الإثنين, 26-يناير-2015
الميثاق نت -    بقلم/عبده محمد الجندي -
< لقد أكد رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي في تقديم استقالته الى مجلس النواب أنه لا يستطيع الاستمرار في السلطة أمام ما يعتمل على الساحة من تحديات أمنية واقتصادية لأن مجلس النواب هو السلطة التشريعية المعنية بقبول الاستقالة وعدم قبولها طبقاً لما ينص عليه الدستور النافذ للجمهورية اليمنية.. ومعنى ذلك أنه بهذه الاستقالة المفاجئة للداخل والخارج قد وصل حسب قوله الى طريق مسدود ولا بديل أمامه سوى إعادة السلطة للشعب ممثلاً بنوابه وبهيئة رئاسته التي ستحل محله لمدة ستين يوماً باعتبارهم الجهة المخولة دستورياً وقانونياً في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة خلال الفترة المشار اليها حتى لا تدخل البلد في الفراغ الدستوري وما قد ينتج عنه من إضافة مشاكل الى مشاكل وتحديات الى تحديات تضاعف من هموم الشعب ومعاناته.
أقول ذلك وأقصد به أن مسؤولية أنصار الله تحتم عليهم القيام بواجب الحماية الأمنية جنباً الى جنب مع أبناء القوات المسلحة والأمن، وأن واجب الأحزاب والمكونات السياسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة تحتم عليهم التعامل مع الوطن والمواطن بمسؤولية مشتركة تغلب المصلحة الوطنية العليا للبلد على المصالح الخاصة، وتبتعد عن الخطابات الانتهازية السياسية والدعائية من خلال طوفان الدوامة العنيفة للمزايدات والمكايدات الحزبية التي تقول عكس ما تعمل وتعمل عكس ما تقول، التي تحاول الاصطياد بالمياه العكرة من باب الرغبة في تحقيق المكاسب السياسية غير المعقولة وغير المقبولة بعد أن وصلت التجربة والممارسة الخاطئة الى ما وصلت اليه من التداعيات التي أعادت التسوية السياسية الى مربع الأزمة التي لم تعد البلد قادرة على تحمل عواقبها الكارثية الوخيمة بعد أن بلغت القلوب الحناجر وفاض الإناء بما فيه في وقت تعرضت فيه الثقة بين القيادة وبين المكونات السياسية الى الاهتزاز وعدم القدرة على الاستمرار في استكمال ما تبقى من المهام التي نص عليها اتفاق السلم والشراكة الذي حظي باجماع القوى الإقليمية والدولية والذي وافقت عليه جميع القوى السياسية الحاكمة والمعارضة واعتبرته بمثابة خارطة طريق مستندة الى رغبة ثورة 21 سبتمبر التي أطاحت بالمبادرة الخليجية وبحكومة الوفاق وبما سمي بثورة فبراير 2011م وأنجبت اتفاق السلم والشراكة المستند الى مخرجات الحوار الوطني.
مغادرة الماضي
أعود فأقول أياً كانت السلطة التي ستحل محل رئيس الجمهورية في حال قبول استقالته سواءً أكانت هيئة رئاسة مجلس النواب أو كانت مجلساً سياسياً تتفق عليه المكونات السياسية أو كانت سلطة منتخبة من الشعب في الدعوة الى انتخابات رئاسية حسب السجل القديم الذي انتخب بموجبه رئيس الجمهورية المستقيل بالاتفاق على شخصية توافقية أو بانتخابات تنافسية، فإن الاستقرار والتحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية تحتاج الى المصالحة الوطنية ومغادرة الماضي الى الحاضر والمستقبل من خلال تقديم حسن النية على سوء النية ومن خلال نبذ اللجوء الى الأساليب العسكرية والأمنية وتغليب خيارات السلام والتعاون على غيرهما من الخيارات الدامية والانتقامية، ورغبة الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين من المشاركة لأن الدولة تتسع للجميع واستيعاب اللجان الشعبية في المؤسسات العسكرية والأمنية للدولة، لأن الاستمرار في الماضي وتحين الفرص الثأرية والانتقامية وإقصاء الأقوى للأضعف سياسة فاشلة أصابت الدولة في مقتل ودمرت كل ما لدينا من المؤسسات العسكرية والأمنية وباعدت بين الدولة وبين قدرتها على بناء اليمن الجديد، يتضح من خلال السياسة المعلنة لأنصار الله أنهم لن يكرروا السياسات الخاطئة لأحزاب المشترك بقيادة التجمع اليمني للإصلاح من باب الحرص على نجاح ثورتهم ودولتهم الجديدة المزمع تحقيقها طبقاً لما نص عليه اتفاق السلم والشراكة.
لا يمكن لأنصار الله أن يحصلوا على ما هم بحاجة اليه من التعاون والنجاح في قيادة البلد من الدوامة الفوضوية للصراعات والحروب والمناكفات السياسية والطائفية والمذهبية إلاَّ من خلال دعوتهم للتسامح والتصالح والشراكة مع جميع المكونات السياسية ضاربين عرض الحائط بما حدث في الماضي من المماحكات والمنازعات والأطماع السياسية المحركة للثارات الانتقامية.. مؤكدين بذلك أن ثورتهم تتميز عما قبلها من ثورات تصحيحية.
في وقت نحتاج الى انتهاج السياسات الداخلية والخارجية المثيرة للإعجاب التي تطمئن اليها الدول الاقليمية العربية والاسلامية والدول دائمة العضوية ودول العالم التي تعتبر أمن واستقرار اليمن جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار العالم وذلك ما أشار اليه السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير الذي حرص فيه على الإشارة إلى المصالح المشروعة للدول والمصالح التي تؤدي الى التدخلات غير المشروعة بصورة يستدل منها على الموضوعية وعدم الرغبة في التدخل بالشؤون الداخلية للدول.
لا أعتقد أن النقاط الأربع التي أشار إليها السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير سوف تجد معارضة من قبل القوى والمكونات الموقعة على اتفاقية السلم والشراكة بعد أن أيدها المؤتمر الشعبي العام باعتباره من أقوى المكونات السياسية الفاعلة، مهما صدرت عنهم من تصريحات وبيانات يستدل منها على عدم الرغبة في المضي قدماً بالتوقيع على اتفاق السلم والشراكة إذا علمنا أن من حق أنصار الله أن يشاركوا في الدولة أسوة بغيرهم من الأحزاب السياسية، لأن الشراكة سوف تجعلهم ينبذون الصراعات والحروب ويستبدلون القوة بالأساليب والوسائل السلمية وبالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة، لاسيما وأن لدى الجميع منظومة متكاملة من مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها ستكون بمثابة المادة المشتركة للاتفاق على ما هم بحاجة إليه من المرجعية الدستورية والقانونية وعلى ما هم بحاجة إليه من الحلول الايجابية للقضية الجنوبية وقضية صعدة.
لا خوف على الوحدة
في وقت أكدت فيه الأحداث الاخيرة أن وحدة اليمن وأمنه واستقراره هي القناعة الراسخة في أوساط الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب اليمني في شمال الوطن وجنوبه وأنه لا صحة للمخاوف التي سادت في أوساط النخبة السياسية التي روجت لهذا النوع من الدعوات الانفصالية بقصد أو بدون قصد وبوعي أو بدون وعي، وأن المحرضين على الوحدة ينحصرون في نطاق الأقلية المستفيدة من الفساد المالي والإداري وعدم الاستقرار.. والانشغال في إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية بعد أن أخفقت السياسة في تنفيذ ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة من خارطة طريق تؤدي الى الاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات.
إن الوحدة اليمنية هي الثابت في جميع الأوساط اليمنية مهما وجدت من نزعات انفصالية تروج لها الأقلية الفاسدة والمفسدة مستدلة بما تقوم به من ممارسات إقصائية وإلغائية لتمرير ما لديها من أهداف ونوايا انتهازية ظالمة لا تتوقف إلاًََ هناك حيث تتمكن من الانفراد بالسيطرة الشمولية على السلطة.
فها هو رئيس الجمهورية في اللحظة الحاسمة يبادر الى تقديم استقالته لمجلس النواب باعتباره المؤسسة الوحدوية التي لازالت مستمرة برغم ما أحدثته الأزمة السياسية المركبة من تداعيات أمنية واقتصادية أثرت على غيرها من مؤسسات الدولة وسلطاتها، مؤكداً بذلك أنه حريص على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، مخيباً لكل الأوهام الانفصالية، وها هم أبناء الجنوب يغلبون المشاعر الوحدوية العقلانية على غيرها من المشاعر الانفصالية الفوضوية، مؤكدين للمراقبين المحايدين أنه لا خوف على الوحدة طالما كانت الديمقراطية هي المرسخة للمواطنة المتساوية وأن مخرجات الحوار الوطني قد وضعت النقاط على الحروف وأعطت كل ذي حق حقه.. وها هي القوى الدولية تنظر لليمن وحاضره ومستقبله من منطلق الحرص على إعطاء الأولوية لأبنائه والى جميع المكونات السياسية الى حل مشاكلها عن طريق الحوارات وتبادل التنازلات ونبذ العنف ومحاربة الارهاب وتحقيق اتفاق السلم والشراكة الوطنية لأن قوة الشعب اليمني في وحدته وضعفه في صراعاته ومنازعاته المدمرة لما لديه من الخيرات والموارد الطبيعية والبشرية.
دعوة للإصلاح!
أقول ذلك وأدعو المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح الى الابتعاد عن المواقف المتصارعة والخروج من الدوامة العنيفة لما تراكم في الماضي من الخلافات وتناسي ما لديهما من الثارات الانتقامية بعد أن تغيرت الأوضاع وأكدت التجربة والممارسة أن السلطة لا تدوم لأحد وإذا كان المؤتمر الشعبي العام قد تجاوز أحقاده في خروجه من الحكم إلى المعارضة وعدم استعداده للدخول في صفقات على حساب غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية وبدأ صفحة جديدة مع اخوانه في أنصار الله غير مبالٍ بما يمارس عليه من الضغوطات الداخلية والخارجية، فقد آن الأوان للاخوة في التجمع اليمني للإصلاح بقيادة الاستاذ محمد اليدومي لمراجعة مواقفهم ومواصلة ما بدأوه من حوارات سياسية مع السيد عبدالملك الحوثي وعدم الإنجرار خلف ما تروج له بعض القنوات الفضائية من تحريض على أنصار الله وتضخيم لما يمثلونه من الأخطار على أمن الدول الخليجية بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، مستفيدين من المواقف الأمريكية التي قللت من الدعايات التي تصفهم بالعمالة والتبعية لإيران، وقولها بأنها لا تمتلك أدلة مادية على تلك العلاقة المزعومة حتى لا يضعون أنفسهم في مواجهة غير مدروسة وغير محسوبة توصلهم إلى مواجهات يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد..
بعد أن أصبحت الشراكة مع أنصار الله الذين يفرضون سيطرتهم ويحكمون قبضتهم على الدولة، لأن الشراكة هي البديل لهذا النوع من الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية باعتبارها العاصم من التداعيات الناتجة عن الطمع بالسلطة والرغبة في السيطرة المنفردة عليها، لأن الاعتماد على الأساليب السلمية هي البداية للاقتناع بالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بين أبناء الشعب الواحد.
اعتقاد البعض بأنهم سوف يقلبون الطاولة على أنصار الله من خلال هذا النوع من الحروب الممولة من خارج الساحة اليمنية هو بالتأكيد اعتقاد خاطئ لا يترتب عليه سوى الإقدام على مغامرات قتالية تحتمل النجاح وتحتمل الفشل مرات عديدة لا يمكن تلافيها إلاَّ من خلال تقديم حسابات العقل على حسابات العاطفة والأساليب السلمية على الأساليب القتالية لأن الثانية زائلة والأولى هي الباقية أبداً.
قد تقولون إن أنصار الله هم من يتحمل المسؤولية لأنهم يقدمون أنفسهم كحزب مقاتل وليس حزباً سياسياً يترك مواجهة الارهاب ومواجهة الظلم والفساد على مؤسسات الدولة، فأقول بالأحرى إن مسؤولياتنا تحتم علينا التعامل بصدق مع هذه القوى الجديدة والصاعدة ونستعيد ما فقدناه معهم من المصداقية والثقة خلال الصراعات والحروب السابقة واللاحقة، لأن التعامل الصادق والموضوعي مع أنصار الله سوف يحقق الديمومة للشراكة في السلطة ويلغي كل الحسابات الخاطئة لمصلحة وطنية مقدمة على غيرها من المصالح الذاتية الزائلة والزائفة.. والاعتقاد بأن المظاهرات والاعتصامات سوف تقلب الطاولة على أنصار الله هو اعتقاد خاطئ له بداية وليس له نهاية معلومة ومضمونة النتائج وما ينطبق على المؤتمر والاصلاح ينطبق على أنصار الله.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-41919.htm