، ولأن الشركة اليمنية التي شكلت كقطاع مختلط برأسمال (20) مليون ريال بمساهمة الحكومة بنسبة 51٪ وشركة رينو الفرنسية بنسبة 15٪ ونسبة المساهمين لموجودات أصول الشركة المنحلة 16٪، وطرحت نسبة 18٪ للاكتتاب العام.. لكن هذه الشركة لم تدم، فظلت محل خلاف حتى أواخر عام 1978م، حينما بدأت الحكومة التفكيرفي مفاوضات مع الشركاء لشراء الأسهم لتصبح بالكامل مملوكة للدولة بتاريخ 20 يونيو 1982م، والذي يعتبر هو يوم ميلاد المؤسسة العامة للنقل البري- برأسمال (100) مليون ريال، لتتوسع بعد ذلك في نشاطها واستثماراتها ليصل إجمالي ما أنفقته على المشروعات الاستثمارية في شراء الأراضي وتشييد مباني فروعها خلال أربع سنوات فقط للفترة 82-1985م مبلغ وقدره 77.872.683 ريالاً، إضافة إلى ما كان موجوداً لديها في السابق منذ سنوات التأسيس، وزادت العدد السنوي لرحلات اسطولها بين المحافظات ليصل في عام 1985م- إلى 18.690 رحلة بمعدل 52 رحلة يومياً، نقلت 657.571 راكباً على متن اسطولها البري الذي كان قد وصل حينذاك إلى 90 باصاً حديثاً..
ممتلكات‮ ‬مغرية
‮^ ‬ما‮ ‬تمتلكه‮ ‬المؤسسة‮ ‬من‮ ‬أصول‮ ‬وأراضٍ‮ ‬ومبانٍ‮ ‬لفت‮ ‬الانظار‮ ‬إليها‮ ‬ماجعلها‮ ‬هدف‮ ‬الجميع،‮ ‬ومنذ‮ ‬عام‮ ‬1998م‮ ‬والمؤسسة‮ ‬بكل‮ ‬ما‮ ‬تملكه‮ ‬من‮ ‬أصول‮ ‬وموظفين‮ ‬تعيش‮ ‬تحت‮ ‬رحمة‮ ‬اطماع‮ ‬النافذين‮..‬
سيما وان هناك أراضٍ اشترتها المؤسسة خلال فترة 61-1985م في صنعاء والحديدة وتعز تصل قيمتها إلى 4.106.347 ريالاً.. لكم أن تتخيلوا مثل هذا المبلغ في ذلك الوقت.. ولنفس الفترة أنفقت المؤسسة على إنشاء مبانيها مبلغ 14.059.796 ريالاً.
^ موضوع القضاء على مؤسسات ومشروعات حيوية لأجل نهب أراضيها يجذب إليه الكثير للتفتيش في خباياه وصناديقه التي لاتزال حتى اللحظة مغلقة، والتي كانت بالأمس لاتتوقف عن حركتها الدؤوبة والمواكبة لنشاط أسطول مؤسستهم الفانية، فيما اليوم تجدهم هناك في الفناء الطويل العريض‮ ‬في‮ ‬شارع‮ ‬تعز‮ ‬شاردين‮ ‬بتفكيرهم،‮ ‬لايحبذون‮ ‬التخلّي‮ ‬بسهولة‮ ‬عن‮ ‬حقهم‮ ‬لمن‮ ‬اسموهم‮ (‬ثيران‮) ‬الأراضي‮..‬
لكن‮ ‬عندما‮ ‬تطلب‮ ‬ما‮ ‬بحوزة‮ ‬المؤسسة‮ ‬وما‮ ‬قد‮ ‬اغتصب،‮ ‬سرعان‮ ‬ماتجد‮ ‬الجميع‮ ‬يعدد‮ ‬الأراضي‮ ‬والمباني‮ ‬في‮ ‬المركز‮ ‬الرئىسي‮ ‬بصنعاء‮ ‬وفروعها‮..‬
فضيحة‮ ‬أخرى
‮^ ‬وقبل‮ ‬أن‮ ‬نحط‮ ‬رحالنا‮ ‬على‮ ‬الحال‮ ‬الذي‮ ‬وصلت‮ ‬إليه‮ ‬المؤسسة‮ ‬اليوم،‮ ‬لابد‮ ‬من‮ ‬الاشارة‮ ‬إلى‮ ‬فضيحة‮ »‬رينوجت‮« ‬على‮ ‬غرار‮ »‬وترجت‮«‬،‮ ‬وهي‮ ‬صفقة‮ ‬شراء‮ (‬150‮) ‬باصاً‮ ‬جديداً‮ ‬من‮ ‬تصنيع‮ ‬شركة‮ ‬رينو‮ ‬الفرنسية‮..‬
قصة الصفقة المغشوشة كما يرويها المطلعون على خفاياها من موظفي المؤسسة: إن الصفقة تمت عندما قام وزير النقل الأسبق في عام 2000م بالاتفاق مع شركة إيرانية بتوريد الأخيرة (150) باصاً جديداً »رينو« للمؤسسة بقيمة (11) مليون دولار تم حينها تسديد (638) ألف دولار- القسط الأول- واستلام (20) باصاً كدفعة أولى من الصفقة، وكل هذا تم دون علم إدارة المؤسسة.. وعندما وصلت هذه الباصات إلى المؤسسة تمهيداً لدخولها العمل اكتشف انها ليست جديدة، بل مستهلكة اعيد تصنيعها، حينها اعترض العاملون عليها وكشفوا الأمر، إلاَّ أن المتورطين في الصفقة‮ ‬عملوا‮ ‬على‮ ‬تهدئة‮ ‬الأمور‮ ‬بطرقهم‮ ‬المعهودة‮..‬
إدارة المؤسسة رفضت تسديد بقية المبالغ المستحقة عليها مقابل سكوتها وعدم إثارتها للقضية مع شرط استلام بقية الباصات المحددة في الاتفاقية أو إعادة المبلغ المدفوع كقسط أول، فظلت تطالب الإيرانيين بإعادة المبلغ المسلَّم لهم، والايرانيون يرفضون إعادة المبلغ، وفيما كانت بعض الباصات لاتزال تعمل ضمن اسطول المؤسسة لمدة سنتين، توصل الطرفان إلى اتفاق بإعادة الباصات الـ(20) مقابل توريد الشركة الايرانية باصين جديدين للمؤسسة- أي ما يعادل نسبة 50٪ من المبلغ المدفوع وهو ماتم فعلاً، ليعتبر المسؤولون في وزارة النقل والمؤسسة ان القضية »إيران جت« قد انتهت وان الملف اغلق.. في حين القضية لاتزال منظورة أمام نيابة الأموال العامة، بناءً على تقرير الجهاز المركزي والرقابة الذي يؤكد ان الصفقة تم الاتفاق عليها دون ضمانات كافية أو دراسة.
شراء الباصات من الشركة الفرنسية عبر وسيط إيراني في ظل إمكانية الشراء المباشر دون وسطاء اعتبره بعض الموظفون في المؤسسة تواطؤاً من قبل الجانب اليمني الموقع على الصفقة من البداية.. لكنهم لايعتبرون ان الطرف الآخر- الشركة الايرانية- قد غشتهم.
لجان‮ ‬ولجان
^ ومع ان هناك أكثر من لجنة كانت قد شكلت لحصر وتقييم أصول المؤسسة في الطريق إلى التصفية، إلاَّ أن موظفيها كانوا لهم بالمرصاد، رغم أن الذين كانوا يقودون الرأي بالتصفية نافذون من العيار الثقيل إلاَّ أنهم لم يستطيعوا اختراق صمود موظفي المؤسسة، وفشلوا في تمرير رغباتهم.. وبدأ ذلك يتضح جلياً في المرحلة الأخيرة من التصفية عندما توصلوا إلى قيمة أصول وموجودات المؤسسة من باصات وورش ومعدات ومبانٍ وأراضٍ تصل بالكاد إلى 4 مليارات ريال، في الوقت الذي كان فيه قد تقدم مستثمر اردني للمشاركة في رأس مال المؤسسة وبوضعها الحالي،‮ ‬وقدر‮ ‬قيمة‮ ‬أصولها‮ ‬بـ120‮ ‬مليون‮ ‬دولار،‮ ‬ورحب‮ ‬المشاركة‮ ‬بنسبة‮ ‬50٪‮ ‬من‮ ‬ذلك‮ ‬مقابل‮ ‬دفع‮ ‬60‮ ‬مليون‮ ‬دولار‮.. ‬لكن‮ ‬طلبه‮ ‬قوبل‮ ‬بالرفض‮..‬
وأمام ما يحدث من صراع تدخل الأسبوع قبل الماضي مجلس الوزراء وأصدر ثلاثة قرارات بتحويل المؤسسات الثلاث (صنعاء وفروعها في تعز والحديدة) وعدن وحضرموت إلى مؤسسات للنقل البري، وهو ما يجري العمل عليه الآن.. وأفاد مدير عام المؤسسة المكلف- ان اللجنة الحكومية المشكلة من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمالية والنقل والشؤون القانونية شارفت على إنجاز مهمة الفصل بين المؤسسات الثلاث وإحلال بدلاً عنها مؤسسات محلية مستقلة كما كان عليه الحال قبل الوحدة قبل دمجها في مؤسسة واحدة، وبدلاً من تحقيق المؤسسة ما وضعته في خططها المستقبلية‮ ‬خلال‮ ‬منتصف‮ ‬ثمانينيات‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬والانتقال‮ ‬بنشاطها‮ ‬من‮ ‬النقل‮ ‬الداخلي‮ ‬إلى‮ ‬النقل‮ ‬الدولي،‮ ‬عادت‮ ‬من‮ ‬جديد‮ ‬إلى‮ ‬نقطة‮ ‬البداية‮.‬

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-سبتمبر-2024 الساعة: 11:23 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-4152.htm