الميثاق نت -

الإثنين, 19-يناير-2015
أحمد‮ ‬مهدي‮ ‬سالم -
< ليْ من عدن.. زمنٌ غير قليل.. حتى مرتبي النحيف.. أرسل له ابني لعدم وجود بنوك في قرية أبين، وفي الاسبوع استبد بي الشوق، وهوس العاشق والمعشوق.. حدّثت نفسي: كيف لا أزورها، ولي فيها ذكريات الصحبة اللطيفة، والتنافس الرياضي والنجومية وذكريات البكالوريوس والماجستير،‮ ‬وأشعر‮ ‬أنّ‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬ركنٍ‮ ‬منها‮ ‬ذكرى،‮ ‬إشارة،‮ ‬صدى‮ ‬لقاء،‮ ‬وداع‮ ‬أحبّة،‮ ‬وقد‮ »‬خلعت‮ ‬على‮ ‬ملاعبها‮ ‬شبابي‮.. ‬وأحلامي‮ ‬على‮ ‬خضرِ‮ ‬الروابي‮« ‬على‮ ‬قول‮ ‬الراحل‮ ‬عبدالكريم‮ ‬الكرملي‮..‬؟‮!‬
في فضاءِ الطريق إليها؛ وبينما عيني تتمدد مع نعومة الرمل، وانحسار موج البحر العربي.. طافت في ذهني أغنية أحمد الجابري »يا ريت عدن.. مسير اليوم«.. كانتِ الطريق إليها شاقة ومرهقة لكنّ منجز الرئيس علي عبدالله صالح في شبكة الطرقات سهّل الوصول اليها وقرّبها، كما جعلها‮ ‬أجمل‮ ‬عروس‮ ‬أيام‮ ‬خليجي‮ (‬20‮) ‬2010م،‮ ‬وماتزال‮ ‬الشواهد‮ ‬تصافح‮ ‬بصرك،‮ ‬وتسلّم‮ ‬عليك،‮ ‬وتذكرك‮ ‬بأيام‮ ‬زهوٍ‮ ‬وألقِ‮ ‬رائعين‮.. ‬خفت‮ ‬فيها‮ ‬صوت‮ ‬الحراكيين‮.. ‬لحظات‮ ‬شموخ‮ ‬واعتزاز‮ ‬يصعب‮ ‬أن‮ ‬تتكرر‮ ‬ولو‮ ‬بعد‮ ‬خمسين‮ ‬عاماً‮.‬
كانت فتاةً حسناء تعبقُ بالبشر والانشراح والسرور، ومحيّاها الباسم الساحر ينعش الصدور.. لاسيما وقت البكور، وتتخيله يغرّد كالطيور، ويغريك.. في غنجٍ ولطفٍ وحبور، ويهزُّ كل شيء فيك، ويدعوك لمعاودة الزيارة مرة ومرات لترتشف من ينبوع الحس زخات وقطرات وجرعات.
ووجدتها فتاة حزينة علا وجهها الشحوب.. بسبب الضجيج والشعارات والرياح الهبوب.. التي تكاد تقتل فيها حسها الفاتن، والجمال الطروب.. وبشاشة التودد، ورقة الاسلوب.. وما أجملها.. في لحظات الغروب.. إنها تعرف كيف تمتص الصدمات وتبتلع الكروب، وتمد أذرعها.. تحتضن كل القلوب‮.. ‬مع‮ ‬ذلك‮ .. ‬لا‮ ‬تخلو‮ ‬من‮ ‬لمسات‮ ‬بهاء‮.. ‬تظل‮ ‬نابضة‮ ‬بالحياة‮.. ‬لا‮ ‬تتوقف‮ ‬عن‮ ‬الحركة،‮ ‬وعن‮ ‬منح‮ ‬الجمال‮ ‬والحب‮ ‬والاُلفة‮ ‬لكل‮ ‬قادم‮ ‬إليها‮.‬
أكثر‮ ‬ما‮ ‬استوقفني‮ ‬في‮ ‬شوارع‮ ‬عدن‮ ‬والشيخ‮ ‬عثمان‮.. ‬كثرة‮ ‬اللاجئات‮ ‬السوريات‮ ‬الجميلات‮ ‬وهن‮ ‬يتسولن‮ ‬في‮ ‬نقاط‮ ‬الجولات،‮ ‬ووسط‮ ‬زحمة‮ ‬الشوارع‮ ‬والطرقات‮.‬
والله إنك لتخجل حين تمتد إليك يدٌ بضّةٌ من الجمال الرباني الآسر.. المشرق بالفتنة .. يرحم الله من أيقظها، والمكسو بالحسن، والمقهور من ذل المسألة، ومتاعب اللجوء، وآلام التنقل في بلد كثير من أهله لاجئون بسبب رعونة وحمق ساسته.. فتدخل يدك إلى جيبك فتخرج كل أو معظم‮ ‬ما‮ ‬فيه‮.. ‬في‮ ‬حضرة‮ ‬الجمال‮.. ‬تكون‮ ‬سخياً‮ ‬وكريماً‮.. ‬كاد‮ ‬الحسن‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬إلهاً‮ ‬معبوداً،‮ ‬ولا‮ ‬يكون‮ ‬بمقدورك‮ ‬أن‮ ‬تطالع‮.. ‬تبقى‮ ‬خافضاً‮ ‬رأسك‮.‬
أتمشّى وأنا أقول لنفسي لو أن هناك مسابقة للجمال لكل المقيمين في عدن لحجزت اللاجئات الشاميات المراكز العشرة الأولى.. جمال طبيعي مغناج.. بلا مكياج.. تتذكرون القمندان (له خد شامية وعين الهنود.. ألا مليح يا زين).
تهجم على وجداني الحسرة، وأنا أتذكر الربيع العربي الملعون والمأفون الذي وزع علينا الفقر والحرمان والقهر والذلة واللجوء والفقر والغبن.. ألم تكن هذه الآلاف من الأسر السورية ساكنة في موطنها هانئة بمعيشتها، هادئة في حياتها قبل أن يتسبب الاخوان المجرمون في تعاستها‮ ‬وتهجيرها‮ ‬وتشردها‮ ‬وقتل‮ ‬بعض‮ ‬أفرادها‮ ‬ونفيها‮ ‬من‮ ‬قطر‮ ‬الى‮ ‬آخر؟‮!‬
أقول ذلك بألم وحرقة ربما لأني زرت هذا البلد المنكوب مرتين، وعرفت وشاهدت كيف أن الجو الجميل يصنع الأناس الحلوين.. سوريا كانت قبلة السائحين والأكثرية من دول الخليج.. أفواج عديدة بسياراتهم وعائلاتهم..
أذكر أنّي قلت لقريبي المرافق ونحن في صيف 1993م في قلب دمشق : ألا ترى أن بين كل أربع سيارات تشوف سيارة خليجية؟ فهزّ رأسه موافقاً. كان عربان الخليج يغزون سوريا صيفاً، ويرفعون الإيجارات أضعافاً مضاعفة.. فإذا بقياداتهم تنقض على الفيحاء وأخواتها وتشجع على تدميرها‮.. ‬سوء‮ ‬الجزاء‮ ‬لمن‮ ‬منحتهم‮ ‬المتعة‮ ‬والراحة‮ ‬والاسترخاء،‮ ‬والارتواء‮ ‬النفسي‮ ‬والشبع‮ ‬العاطفي‮.‬
‮ ‬وأعود‮.. ‬تلك‮ ‬الحسناوات‮ ‬الشاميات‮ ‬المتسولات‮ ‬على‮ ‬قدر‮ ‬كبير‮ ‬من‮ ‬الخلق‮ ‬القويم‮ ‬وإلاّ‮ ‬ما‮ ‬رضين‮ ‬بمعاناة‮ ‬سؤال‮ ‬الناس‮.. ‬وكان‮ ‬بإمكانهن‮ ‬جلب‮ ‬المال‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬وسائل‮ ‬أخرى‮.‬
اللهم‮ ‬لا‮ ‬تذل‮ ‬عزيزاً‮ ‬منهم،‮ ‬وفكّ‮ ‬أسرهم،‮ ‬وأعدهم‮ ‬وكل‮ ‬اللاجئين‮ ‬الى‮ ‬أوطانهم‮ ‬معززين‮ ‬سالمين،‮ ‬وارفع‮ ‬عنّا‮ ‬ضيقنا،‮ ‬وانزل‮ ‬علينا‮ ‬شآبيب‮ ‬رحمتك،‮ ‬وارسل‮ ‬عليهم‮ ‬صواعق‮ ‬نقمتك‮..‬
في المساء روّحت وقلبي في الشيخ عثمان، وقد ودّعت عدن وداعاً حاراً وقفلت عائداً الى جعار وفي نفسي شيء من الانكسار، وكمٌّ كبيرٌ مكثار من اللعنات الناقمة والعار على القادة المجرمين الأشرار في محطة التخريب الصهيوني 2011م، أولئك المنحرفون الذين دمروا أوطانهم، وباعوا‮ ‬أنفسهم‮ ‬للشيطان‮ ‬مقابل‮ ‬نزوة‮ ‬تسلّط‮ ‬طائش،‮ ‬ولسعة‮ ‬سعار‮ ‬ناهش،‮ ‬ورغبة‮ ‬تحكم‮ ‬باطش،‮ ‬والارتهان‮ ‬لفكر‮ ‬داعش‮.‬

لقطة
‮- ‬نكبة‮ ‬دمشق‮ ‬على‮ ‬يد‮ ‬الاخوان‮ ‬الارهابيين‮ ‬أكثر‮ ‬فظاعة‮ ‬وهولاً‮ ‬من‮ ‬نكبة‮ ‬دمشق‮ ‬على‮ ‬يد‮ ‬الفرنسيين‮ ‬في‮ ‬مطلع‮ ‬العشرينيات‮.‬

إيماءة
‮- ‬قال‮ ‬تعالى‮: »‬ومن‮ ‬أضلَّ‮ ‬ممن‮ ‬اتبع‮ ‬هواه‮ ‬بغير‮ ‬هدى‮ ‬من‮ ‬الله،‮ ‬إن‮ ‬الله‮ ‬لا‮ ‬يهدي‮ ‬القوم‮ ‬الظالمين‮« (‬القصص‮:‬50‮).‬

آخر‮ ‬الكلام
كم‮ ‬هربْتَمْ‮ ‬مِنْ‮ ‬صحاراكمْ‮ ‬إليهِ
تطلبون‮ ‬الماءَ‮ ‬والوجه‮ ‬الجميلا
واغتسلتمْ‮ ‬بِنَدَى‮ ‬غاباتِهِ
واختبأْتَمْ‮ ‬تَحْتَ‮ ‬جفنيهِ‮ ‬طويلا
واقتنيتمْ‮ ‬شمسَهُ‮ ‬لؤلوةً
وركبْتَمْ‮ ‬أنجمَ‮ ‬الليلِ‮ ‬خيولا
إِنَّهُ‮ ‬علّمَكُمْ‮ ‬أَنْ‮ ‬تقرأوا
هل‮ ‬تقولون‮ ‬له‮: ‬شكراً‮ ‬جزيلا
‮»‬نزار‮ ‬قباني‮«‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:51 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41850.htm